الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«مصطفى السيد سمير»: الحواديت تمنح الكاتب مساحة هائلة للتجريب

«مصطفى السيد سمير»: الحواديت تمنح الكاتب مساحة هائلة للتجريب
«مصطفى السيد سمير»: الحواديت تمنح الكاتب مساحة هائلة للتجريب




حوار - رانيا هلال

فى سماء الخيال يحلق بنا الكاتب مصطفى السيد سمير، مرة أخرى، مرتكزا على جرعة سخية متوسما فيها صنع ابتسامة وخلق شغفا على محيا القراء من كل الأعمار.. فيتجاوز عن الواقع بجناحين من حكى.. ويطير عاليا فى ربوع الدهشة. هذه هى تجربته السردية الثالثة بعد ديوان بالعامية بعنوان «صحيان بطيء من حلم جميل» ومجموعته القصصية «حارس ليلى للسماء» يطل علينا بكتاب الحواديت «خيالك سعيد.. حواديت للكبار قبل الصغار»، معا نستكشف هذا العالم المحاط بروح المغامرة والشغف.

 

■ لماذا الحواديت.. لماذا لم تكن القصة مثلا؟
- لأن الأشكال الأدبية يصعب وضعها فى قوالب، وإنما يمكن أن تنمو من تلقاء نفسها مثل النباتات، أصعب الأمور هو أن يجلس كاتب لصياغة أفكاره ومادة روحه فى قالب معد سلفا، لذا أفضل دائما أن أمنح الحرية للنص أن يختار شكله بما يتلاءم مع محتواه وبالتالى وظيفته، ولأن الحواديت تمنح مساحة هائلة للتجريب، منطقة آمنة يلتقى فيها الشعر والقصة، سماء رحبة يحلق فيها الخيال كيفما شاء، حتى نصل فى النهاية إلى حالة فنية تفاجئنا بالدهشة.
■ ما الفارق بين الحدوتة والقصة القصيرة فى رأيك؟
- هو يمكن أن يشبه الفارق بين السينما والمسرح، القصة نص مكتوب فى الأساس، يحمل ألعابه الكتابية، وأنماط الرواة المختلفة، بما فيها تعدد أصوات الرواة، كما تعتمد على هندسة معينة للنص يتم تنفيذها على سطح الورقة، مما يشكل جزءا رئيسيا فى التلقي، أما الحدوتة فهى تفترض وجود متلق أثناء إلقاء النص، متلق حاضر ومتفاعل ويحمل أسئلته الخاصة وتصوراته المسبقة وطريقته فى استخدام الخيال، وتعتمد الحدوتة على الوضوح والتماسك الدرامى وسلاسة اللغة، مما يمكّن المتلقى من استيعابها منذ التلقى الأول، وهنا تكمن الصعوبة، إذا حاولت دمج هذه العناصر دون الوقوع فى فخ المباشرة والتسطيح والحبكة المفتعلة، لذا يجب أن تحافظ على عدة مستويات للتلقي، تجعل القارئ يكتشف أشياء جديدة فى كل مرة يذهب إلى الحدوتة، أشياء تجعله يشعر أنه يكتشف نصا جديدا، كذلك على المستوى العملى فهناك اختلاف بين جمهور القصة وجمهور الحدوتة، ربما يكون جمهور الحدوتة أقل اطلاعا على الأدب من رواية وقصة وشعر، وأقل ارتباطا بالحركة الثقافية، لكنه بالتأكيد لا يقل شغفا بالقراءة والبحث الدائم عن الأعمال الأدبية التى يشعر أنها تخاطبه، النص هنا يتجه إلى قارئ من نوع مختلف، دون أن يخسر قارئ الأدب الأساسي.
■ كيف بدأت تجربة كتابة الحواديت؟
- منذ أكثر من عامين بدأت نشر الحواديت على صفحتى الشخصية على «فيس بوك»، لم يكن الأمر أكثر من لعبة كتابية جديدة، لكننى فوجئت بمدى التفاعل بهذه النصوص، مما لفت نظرى إلى إمكانية أن تتحول اللعبة إلى تجربة، حتى أصبح الآن هناك صفحة على «فيس بوك» يتابعها أكثر من خمسة عشر ألف متابع، أنشر عليها الحواديت بانتظام منذ عامين، ثم أتى هذا الكتاب ليكون إيذانا بخروج التجربة إلى وسيط ثقافى آخر، وبالتالى إلى نوع آخر من الجمهور، كذلك اختلف الأمر بالنسبة للتعامل مع الجمهور، فعلى فيس بوك هناك جمهور يتابع النص فور صدوره، يبادرك بالتعليقات الإيجابية والسلبية، ويمطرك بالأسئلة، يفتح حوارا معك ومع غيره من القراء حول النص، هذا النص الذى لم يكد يغادر طور التشكل وينشر للمرة الأولى، وتكمن الصعوبة فى أن هذا الجمهور متباين الأفكار والاتجاهات والهوى الأدبي، وكل منهم يبحث عن ذاته داخل هذا النص، لكننى لا أستطيع القول إننى لم أهتم بتعليقاتهم، كذلك لا أستطيع القول إننى التزمت بتعليقاتهم جميعها، كان هناك محاولة مشتركة بينى وبينهم لصياغة النص الذى يشبه النص الذى أحلم بتقديمه.
