الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

التطور الاقتصادى الهادئ فى فيتنام

التطور الاقتصادى الهادئ فى فيتنام
التطور الاقتصادى الهادئ فى فيتنام




 أحمد عبده طرابيك  يكتب:


بدأت عملية التحديث الاقتصادى فى فيتنام أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، وذلك خلال عملية التحول من النظام الاشتراكى المركزى إلى الانفتاح المنضبط والمحسوب اقتصادياً واجتماعياً، حيث ظهرت المؤسسات الخاصة، والتخلص من المزارع الجماعية، وإصدار قوانين منظمة لحقوق استخدام الأراضى الخاصة، وتحرير معظم الأسعار، وإلغاء العديد من القيود التى كانت مفروضة على نشاط القطاع الخاص، وخصخصة العديد من المؤسسات، والدخول فى شراكة مع رأس المال الخاص وهياكل الملكية المتنوعة، وفتح أبواب البلاد أمام التجارة والاستثمار الحر وتحرير القطاع المالي، هذا الانفتاح عمل على تهيئة المناخ الملائم للتطور، حيث سادت الحيوية وارتفاع الروح المعنوية لدى الشباب فى الاقبال على العمل.
 التحول الاقتصادى المنضبط والعدالة الاجتماعية كانت السمة البارزة فى عملية النمو الهادئ التى حققتها فيتنام منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضى حتى نهاية العقد الأول من القرن الحالي، الأمر الذى أسهم فى انتقال نحو 40% من السكان من تحت خط الفقر إلى مصاف الطبقة المتوسطة، حيث تقاسم جميع سكان البلاد معدل النمو الذى بلغ 9% دون تمييز لفئة عن الأخرى، ورغم حالة الركود التى أصابت البلاد منذ عام 2010، حيث تراجع معدل النمو إلى 5%، إلا أن البنية الأساسية فى قطاع التعليم والطرق وتطوير قطاع السياحة، ونظام العدالة الاجتماعية فى توزيع الدخل القومى، كل ذلك استطاع أن يحافظ على مكتسبات السكان الاقتصادية والاجتماعية.
حققت عملية الانفتاح نجاحاً كبيراً فى عملية التطور التى سارت فيها فيتنام، حيث استفادت من عضويتها فى المنظمات والاتفاقات الدولية والإقليمية، فمنذ عملية الانفتاح قبل ما يزيد على  ربع قرن، أصبحت فيتنام عضواً فى أكثر من 15 منظمة واتفاقية للتجارة الحرة إقليمياً ودولياً، منها اتحاد جنوب شرق آسيا «آسيان»، المحيط الهادئ للتعاون الاقتصادى «ابيك»، استراتيجية التعاون الاقتصادى «ميكونج»، حوار التعاون الآسيوى، حوار آسيا والشرق الأوسط، بنك التنمية الآسيوي، اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ، خطة كولمبو، بالإضافة إلى اتفاقيات تجارة حرة مع العديد من القوى الاقتصادية الكبرى كأستراليا، الاتحاد الأوروبى، اليابان، الولايات المتحدة، كوريا الجنوبية، روسيا، كندا، باكستان، الصين، الهند، وقد عملت فيتنام على الاستفادة المتبادلة من علاقات التعاون مع تلك المنظمات والدول، لا أن تكون مجرد سوقاً لمنتجاتها، ولكن باعتبارها شريكا اقتصادياً من خلال تهيئة المناخ الملائم لجذب الاستثمارات، سواء عن طريق توفير فرص العمل المدربة والبنية التحتية، أو عن طريق التشريعات الجاذبة للاستثمارات.
