خدعة الديمقراطية
هشام فتحى
هشام فتحى يكتب:
الجائع لا يريد ديمقراطية بل خبزا، والمريض لا يريد ديمقراطية بل علاجا، والجاهل لا تلزمه الديمقراطية بل العلم والثقافة، والخائف لا تسعفه الديمقراطية بل الأمن، وساكنو القبور لا تأويهم الديمقراطية بل السكن الصحى اللائق.
أتذكر الآن ما كان يتفوه به أستاذ مادة النظرية السياسية بشأن (خدعة الديمقراطية) فى العالم العربى، كان يقول: «يراد خداع شعوب العالم الثالث بالديمقراطية»، كنا نضحك عليه ونستهزئ، فهمت الآن مقصد أستاذى، فعذرا، وعلمت أن الولايات المتحدة الامريكية كرست احتلالها الاقتصادى والسياسى للمنطقة العربية بشعارات الديمقراطية الزائفة، علمت بعد أن استنفدت عمرا طويلا فى الإيمان بحكاية الديمقراطية تلك، وبالنموذج الديمقراطى الغربى والامريكى.
أتذكر هذه الملايين من البشر فى أوروبا وأمريكا هؤلاء الذين خرجوا بالشوارع معارضين لـ»الحرب على العراق»، وبرغم هذه الممارسة الديمقراطية لم تستجب حكوماتهم «الديمقراطية» لمطالبهم الديمقراطية، واحتلت أمريكا العراق، والآن تمارس أمريكا نفس «اللعبة الديمقراطية» على سوريا، فهى تتهم الرئيس السورى بشار الاسد بـ»الديكتاتورية» وتجند العرب والعجم من كل حدب وصوب «ديمقراطى» لقتاله وإخراجه من سوريا مذموما مدحورا، تريد أمريكا حل الجيش العربى السورى آخر مسمار صلب ضد إسرائيل فى المنطقة، تريد أمريكا (الديمقراطية) حل حزب البعث العربى الاشتراكى السورى آخر المنظمات الرسمية العربية التى تعتنق الفكر الاشتراكى وتدعو للوحدة العربية، لتحيل أمريكا دولة سوريا إلى (جنة ديمقراطية) مثلما فعلت بالعراق، إذ نشرت الفوضى والقتل وسفك الدماء، فأغرت الشيعى بالسنى، والسنى بالشيعى، والمسيحى بالمسلم، والمسلم بالمسيحى، والعربى بالكردى والتركمانى، والكردى والتركمانى بالعربي، أحيت النعرات الطائفية بأرض الرافدين تكريسا لـ(الديمقراطية)، كن قاتلا تكن ديمقراطيا، كن سفاك دم تمارس الديمقراطية، كن مكفرا للناس من حولك ممن ليسوا على دينك ومذهبك وعرقك تحيى الديمقراطية وترفع لواءها، كن كارها لأبناء وطنك تمارس الديمقراطية بامتياز، كن قاطع رؤوس وشاقق صدور تكن ديمقراطيًا مؤمنًا على الطريقة الامريكية، إنه (الدين الديمقراطى) الجديد الذى تبشر به أمريكا وحلفاؤها من المحيط إلى الخليج.
لقد زرعت امريكا الإسلاميين التكفيريين فى دول «الربيع العربى» خدمة لأهدافها فى تفتيت المنطقة ووأدا لحركات ثورية تحررية حقيقية رامت التغيير والإصلاح، وبلعنا الطعم تحت مسمى «الديمقراطية وحقوق الإنسان»، وبالحقيقة أرادتها أمريكا وتوابعها فوضى، ورحنا نصفق لها جميعا، ونرقص طربا، على أنغام الديمقراطية، لقد لبسنا جميعا حلل الديمقراطية الجديدة فى يوم «عيد الديمقراطية» الأمريكى، وأصبحت مزارات مشايخنا الكبار من أمثال «القرضاوى» و»العريفى» وغيرهما إلى قبلة واشنطن وكعبات قطر وتركيا والسعودية التى تريد تغيير النظام السورى لانه نظام يضاد الحريات، إنها الديمقراطية السعودى - أمريكية، نعض عليها بالنواجذ، فالجنة هناك، وتحت قدمى السيد الأمريكى، جندت أمريكا مشايخنا لحبك لعبة الديمقراطية، فما أسهل على الحاكم أن يلعب بورقة الدين ليكسب القمار.
لقد كسبت أمريكا الترابيزة باسم الدين والديمقراطية، وقمنا جميعا من على الترابيزة بعد أن لعبنا بملابسنا على طريقة فريد شوقى واستيفان روستى وإسماعيل ياسين فى الفيلم الشهير. لكننا اكتشفنا مع أستاذ مادة النظرية السياسية أنه لا يمكننا أن نمارس الديمقراطية بدون عدالة اجتماعية، وتكافؤ فى فرص العمل ومساواة فى توفيرها لجميع المواطنين، لا يمكنك أن تتحدث عن الديمقراطية وأنت تميز بين الرجل والمرأة فى وظائف بعينها ومناصب، لا يمكنك أن تقنعنى بأنك ديمقراطى وأنت تمنع المسيحى من تقلد بعض المناصب، لا يمكنك أن تتحدث عن الوحدة الوطنية بينما ترفض بعض أنديتك إشراك لاعب مسيحى بين صفوفها.
لا ديمقراطية بدون حقوق، ولا ديمقراطية بدون حرية.