■ ألم تخف من نشر هذه التجربة فى كتاب حيث إنها تشكل نوعا جديدا من السرد؟
- لا يمكننى نفى ذلك، كانت هناك هواجس كثيرة، منها أننى أغادر هذا الجمهور الذى ولدت التجربة بين يديه وأمام عينيه وبمعايير ولغة يفهمها تماما بل ويقبل عليها، وأذهب إلى جمهور آخر ربما يمتلك معايير أخرى لتلقى الأعمال الأدبية وتصنيفها وتأطيرها، جمهور يمنح لقب «شاعر» ولقب «أديب» لأسباب أخرى لا تتعلق بحجم التفاعل على منشوراته على «فيس بوك»، كما كان الخوف من هوس التصنيف المسبق الذى يتسم به كثيرًا من قراء الأدب، حيث لا ينظر أحدهم إلى العمل إلا إذا كان قصة أو قصيدة بشكل محدد وسمات معينة، أنا أقدم إلى هذا الجمهور قصصا قصيرة باللهجة العامية المصرية، هذا مخيف طبعا.
■ «خيالك سعيد» جملة بسيطة لكنها ذات معنى جميل.. من يقولها الآن.. ولمن؟
- هى تحية سكان عالم الخيال للقادمين من عالم الواقع، فى هذا العالم نغادر كل ما هو متوقع أو تمت تجربته من قبل، نترك تصوراتنا المسبقة ومعلوماتنا الدقيقة ونترك العنان للدهشة، كى تحملنا إلى آفاق أكثر اتساعا، فى هذا العالم نقيم علاقات مع الأشياء والمشاعر والذكريات، ونتبادل المواقع والأسماء وزاوية الرؤية، لنرى فى كل مرة عالما / نصا جديدا، لذا رأيت أن تكون هذه التحية هى الكلمة الأنسب لوضعها على واجهة الكتاب، بوابة هذا العالم.
■ دائما ما تتسم كتاباتك بالخيال، لكننا فى هذا الكتاب على موعد مع جرعة غير مسبوقة من الخيال، فما السبب فى رأيك؟
- دائما ما تفتح الحرية شهية الإنسان نحو المزيد من الحرية، لذا وجدتنى وقد تركت ورائى الحديث عن التصنيف الأدبي، وعن الكتابة بالعامية، وجدتنى أسعى إلى ترك الواقع ذاته، ترك النظرة الرتيبة الفقيرة إلى العالم، باعتباره كيانا مصمتا محددا بأبعاد ومحاصرا بإمكانيات، رأيت أن أفعل ما أحبه دوما، تفكيك العالم وإعادة تركيبه بعيون جديدة، وعدم الاقتصار على تصوير حالم هنا أو هناك داخل النص، وإنما أن يكون النص ذاته صورة طويلة تتفرع إلى الكثير من الصور الجزئية، ربما يكون من الإفراط فى التفاؤل أن نعول على الخيال لإصلاح العالم، غير أنه يمكننا أن نجعل من الخيال مصدرا متجددا لطاقة الدهشة.
■ الكتاب مقسم إلى خمسة فصول رئيسية، حواديت الورد الأخضر/ المطر/ الأتوبيس/ الحب/ الظل.. كيف يمكنك تصنيف العالم إلى هذه الأقسام وأنت الكاره للتصنيف فى كل كتاباتك السابقة؟
- هذا التصنيف ليس بغرض القولبة والتنميط، وإنما هو نوع من الاهتداء بالعلامات، وهو جدلى تماما كشأن أى تصور بشري، واستطيع تقبل أن يختلف معه أى قارئ بل ويعيد ترتيبه من جديد، الفصول فى رأيى تعبر عما يمكن تسميته بفصول الإنسان الخمسة، فكما للطقس أربعة فصول يتبدل فيها وتكتمل دورة حياته، فإن للإنسان مراحل يتبدل فيها من حال إلى أخرى وتتبلور فيها شخصيته وتنضج تجربتهن، هذه الفصول تبدأ بالميلاد، ثم محاولة اكتشاف الأشياء، ثم الرحلة والتجربة، ثم توهج المشاعر، ثم ثقل التجربة، حيث يتحول الجموح والشغف إلى تأن وحكمة، وحاولت أن تعبر النصوص داخل كل فصل عن التجربة المشار إليها فى عنوان الفصل.
■ فى إحدى الحواديت تنكسر ماسورة الأحلام الرئيسية لتغرق الشارع.. هل هذا ما تحلم به فى الأدب؟
- بالتأكيد، الخيال هو ما يتميز به أى مبدع فى أى مجال، الخيال يساوى القدرة على صناعة امتدادات للحياة لا تتوقف عند حد معين، وبغير الخيال نجد أنفسنا ننحت دمى متطابقة كأننا فى مصنع كبير للدمى، وفى اللحظة التى أتوقف فيها عن الشغف بالخيال اعتقد أننى لن أكتب حرفا واحدا.
■ هل يمكن أن نرى كتابًا آخر ضمن هذا المشروع؟
- هناك أسئلة كثيرة تدور برأسى حيال الخطوة الثانية، هل سأتمسك باللهجة العامية أم أن التجربة القادمة ستكون بشكل آخر، وهل ستغلب المشهدية الشعرية على النص أم سيزاحمها بناء درامى معقد، وهل سأظل محتفظا بهذا الشغف أم سأترك هذا المشروع برمته إلى مشروع آخر، أشياء كثيرة يمكن أن تحسم هذه الأسئلة، أهمها عامل الوقت، واستقبال الجمهور على اختلافه لهذا الكتاب.