الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مصر والقضية.. شاهد على إعادة بناء المفاوض الفلسطينى

مصر والقضية.. شاهد على إعادة بناء المفاوض الفلسطينى
مصر والقضية.. شاهد على إعادة بناء المفاوض الفلسطينى




غالبا ما تعتبر الصحافة توثيقًا لتاريخ الأمم اكثر من كونها وسيطًا ثقافيًا ومعرفيًا ومجمعًا إخباريًا لدفاتر احوال الشعوب.. كان الاستاذ محمد حسنين هيكل يعتبر كل مقال تسطره يده فى حد ذاته وثيقة تعبر عن نظرته للشأن العام.. صاغ الاستاذ عبدالله كمال فى مقالاته تفاصيل تاريخ العقد الاخير من حكم الرئيس الاسبق حسنى مبارك بما لها او عليها بإبداع خاص تجعل من هذه المقالات الممتدة من اغسطس 2005 وحتى مارس 2011 وثيقة شاملة لتحول سياسى استثنائى فى التاريخ المصرى الحديث.
وأمس الاول كان من حظى القيام بمهمة توثيق.. مهمة من نوع خاص.. توثيق لعمل مصرى قومى يأتى فى توقيت دقيق ومرحلة بالغة الحرج لمنظومة الامن الاقليمى العربى وفى القلب منه القضية الفلسطينية التى تعد قضية العرب الاولى ولكن تراجعت وتراجع الاهتمام بها بفعل المجريات المصاحبة لثورات ما سمى الربيع العربى وهو ما جعل كل دولة عربية تتفرغ لهمها الداخلى وتاهت فى هذه الهموم قضية الصراع الممتدة منذ العام 1948 وحتى اليوم.
تبدل الزمن وتبدل الحال بالقضية الفلسطينية.. لم يعد الزمن هو الخطاب الحماسى لأبوعمار بالكوفية الفلسطينية الشهيرة فى الامم المتحدة وهو يزلزل قاعة الجمعية العامة بكلماته «لا تسقطوا غصن الزيتون من يدى».. ولم يعد الزمن هو زمن المقاومة الفلسطينية الشريفة والانتفاضة التى حركت الشارع العربى فى نهاية الثمانينيات ومطلع الالفية.. لم يعد فى بلاد العرب من يتذكر اسم محمد الدرة ولكن اصبحت الصورة الذهنية هى انقسام وصراع على السلطة بين فتح وحماس وانتشار للفكر المتطرف فى قطاع غزة.. الذى تحول الى قنبلة موقوتة فى قلب منظومة الامن القومى العربى بشكل عام والمصرى على وجه الخصوص.. ويبدو أن الفرقاء الفلسطينيين ارتضوا بشكل او اخر تقسيمًا وانقسامًا للسلطة فيما بين رام الله وقطاع غزة حتى ولو رفضوه علنا الا ان واقعهم يكرسه.. من هنا كان على مصر ان تعيد صياغة الموقف فى اتجاهات مختلفة لكنها تؤدى فى النهاية الى نقطة وصول واحدة وهى الحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية وفق الثوابت والمرجعيات الدولية التى تؤسس لحل الدولتين على حدود ما قبل 5 يونيو 1967.. وفى هذا السياق سترصد تصريحات ومواقف القيادة السياسية المصرية التى بدا من الواضح اصرارها على اعادة احياء الاهتمام الدولى مرة اخرى بالقضية الفلسطينية ومنع الالتفاف عليها وعلى الثوابت الراسخة بالنسبة لها.. وكانت البداية فى خطاب الرئيس السيسى فى محافظة أسيوط عندما وجه حديث السلام الى الشارع الاسرائيلى وأعقب ذلك زيارة وزير الخارجية سامح شكرى الى تل ابيب ومن بعدها خطاب الرئيس السيسى فى الجمعية العامة للامم المتحدة سبتمبر الماضى ثم حشد التأييد الدولى لمشروع قرار ضد الاستيطان الاسرائيلى بشكل مهد الى طرح الامر بشكل عاجل على الإدارة الأمريكية الجديدة ثم القمة المصرية- الاردنية فى القاهرة والتأكيد على ثوابت حل الدولتين ومن المنتظر ان تشهد القمة العربية المقبلة فى عمان تحركًا مصريًا فى السياق نفسه نهاية الشهر الجارى، فضلا عن قوة دفع منتظرة لقضية السلام من القمة المصرية- الامريكية المرتقبة فى واشنطن بين الرئيس السيسى ونظيره الامريكى دونالد ترامب.
