الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بلاء أم ابتلاء؟

بلاء أم ابتلاء؟
بلاء أم ابتلاء؟




محمد عبدالشافى  يكتب:


جنون الأسعار يستمر، حكومة الأزمات باقية وما حدث «ترقيع» وليس «تغييرًا»، المواطن يصرخ لتزايد الأسعار، كل يوم بل وكل ساعة، الحكومة ودن من طين وأخرى من عجين، مولد وصاحبه غايب، فالتجار يحتكرون ويرفعون الأسعار ولا رقيب عليهم سوى الله، ندعوه أن يأخذ لنا حقوقنا منهم فى الدنيا قبل الآخرة، لكن ما أود أن أكتب عنه هنا هو منهاجنا وأفعالنا، هل هى بالفعل ترضى الله؟ هل تنبع من عقيدة الإسلام؟
وهنا أتساءل، مَن منّا يصل رحمه؟ مَن منا يصدق فى قوله؟ مَن منا يتقن عمله؟ مَن منا يحترم مواعيده؟ مَن منا يحترم الكبير؟ مَن منا يعطف على الصغير؟ مَن منا يحفظ حق اليتيم؟ مَن منا يراعى جاره؟ مَن منا يعمر المساجد؟ مَن منا يحفظ حق الطريق؟ مَن منا يعود المريض؟ مَن منا يكتم السر؟ مَن منا يقدم النصيحة بما يرضى الله؟ مَن منا يجاهر بالأعمال الصالحة لا الخبيثة؟ مَن منا ينبذ النميمة؟ مَن منا يخمد الفتنة؟ مَن منا؟... مَن منا؟... أفعالنا لا تكفيها صفحات بل كتب ولا نحصيها، الآن اسمحوا لى أن أسوق لكم حكايات من أفعالنا.
# حكايتى الأولى: مات رجل وترك أخين أحدهما يكبر الآخر بـ 15 عامًا، وكان له إرث كبير يتمثل فى تجارة كبيرة، بالطبع أصبح الأخ الأكبر يتحكم فى كل شىء، أما الأخ الأصغر فكان مثل باقى العاملين يعمل ويكدح فى ماله ثم يتقاضى راتبا فى آخر الشهر مثل الغرباء، دون أن يعرف عنه شيئا، ذلك لأن أخاه أبعده عن كل كبيرة أو صغيرة، مرت الأيام وشاء القدر أن يمرض الأخ الصغير بمرض خطير أقعده فى منزله وأصبح فى حاجة ملحة للمال كى ينفقه على علاج مرضه، تذهب زوجته فى بداية كل شهر تستجدى بل وتشحت حق زوجها الُمقعد من أخيه، الذى يسمّ بدنها بالكلام بأنهم يعيشون عالة عليه، وأنه ينفق عليهم من كدّه وتعبه، وأن هذه التجارة اتسعت وكبرت بفضل جهده وتعبه وشطارته، الأخ الصغير يبكى دما على حقه الضائع، إلا أن مرارة المرض وقسوته لم تمكنه من استرداده كما أنه ليس له من الأدلة التى تثبت حجم هذه التجارة وحجم نصيبه فيها، مرت الأيام ومات الأخ الصغير وترك طفلتين فى حوزة الأم، أصبحت الزوجة المنكوبة، وطفلتاها تحت رحمة الطمّاع المفترى، ما من مرة تذهب إليه لتحصل منه على مصاريفها وابنتيها، إلا ويسم بدنها ويحسسها بأنها عبء عليه، مرت الأيام وكبرت البنتان وأصبحتا فى سن الزواج، وعندما طلبتا منه حقهما وحق أبيهما فى إرث جدهما كان رده عليهما بأن هذه التجارة من كدّه وتعبه، وأن جدهما لم يترك تجارة بهذا الحجم، وأن حقهما أنفقه عليهما وأتى لهما بمستندات تثبت ملكيته لهذه التجارة.
