الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مصر وميانمار وأزمة الروهينجا

مصر وميانمار  وأزمة الروهينجا
مصر وميانمار وأزمة الروهينجا




 أحمد عبده طرابيك  يكتب:

الأزمة التى تخيم على العلاقات بين مصر والعالم الإسلامى من جهة وميانمار «بورما سابقاً» من جهة أخري، هى أزمة مسلمى الروهينجا وما يعانونه من اضطهاد فى تلك البلاد، وإذا كانت المشكلات - أياً كانت - لا سبيل لحلها سوى الحوار والتواصل مع أطراف المشكلة، ولذلك فإن مشكلة الأقلية المسلمة البالغ عددها نحو مليون نسمة، تحتاج إلى التقارب مع حكومة ميانمار والأطراف الفاعلة فى الأزمة، وإجراء حوار شامل حول مختلف جوانب المشكلة.
 ترتبط مصر وميانمار بعلاقات تاريخية تعود إلى عام 1953، وذلك عندما أقامت الدولتان علاقات دبلوماسية فيما بينهما، ومنذ ذلك التاريخ تتمتع الدولتان بعلاقات طيبة، حيث يوجد مستوى متطور من التنسيق السياسى بين البلدين فى المحافل الدولية، ورغم قلة الزيارات المتبادلة للمسئولين فى البلدين، إلا أنه توجد آلية للمشاورات السياسية برئاسة مساعدى وزيرى خارجية البلدين، تعقد كل عامين بالتناوب فى كل من عاصمتى البلدين، القاهرة ويانجون.
سارت مصر خطوات كبيرة فى سبيل تسوية مشكلة مسلمى الروهينجا، حيث تم تقديم بعض المبادرات، وتبادل عدد من الزيارات كان آخرها وفد ميانمار الذى زار مصر فى أوائل يناير 2017 للمشاركة فى ندوة بعنوان «نحو حوار إنسانى حضارى بين مواطنى ميانمار»، والتى عقدها الأزهر الشريف ضمن فعاليات «ملتقى الحوار من أجل السلام فى ميانمار»، والذى يهدف إلى بحث أسباب التوتر بين الأغلبية البوذية والأقلية المسلمة، وسبل إرساء السلام فى البلاد من أجل تحقيق التعايش السلمى للجميع، وخاصة فى ولاية «راخين» التى يعيش فيها أغلب مسلمى الروهينجا.
 بدأت ميانمار عهداً سياسياً جديداً بتحقيق حزب «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية»، الذى تنتمى إليه زعيمة الأمر الواقع أون سان سو تشى الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 1991، فوزاً كبيراً فى الانتخابات التى جرت فى نوفمبر 2015، وهو الأمر الذى من شأنه أن يسهم فى مسيرة البلاد نحو الديمقراطية، حيث دشنت تلك الانتخابات مرحلة جديدة ليس فقط بإنهاء حكم الحقبة العسكرية، بل من خلال رفع العقوبات التى فرضها المجتمع الدولى على البلاد طيلة العقود الماضية، فالسيدة أون سان سو تشى التى ظلت على مدار عقود طويلة تدافع عن الحرية والديمقراطية فى ميانمار، تؤمن بأهمية تلك الحرية للجميع بمن فيهم مسلمو الروهينجا، هذا إلى جانب أن مستقبل البلاد الاقتصادى سيظل مرهوناً بحالة الاستقرار السياسى والأمنى فى البلاد، ومن ثم فإن تسوية مشكلة الأقلية المسلمة سيكون خطوة مهمة فى سبيل اندماج ميانمار فى المجتمع الدولي، وتطوير اقتصادها الذى لديه قدرات كبيرة على تحقيق طفرة نوعية خلال فترة وجيزة.
