السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قصة طين مصر المحروق على يد «الفخرانى» فى متحف الحضارة

قصة طين مصر المحروق على يد «الفخرانى» فى متحف الحضارة
قصة طين مصر المحروق على يد «الفخرانى» فى متحف الحضارة




كتب ـ علاء الدين ظاهر


 تعتبر صناعة الفخار من الصناعات التى عرفها المصريون فى فترة مبكرة فضلا عن تميزها بالتواصل والاستمرارية على طول عصور مصر التاريخية، ولاتزال صناعة الفخار فى مصر منتشرة ومعروفة فى عدة مناطق مثل قرية النزلة بالفيوم وقرية جريس بالمنوفية ومنطقة الفسطاط فى مصر القديمة، ولتأصيل ذلك التاريخ قامت «روزاليوسف» بجولة فى قاعة العرض المؤقت بمتحف الحضارة فى الفسطاط والتى تستضيف معرضا مؤقتا عن الحرف والصناعات المصرية عبر العصور ومنها 4 حرف هى الفخار والنسيج والنجارة والمصوغات.
وخلال جولتنا رصدنا عشرات القطع الأثرية المختلفة التى تؤكد أن المصريين عرفوا صناعة الفخار حوالى الألف الثامن قبل الميلاد، واستخدموا أنواعا عدة من الطين فى صناعة الفخار كالطمى النيلى والطمى الطفلى وطمى الكاولين، وكان يتم مزج القش أو الرمل مع الطين للوصول لقوام العجينة المناسب،وكان الفخار يُشَكل بواسطة اليد ثم ما لبث المصريون أن طوروا هذه الصناعة، وتوصلوا لاختراع المنضدة الدوارة ثم عجلة الفخرانى المعروفة بشكلها الحالى، والتى مكنتهم من صناعة أوانٍ ضخمة ذات شكل منتظم.
وعرف المصريون حرق الفخار فى أفران محفورة فى الأرض أو مبنية حسب طبيعة كل نوع من الفخار المطلوب، وفى العصر الإسلامى اشتهرت مدينة الفسطاط كمركز صناعى مهم لإنتاج الأنواع المختلفة من الخزف، وتميزت بالخزف ذى البريق المعدنى حيث تمكن الخزافون أن يكسبوا الخزف بريقا يحاكى المعادن الكريمة، كما صنع الفخرانى المصرى ما يلائم بيئته فابتكر ما يعرف بـ«شباك القلة»، وهو عبارة عن مصفاة عند فوهة القلة لحماية الماء من الشوائب وللحفاظ على برودة الماء داخل الآنية، وتم تشكيل الفتحات بأشكال زخرفية أو نباتية أو حتى كتابات.
 وخلال الأسرة 18«1550-1290ق.م» ظهر اللون الأزرق المصرى كلون مفضل للفخار، ونظرا لعدم تواجده فى الطبيعة، كان يصنع ويوضع على الآنية الطينية وهى لا تزال مبللة قبل مرحلة الحرق، كما برع المصرى القديم أيضا فى تصنيع الفيانس المعروف باسم «القاشانى» ذو اللون الأزرق من مسحوق الكوارتز ثم يضاف له طبقة التزجيج الزرقاء وكان يتم الحرق لمرة واحدة فقط، واستخدم الفيانس لصناعة البلاطات المستخدمة فى العمارة والتمائم والأوانى الصغيرة والكبيرة، والتى ظلت شاهدة على براعة الصانع الذى تمكن من عمل أوان بالحجم الكبير من الفيانس.. ولفت نظرنا فى جولتنا فخارا حافته سوداء اللون، واكتشفنا أنه يرجع لمرحلة تصنيع الفخار فى فترة ما قبل التاريخ، وعرف باسم «الفخار ذو الفوهة السوداء»، حيث أنه بعد الحريق يدفن الفخار فى الأرض وتترك الفوهة فوق الأرض مع تغطيتها بطبقة من الحشائش الخضراء أو المبللة، وتحرق ليزيد الدخان ويمس الفوهة فقط، أما الجسم المدفون يظل بنفس لونه الأحمر، وهو ما يعد بداية لزخرفة الفخار بشكل بسيط وبدائى يلائم طبيعة التفكير الإنسانى فى تلك الحقبة التاريخية.. وعرفنا من الآثار الموجودة فى القاعة طريقة صناعة الفخار فيما قبل التاريخ، والتى ظلت مستخدمة تقريبا حتى يومنا هذا،حيث كان يأخذ الفخرانى خامة الطين الأساسية من خلط كتل طمى النيل السمراء «القرموطى» مع الطين الصفراء «التبينى» التى تؤخذ من مخرات السيول، وكان يتم حمل الطين الخام من الطبيعة من الصحراء أو النيل لخلطها، وتعجن الطينة إما بالأقدام فى المرحلة الأولى بعد خلطها ثم بالأيدى ليزيد تداخلها، وتعطى ما يسمى بالعرق وتكون ذات تماسك أقوى ولدنة أكثر.