# أما ثانى حكاياتى: هذا رجل آخر مات وترك أخين أيضا أحدهما يكبر الآخر بـ20 عامًا، وترك إرثا ضخما، يتمثل فى مصنع وعدد من العقارات، وبالطبع تولى الكبير إدارة المصنع والعقارات، الأخ الأصغر كان يعشق العلم وساعدته على ذلك أمه، التى كانت تقتطع المال من أخيه الأكبر رغم أنفه كى يتعلم، برع الأخ الأصغر فى التعليم، حيث كان يتفوق فى جميع مراحل التعليم بتشجيع أمه له، إلى أن حصل على بكالوريوس العلوم بتقدير امتياز وأراد أن يكمل تعليمه فى دولة متقدمة، وبالفعل أعطته أمه جزءا من نصيبها فى الإرث وسافر لاستكمال دراسته، وبالفعل نجح نجاحا مبهرا، وعندما كان يريد مالا كانت ترسله إليه أمه، عاد الأخ الأصغر بعد أن حصل على الدكتوراه، ففرحت به أمه وأعطته باقى مالها بعد أن أعطت أخيه الأكبر أيضا حقه فى مالها، كى تعدل بينهما، وسافر مرة أخرى بينما أوصت الأم الأخ الأكبر بأن يعطى أخاه حقه فى إرث أبيه، وماتت الأم، مرت الأيام ومات الأخ الأكبر بعد أن كبر المصنع وباع العقارات القديمة واشترى بدلا منها فيلات لأبنائه، أراد الأخ الأصغر العودة لينشئ مشروعا يطبق فيه ما تعلمه ويجنى ثمرة كفاحه وتعبه سنوات طويلة، وهذا يحتاج إلى أموال كثيرة فطلب من ابن أخيه حقه فى إرث أبيه ففاجأه بأنه ليس له أى إرث وأن المصنع والفيلات باسمه هو وإخوته فعاد مرة أخرى من حيث أتى.
# حكايتى الثالثة: مات رجل وترك زوجته وابنا وبنتا فانكسرت عليهما الأم مثل أى أم مصرية، تضحى بنفسها من أجل أولادها، وكانت تصرف معاشا عن زوجها تنفقه بالكامل عليهما، وحرمت نفسها من كل شىء من أجلهما، مرت الأيام وكبر الابن وأكمل تعليمه، وعُين فى وظيفة محترمة يتقاضى منها راتبا كبيرا، ثم تزوج وأنجب ولدا وبنتا، انتظرت الأم أن يكافئها على تعبها معه وضياع عمرها عليه هو وأخته فطلبت منه أن تذهب إلى الحج، ليس أكثر من ذلك، ورغم أنه معه من المال ما يكفى لحج أمه، إلا أن مكافأته لأمه أن طلب منها معاشها كى يدخل به جمعية ثم يكمل لها الباقى من ماله فصدقته أمه وبهذه الفعلة الخبيثة استولى على معاشها ولم يف بوعده، مرت الأيام والأم تطالب بأن تحج من مالها الذى استولى عليه لكن دون جدوى إلى أن ماتت الأم دون أن تحج.
أما عن تعليقى على هذه الحكايات، نحن بهذه الأفعال لن يرضى الله عنا وبالتالى من الممكن أن ينزل بنا غضبه، غضب الله إما أن يكون بلاء، وإما أن يكون ابتلاء، أما البلاء فصوره عديدة منها الزلازل التى تقلب الأرض رأسا على عقب، البراكين والحرائق التى تأكل الأخضر واليابس، الطاعون والأمراض المزمنة التى تحصد الأرواح، الفتن التى تشعل الحروب والقتال لتدمر بلدانا كاملة، أما الابتلاء فهو اختبار من الله لعبيده، وقد يأخذ نفس هذه الأشكال أو غيرها، لذا أنا أرى أن غلاء الأسعار الذى نزل بنا هو بلاء أو ابتلاء من الله، أيا كان أحدهما، أرى أن الله رحيم بنا بأن يكون بلاؤنا أو ابتلاؤنا فى غلاء الأسعار، المطلوب منا سرعة العودة إلى الله وترك كل أفعالنا التى لا ترضيه عسى أن يدفع عنا البلاء أو ننجح فى الابتلاء.