هذا الجهد المصرى تجاه القضية الفلسطينية والمتصل بشكل وثيق بالامن القومى المصرى والعربى من الصعب ان يحقق النتائج المنتظرة منه اذا لم ننتبه الى العنصر أن البشرى الفلسطينى- واذا جاز التعبير المفاوض الفلسطينى- قد تأثر بالتغييرات التى ضربت القضية الفلسطينية وضربت العالم العربى وانعكست عليه وعلى أيديولوجيته.. من هنا كان عمل مصرى يمكن تصنيفه انه بالغ العمق ويشكل تمهيدًا نيرانيًا هادئًا لمعركة سلام تحتاج الى كوادر فلسطينية مؤهلة قادرة على الانطلاق مجددا لاستحقاقات السلام والمطالبة بها دون تخبط او تشويش قد يحيدها عن الحق الفلسطينى تحت شعارات زائفة او فهم خاطئ للدين.. وهذا الجهد هو ما استنتجته من فعاليات ندوة الفصائل الفلسطينية التى استضافتها مصر فى العين السخنة واختتمت اعمالها يوم امس بمشاركة نحو 300 شاب فلسطينى من قطاع غزة.. النظرة الاولى تقول اننا امام جمع بشرى فلسطينى من الشباب معظمه يحب مصر لكنها تحتضنه للمرة الاولى، متوسط اعمارهم 30 عامًا فى صورتهم الكاملة حضور مميز للمرأة الفلسطينية من شابات قطاع غزة وهو أمر جدير بالانتباه لان المرأة هى اساس التغيير فى كل المجتمعات.
أما من ناحية الموضوع.. فالجهد المصرى خلال ورش عمل جاءت فى شكل ندوات ركز على محورين الاول يستهدف تصحيح الخطاب الدينى قبل حتى تجديده وتعريف الشباب بالفكر الأزهرى المستنير والمحور الثانى هو التثقيف السياسى الشامل وتسليط الضوء على التفاعلات الجارية على المسرح الدولى وانعكاساتها على العالم العربى وفى القلب منه القضية الفلسطينية.
وفى المحور الاول اسندت المهمة الى قامات أزهرية مستنيرة وهم فضيلة الدكتور سعد الهلالى وفضيلة الدكتور أسامة السيد الأزهرى مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية.. وللوهلة الاولى ستدرك من الاختيار الحرص على التنوع الفكرى وهو امر يحقق هدف بالغ الأهمية لدى المتلقى وهو اعمال العقل.. ومسألة اعمال العقل تعد مناعة من نوع خاص تحمى صاحبها من الاستقطاب من قبل الجماعات المتطرفة والافكار الأصولية.. وهو امر يعد هدفا رئيسيا تسعى اليه الدولة المصرية من خلال تنظيم مثل هذا المحفل.
وفى المحور الثانى اسندت المهمة للدكتور مصطفى الفقى الدبلوماسى والمفكر المصرى الشهير وهو افضل من تسند اليه هذه المهمة من وجهة نظرى وذلك لكون الدكتور مصطفى واحدا من الدبلوماسيين المصريين المعاصرين لتطورات الصراع العربى الاسرائيلى- عن قرب من خلال عمله الدبلوماسى فضلا عن كونه واحدا ممن اسند اليهم مهمة تدريب المفاوض الفلسطينى فى مطلع التسعينيات وهى المعلومات التى كان قد كشفها كتاب الاستاذ محمد حسنين هيكل «المفاوضات السرية بين العرب واسرائيل» عندما تحدث عن ورش وجلسات تدريب لاعضاء منظمة التحرير الفلسطينية ووفد التفاوض الفلسطينى وكان يتولى مهمة التدريب السادة اسامة الباز ومصطفى الفقى وعمرو موسى وزير الخارجية انذاك.