تشير مؤسسات التصنيف المالى إلى أن ميانمار، التى يبلغ عدد سكانها 50 مليون نسمة، أمامها فرصة كبيرة لمضاعفة حجم اقتصادها أكثر من أربع مرات بحلول عام 2030، إذا تمكنت من تنويع مصادرها الاقتصادية، وإقامة بنية تحتية قوية، والحفاظ على استقرار سياسي، خاصة أن البلاد تمتلك موارد طبيعية عديدة، أهمها احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعى والأحجار الكريمة، إلى جانب توافر مساحات شاسعة من الأراضى الصالحة للزراعة، وتوافر القوى العاملة، والموارد الضرورية لتوسيع حجم اقتصادها من 45 مليار دولار فى 2010 إلى أكثر من 200 مليار بحلول عام 2030، خاصة أن امكانية النمو فى ميانمار تعتمد على أربعة قطاعات رئيسية، هى الطاقة والتعدين، الزراعة، الصناعة، البنية التحتية، ويعتبر قطاع الصناعة هو الأكثر أهمية، مع استعداد الكثير من الشركات للانتقال من الصين ودول آسيوية أخرى إلى ميانمار حيث انخفاض الأجور للأيدى المدربة.
جذبت ميانمار أكثر من 300 شركة يابانية فى مختلف القطاعات، وذلك خلال السنوات القليلة الماضية، مع توقعات بجذب المزيد، حيث تعى طوكيو جيداً الأهمية الجيوسياسية للبلاد، فى ظل التنافس بينها وبين بكين التى تدفع باتجاه زيادة الاستثمارات فى البنية التحتية كونها جزءاً من استراتيجيتها لتثبيت حضورها فى الدول المحاذية للمحيط الهندي.
توجد العديد من الأطر القانونية التى تحدد أوجه التعاون بين مصر وماينمار، مذكرة تفاهم فى مجال الزراعة موقعة عام 1994، وبموجبها يقدم المركز المصرى الدولى للزراعة 7 منح تدريبية، مذكرة التفاهم الخاصة بإنشاء آلية المشاورات السياسية بين وزارتى خارجية البلدين، والموقعة عام 2006، اتفاق التعاون الثقافى والتعليمى والفنى والموقع عام 2009، كما يوجد مشروع اتفاق للتعاون الأقتصادى والفنى، بين وزارة التعـــــاون الدولى، ووزارة التخطيط فى ميانمار.
يقدم الأزهر الشريف خمس منح جامعية، ومنحتين فى المعاهد الأزهرية، كما تقدم وزارة التعليم العالى منحتين جامعيتين لتعليم اللغة العربية منذ عام 2009، خاصة أن وزارة الخارجية فى ميانمار تهتم بمنح تعلم اللغة العربية وهو ما يتزامن مع انفتاح السياسة الخارجية فى ميانمار على العالم العربي، وذلك بافتتاح سفارة لها فى السعودية، وتزايد الزيارات الرسمية وزيارات رجال الأعمال من ميانمار إلى دول الخليج العربى فى السنوات الأخيرة.
تعتبر تنمية العلاقات مع ميانمار فى مختلف المجالات، وخاصة السياسية والاقتصادية من أهم وسائل معالجة أزمة مسلمى الروهينجا، فالعلاقات القوية تزيد من قنوات الحوار والتواصل بين الجانبين، والتى من شأنها الوصول إلى أسباب الأزمة ومعالجتها من ناحية، كما أن العلاقات القوية بين البلدين من شأنها زيادة الضغط على زعماء التعصب والتشدد الذين يقودون عمليات الاضطهاد ضد الأقلية المسلمة فى ميانمار، مع الوضع فى الاعتبار أن تكون أولويات التعاون فى المجال الاقتصادى تكون مرتبطة بمعالجة أزمة مسلمى الروهينجا، وكذلك توجيه جانب كبير من نتائج التعاون الاقتصادي، سواء التجارية أو الاستثمارية إلى المناطق التى تقطنها الأقلية المسلمة فى ميانمار.