الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

هيكل الصحافة العربية

هيكل الصحافة العربية
هيكل الصحافة العربية




كمال عبد النبى  يكتب:

أجد نفسى قلقًا، وأواجه صعوبة بالغة عندما أتناول مقالًا عن الأستاذ محمد حسنين هيكل الذى رحل عن عالمنا فى مثل هذه الأيام من العام الماضي. فهو أهم علامة فى تاريخ الصحافة العربية اتفقنا أو اختلفنا على انتماءاته واتجاهاته.. وأنا اقدر صعوبته مع الأستاذ، الذى يختص هو فقط بهذا اللقب مثل أم كلثوم التى لزمت لها اسم الست سواء على المستوى الإعلامى أو الشعبى وهذا وجه التشابه بين الأستاذ والست الذى يبرز فى تفردهما ويشبه الأستاد نجيب محفوظ فى أنهما من القامات الكبيرة التى تعدت التسعين عامًا وهى مستمرة فى عطاؤها حتى آخر لحظات عمرها.
ونعود ثانية ونتحدث عن صعوبة الحديث عن الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، والتى هى بقدر الكتابات واللقاءات الكثيرة، التى إما قالها أو قيلت عنه، حتى أنك تصل إلى مرحلة تشعر فيها بأنك أنت «الإبرة» الضائعة فى بحر حياة «الأستاذ» هيكل.
وهنا نحكى أبرز النقاط التى تؤكد أن «هيكل» يستحق أن يكون الصحفى الأعظم والأشهر فى تاريخ الصحافة المصرية والعربية.
فمنذ الوهلة الأولى فى عالم الصحافة تحفل هذه الشخصية بالتميز والكيمياء الخاصة فبدأ رحلته مع الصحافة فى مطلع الأربعينيات، عندما كان يعمل فى جريدة الإيجبشيان جازيت عام 1942.
أثناء عمله كمراسل صحفي، قام بتغطية الحرب العالمية الثانية، وشهد معركة العلمين بمصر، بالإضافة إلى حرب فلسطين 1948.
وقد عمل مراسلًا لمجلة آخر ساعة بمؤسسة أخبار اليوم، وقام بتغطية أزمة البترول الإيرانية عام 1950 - 1951.
ونتج عن ذلك أول كتاب أصدره كان عن إيران باسم «إيران فوق بركان» عام 1951.
وتميز الأستاذ عن غيره من الصحفيين بثقافة غير محدودة ومنحته إجادته لعدة لغات فى شبابه، ميزة التفوق على غيره من الصحفيين، سمحت له بالترجمة والتواصل مع صناع القرار فى الخارج، والسفر إلى أغلب دول العالم.
ومكتبة هيكل التى يفوق عدد الكتب بها الـ50 ألف كتاب، توضح مكانة الرجل، لما تتضمنه من وثائق نادرة، ولوحات لأشهر رسامى العالم، ونسخ أصلية لمئات الكتب.
وفى رقم قياسى آخر لم يحققه غير الأستاذ على مدار تاريخ الصحافة المصرية فقد رأس هيكل تحرير الأهرام منذ 1957 حتى عام 1974.
ولم يكتف فى الأهرام بذلك فقط بل أنشأ هيكل عام 1968 مجموعة المراكز المتخصصة للأهرام: «مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية»، و«مركز الدراسات الصحفية»، و«مركز توثيق تاريخ مصر المعاصر».
عين هيكل كوزير للإرشاد القومى و(الإعلام) عام 1970 وأضيفت إليه وزارة الخارجية لفترة أسبوعين فى غياب وزيرها الأصلي.
عقد هيكل، عندما كان وزيرًا للإعلام، مؤتمرًا صحفيًا عام 1970، يوم 27 سبتمبر، قبل وفاة الزعيم عبد الناصر، بيوم واحد فقط، بمناسبة إتمام المصالحة بين الفصائل الفلسطينية والجيش الأردني.
فى الأول من فبراير لعام 1974، كتب العديد من الخطابات التى ألقاها السادات أمام البرلمان، قبل أن يقيله من رئاسة تحرير الأهرام.
وهنا نرصد أنه بعد أن أقاله السادات من الأهرام، عينه كمستشار لرئاسة الجمهورية، وهو ما رفضه هيكل قائلًا: «إن الرئيس يملك أن يقرر إخراجى من الأهرام، وأما أين أذهب بعد ذلك فقرارى وحدي. وقرارى هو أن أتفرغ لكتابة كتبى».
عرض على هيكل أن يكون وزيرًا للإعلام والثقافة، مرة أخرى فى حكومة ممدوح سالم عام 1975، ولكنه اعتذر عن قبول الوزارة.
كتب هيكل خطاب تنحى الزعيم عبدالناصر، عقب نكسة 1967، وقال عنه فى كتابه «الانفجار»: «أرهقتنى سطوره أكثر من أى شيء آخر كتبته من قبل، وظننت أننى حفظت العبارات والألفاظ من كثرة ما راجعتها وغيرت فيها وبدلت».
ومن وزير فى حكومة ممدوح سالم كما عرض عليه السادات الذى قدم جديدًا وغير تقليدى فى علاقته وحياة هيكل فزج به فى السجن مرة واحدة وذلك فى سبتمبر عام 1981 أثناء حملة الاعتقالات الشهيرة التى شنها السادات على القوى السياسية وقتها، وقال إن «السجن يظهر أفضل ما فى الإنسان وأسوأ ما فيه بلا أقنعة».
أثار كتابه «خريف الغضب»، الصادر عام 1983، جدلًا كبيرًا، بسبب الهجوم الحاد على السادات، والذى قال عنه هيكل إن الكتاب محاولة لفهم لماذا جاءت نهاية السادات بهذه الطريقة؟
هيكل الذى عرف أن الوقت لن يسعفه إذا قرر كتابة كل ما مر به، أو من قابله وتحاور معه، فتوجه إلى الأحاديث والبرامج التليفزيونية، لأنها تحمل ميزة توثيق أكبر قدر من المعلومات، وأن طبيعة العصر تجعل العديد من الناس يشاهدون اللقاءات أكثر من قراءة الكتب.