وكذلك الدكتور عبدالمنعم سعيد وهو من العقول البحثية المصرية التى لها باع فى رصد وتحليل السياسة الدولية.. وبالتالى تكون حققت الندوة او بمعنى ادق مهمة اعادة البناء اهدافها من خلال جرعة علمية مدروسة لها اهداف محددة وهى منع استقطاب الشباب الفلسطينى من قبل الجماعات المتطرفة وكذلك التواصل مع الاجيال الفلسطينية الجديدة ولا نبالغ فى القول عندما نؤكد ان المشهد فى «ندوة العين السخنة» عكس قدرة مصرية على التواصل مع الجيل الثالث والرابع من ابناء فلسطين واعادة لم شملهم مرة اخرى حول الهدف الاسمى والرئيسى وهو القضية الفلسطينية.
هذا التحرك المصرى المدروس والجاد تزامن معه صدور ورقة بحثية بالغة الأهمية للباحث والمفكر الامريكى الشهير دينس روس الذى كتب قبل اسبوع تحت عنوان «الطريق الى السلام» سطورًا تسعى الى تأسيس منهج على المفاوض الفلسطينى ان يكون مستعدا له.
وقال نصا: «غالباً ما تُعتبر الدبلوماسية فناً أكثر منها علماً. أما بالنسبة للذين يرون غير ذلك، فأودّ أن أقترح عليهم مشاهدة المؤتمر الصحفى المشترك الذى عقده الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو. 
لم يكن المؤتمر منسقاً بشكلٍ جيد، ولم يقدّم أى مقررات أو صيغ واضحة بشأن السياسة. ولهذه الأسباب، يجب أن نتوخى جميعنا الحذر فى استخلاص استنتاجات بعيدة المدى.
أقدّم لكم هذا التنبيه بشكلٍ خاص لأن عدداً كبيراً من المراقبين سارعوا إلى استنتاج أن حل الدولتين للصراع الإسرائيلى- الفلسطينى أصبح فى خبر كان. فقد صبّوا تركيزهم على عدم رغبة ترامب فى التعبير عن أى من الحلّين يفضل حل الدولتين أم الدولة الواحدة، وعلى رغبة رئيس الوزراء نتنياهو فى التحدث عن «الجوهر» وليس «العناوين»، واستنتجوا أن الهدف من عملية صنع السلام قد تغيّر الآن.
قد يكون هذا صحيحاً، لكن تجدر الإشارة إلى أنّ ترامب قال أيضاً إنّه سيقبل بما يمكن أن يقبله الطرفان، وما كان يقوله بالفعل هو: سأوافق على كل ما يتفق عليه الجانبان.
وبما أن هذا الأمر بدا وكأنه إشارة إلى احتمال وجود بديل لحل الدولتين، وبما أن نتنياهو يتعرض لضغوط من معسكر اليمين للتخلى عن قبوله بدولة فلسطينية، فإن البعض مستعدٌ للاستنتاج أن اعتماد السياسة القائمة على حل الدولتين أصبح مستحيلاً ومن الأجدر نسيانه.
قد يشكّل هذا مصدر بهجة للإسرائيليين والفلسطينيين الذين يعارضون مشروع إقامة دولتين - ما يُعدّ بحد ذاته مدعاة للسخرية لأن وجهات نظرهم حيال تلك الدولة مختلفة للغاية. ومع ذلك، قبل أن يتمكن كل جانب من تهنئة نفسه بانتهاء الصيغة القائمة على حل الدولتين، ينبغى عليه أيضاً التمعّن بالنقاط الأخرى التى تطرَّق إليها ترامب.