 سجل رجل الأعمال الفيتنامى «نجوين تى بونج تاو»، بالتعاون مع صندوق الثروة فى سنغافورة «جى آى سى» أول شركة طيران خاصة فى فيتنام باسم «فيت جيت»، برأس مال بلغ 1.2 مليار دولار، مما جعلها ضمن أكبر 30 شركة من حيث القيمة السوقية فى فيتنام، وذلك بعد أن كانت شركة «فيتنام اير لاينز» المملوكة للدولة هى المحتكر التاريخى لهذا القطاع، وفى 28 فبراير 2017، بدأ تداول أسهم الشركة فى بورصة «هو شى منه سيتى» - العاصمة الاقتصادية والمالية لفيتنام - وفى أول تعامل على أسهم الشركة ارتفع سعر السهم 20% عن السعر الذى تم طرح السهم به، الأمر الذى يعكس مدى التغير الكبير الذى يحدث بهدوء فى طبيعة وهيكلة الاقتصاد الفيتنامى.
 ورغم أن القطاع الزراعى الذى يعمل به نحو 50% من القوة العاملة، هو المحرك الأساسى للاقتصاد الوطنى فى فيتنام، مقابل 15% من الأيدى العاملة فى قطاع الصناعة، 32% فى قطاع الخدمات، إلا أن فيتنام يتم تصنيفها على أنها بلد صناعى، حيث يسهم قطاع الصناعة بنحو 40% من الناتج الوطنى، ويسهم قطاع الخدمات بنحو 39%، بينما يسهم قطاع الزراعة بنحو 22% من الناتج الوطنى الاجمالى.
الدروس المستفادة من تجربة فيتنام فى التنمية، يمكن وضعها فى عدد من النقاط. أولها: التوظيف الأمثل للموارد، ففيتنام غنية بالموارد الطبيعية والبشرية، وقد استطاعت توظيف تلك الموارد بشكل حقق لها أعلى استفادة، خاصة الموارد البشرية التى وضعت لها استراتيجية لتنميتها وتطويرها من خلال استراتيجية محددة وقاعدة تعليمية عالية المستوى، وبرامج تدريب مرتبطة مع سوق العمل، الأمر الذى أسهم بشكل كبير على جذب الكثير من المصانع والشركات العالمية لتتخذ من فيتنام موطناً لها، إلى جانب المزايا النسبة التى وفرها الموقع الجغرافى، والموارد الطبيعية خاصة الزراعية والمعدنية.
ثانيا: الذى ساهم فى نجاح تجربة فيتنام الاقتصادية هو مراعاة الخصائص الوطنية والعدالة الاجتماعية، حيث وفر ذلك مناخاً مناسباً لمشاركة جميع فئات المجتمع فى صنع النجاح الذى حققته البلاد، وذلك من خلال توفير الشعور بأن ثمرة ذلك النجاح هى للجميع، ولا تستأثر بها فئة دون أخرى، الأمر الذى أشاع جواً من الأمل والاقبال على العمل بحيوية ونشاط، والتفانى وتنمية روح الابداع والابتكار.
ثالثاً: تحقيق مبدأ المصالح المشتركة من العلاقات التجارية والاقتصادية مع الدول والمنظمات الاقليمية والدولية، وتطويع تلك العلاقات لخدمة الاقتصاد الوطنى، سواء من خلال عملية التجارة، وفتح أسواق تلك الدول أمام المنتجات الوطنية، والمنافسة المتكافئة التى تعمل على تطوير الأداء الاقتصادى، أو من خلال جذب الاستثمارات من خلال توفير البنية القانونية والتشريعية، وتهيئة المناخ الملائم لجذب الاستثمارات بما توفره تلك الاستثمارات من فرص تشغيل للأيدى العاملة، ونقل التقنية الحديثة المتطورة التى تمتلكها الشركات العالمية إلى البلاد.
نقل تجارب الدول التى حققت نجاحاً ملحوظاً خلال فترات زمنية وجيزة، خاصة الدول النامية تعد من الأمور المهمة التى تشحذ الهمم وتبعث على النشاط من أجل مسايرة تلك الدول التى حققت معدلات نمو عالية، وكذلك الاستفادة من التجارب التى سارت عليها هذه الدول خاصة فى حالات التشابه على المستوى الاقتصادى والسياسى والاجتماعى.