السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

هؤلاء لا يجددون!

هؤلاء لا يجددون!
هؤلاء لا يجددون!




وليد طوغان  يكتب:

 على مواقع التواصل، ساند كثيرون موقف هيئة كبار العلماء فى «الطلاق الشفوى». آخرون، كالعادة اعتبروها فرصة للتلاسن ضد الرئيس السيسى، قالوا إن موقف هيئة كبار العلماء، ضرورى فى مواجهة مطلب أراد به الرئيس تغيير شرع الله.
غريبة المعركة الدائرة على مواقع التواصل، مثلما كان غريبا إصرار هيئة كبار العلماء على «وقوع الطلاق الشفهى».
تقييد الطلاق الشفهى ليس افتئاتا على شرع الله، حكم الطلاق وحجيته هو الشرع، لكن كيفية وقوعه وثبوته، وجوازه من عدمه.. هى مسألة فقهية بحتة.
لم يطلب الرئيس، إلغاء الطلاق أو توقيفه. لم يطلب عدم الاعتداد به حال وقوعه، وثبوته. ما طلبه الرئيس، من رجال الدين كان حلولا لمواجهة كارثة اجتماعية، أدت بالكثير من الأسر للتفكك.. وملايين النساء المصريات إلى صفوف المطلقات.
إذا كان ليس لدى رجال الدين حلول شرعية معاصرة، لقضايا هى الأخرى معاصرة، فما الذى يمكن أن تنتظره منهم من تجديد؟!
على مواقع التواصل، اعتبر بعضهم أن معنى «تجديد الخطاب الدينى»، هو تغيير أسلوب الدعاة وأئمة المساجد فى الدعوة. لو كان المفهوم نفسه، هو معنى «التجديد» عند المشايخ والأزهريين أيضا.. فقل على أى محاولة للتجديد السلام.
التجديد المفترض هو التعامل مع الأصل، بمزيد من المرونة، لاستحداث أحكام شرعية جديدة تلبية لمتطلبات العصر.
الأصل فى التشريع الإسلامى هو حفظ سلامة المجتمعات، التجديد المفترض هو الذى يعيد صياغة الأدلة الشرعية، وصولا لأحكام جديدة، اقتضتها ظروف المجتمعات الإسلامية الحديثة.
هذا ما فعله الصحابة، وفهموه فى عصور الإسلام الأولى، عمر بن الخطاب، أوقف سهم المؤلفة، وعطل قطع يد السارق، مع أن القرآن كان شديد الوضوح فى المسألتين، على بن أبى طالب (كرم الله وجهه)، استحدث حدا للخمر، وقدره بـ100 جلدة، رغم عدم ورود نص فى القرآن الكريم بتقدير حد لشارب الخمر.
فهم الصحابة أن النص ثابت ومقدس، لكن هذا لم ينف أن الصحابة رضوان الله عليهم فهموا أيضا أنه رغم ثبات النص، فان له من المرونة، ما يسمح للمجتمع الإسلامى بالتعامل معه، واستخراج أحكام جديدة، حسبما يقتضى العصر وصولا للمصلحة.
الافتئات على شرع الله، هو إلغاء الطلاق. الاعتداء على شرعه سبحانه هو اعتبار رغبة الزوجين فى الطلاق غير نافذة متى أرادا. لكن تقييد وقوع الطلاق الشفهى، أو الإفتاء بمنح الزوج مزيدا من الفرص، لإعادة التفكير، ومزيداً من الوقت لإعادة النظر فى قراره.. ليس افتئاتا على الشرع.. هل عدم الاعتداد بطلاق السكران أو عدم وقوع طلاق الغضبان.. اعتداء على شرع الله؟!
يروى أن امرأة جاءت النبى (صلى الله عليه وسلم) معترفة بالزنى، كانت حاملاً، وطلبت الى النبى اقامة الحد عليها. ما كان منه (صلى الله عليه وسلم) إلا أن أمرها فعادت لبيتها، حتى تلد. لما ولدت عادت إليه، فأعادها حتى ترضع طفلها، ولما عادت أعادها حتى تفطمه. ولما عادت أقام عليها الحد.
سأل الصحابة النبى (صلى الله عليه وسلم) كما فى الرواية، لماذا لم يقم عليها الحد أول مرة رغم اعترافها، قال (صلى الله عليه وسلم) أنه أراد أن تفر بذنبها، فلا تعود.
لو لم يكن للإسلام ما به من رحابة، وما فيه من روح، لما استمر. كيف يقول المشايخ أنه دين ودنيا صالح لكل زمان ومكان، ثم إذا بنفس المشايخ يتوقفون عن إصدار حكم، اقتضته طبيعة العصر، ومصلحة المسلمين؟
تغير المجتمعات، وتنوع متطلباتها هى سُنة الله فى خلقه. لو أراد رجال الدين التجديد، مفترض فيهم الاستعداد الدائم لإعادة النظر فى النص، لإعادة إصدار ما يتطلبه المجتمع الحديث من أحكام.
لم يرد نص قرآنى فى الطلاق الشفهى. لم يرد نص صريح فيه. تكلمت الآيات القرآنية على «الطلاق» كمبدأ دينى جائز، لكن كيفية وقوعه وحدود الاعتداد به، كما وقع مسألة تظل فى يد الفقه.
لو أراد بعض مشايخنا التجديد لجددوا، لكن المسألة ليست فى رغبتهم.. إنما فى مدى قدرتهم عليه.
هؤلاء لا يجددون!