فأولاً وقبل كل شىء، أوضح الرئيس الأمريكى أنه ملتزم بإحلال السلام وأن ذلك يشكل هدفاً بالغ الأهمية بالنسبة له. وتحدث عن ضرورة تقديم كلا الجانبين تنازلات، وإحجام إسرائيل عن بناء المستوطنات فى الوقت الراهن. وبعد أن طرح نتنياهو إمكانيات التعاون مع العرب حالياً، نوّه ترامب بدورهم فى عملية السلام. وفى الواقع، فى ما يخص الموضوع الأخير، يبدو أنه فوجئ إزاء إثارة نتنياهو، خلال المؤتمر الصحفى، مسألة دور الشركاء العرب واستخدامه مقاربة إقليمية لإشراك الفلسطينيين فى عملية السلام، لكنه رحّب بالفكرة مشدداً على احتمال التوصل إلى «اتفاق مهم».
إلّا أنّ هذا الأمر يعيدنا أيضاً إلى أرض الواقع. فمن المنطقى أن نرى ما إذا كانت التصورات المشتركة لوجود تهديدات قد أدّت إلى قيام تعاون فعلى- وإن كان منخفض الظهور- فى المجال الأمنى بين إسرائيل والعديد من الدول العربية السنّية، ويمكن أن تُترجم إلى اتخاذ خطوات نحو تحقيق السلام. وبالتأكيد، من المفيد اختبار الاحتمالات الممكنة، لا سيما أنّ ضعف الفلسطينيين وانقسامهم يجعلان من الصعب عليهم التفاوض مع إسرائيل، ناهيك عن التنازل عن أى شىء.
وما هو غير واضح هو مدى الأهمية التى يوليها العرب لإحلال السلام [فى المنطقة]. ففى أى مرتبة يضعون هذه القضية مقارنةً بالتهديدات التى تطرحها إيران والإسلاميون المتطرفون السنّة مثل تنظيم «الدولة الإسلامية»؟ وهل يعتبرون أن المكاسب التى سيحققونها من مشاركتهم الفعالة فى عملية صنع السلام وممارسة الضغوط على الفلسطينيين تستحق المخاطرة؟ وإذا شاركوا فى صنع السلام من هذا القبيل، ما التنازلات التى سيطالبون الإسرائيليين بتقديمها إلى الفلسطينيين؟
وهنا تكمن المشكلة. إذا قررت الدول العربية أنه من المنطقى لها أن تشارك فى عملية السلام مع إسرائيل، فسترغب فى أن تظهر بأنها مَنَحت للفلسطينيين ما لم يتمكنوا من تأمينه لأنفسهم. وأنها لن تتنازل عن المطالب الفلسطينية بل ستمثلها.
وقد تكون المفارقة الكبيرة بأنه من شبه المؤكد أن إشراك العرب سيؤدى إلى حل الدولتين إذا كانت الجهود المبذولة ستؤدى إلى أى نتيجة. فلا يمكن للقادة العرب أن يقبلوا بإدراج الفلسطينيين ضمن دولة إسرائيل.
وبالتالى فإن مقاربة إشراك العرب منطقية: فالتعاون بين إسرائيل والعرب، حتى لو كان يجرى سراً، يُعدّ تطوراً جديداً مهماً فى المنطقة. فهو يمثل أحد الأصول التى تتمتع بها إدارة ترامب خلال دراستها كيفية مواجهة إيران وتنظيم «الدولة الإسلامية» وتفكيرها فى الخطوات التى يجب اتخاذها فى ما يخص إحلال السلام.
والمفارقة الأخرى هى أن رغبة المصريين والأردنيين والسعوديين والإماراتيين وغيرهم فى انخراط الولايات المتحدة فى المنطقة واستعدادها لممارسة سلطتها على أعدائهم قد يمنحهم محفزاً للاستجابة إلى رغبة ترامب فى جعلهم يضطلعون بدورٍ فى عملية السلام. لكن هذا لن يلغى حاجاتهم إلى تحقيق مكاسب للفلسطينيين.
قد يكون من الصعب التوصل إلى حل الدولتين فى أى وقت قريب. أمّا الذين يظنون أن حل الدولتين أصبح مستحيلاً، فأدعوهم  إلى التروى وعدم التوهّم.
الى هنا وانتهى ما اسماه دينس روس لفت انتباة وهى استخلاصات جديرة فعلا بالانتباه صدرت عن مفكر له اسمه فى العالم البحثى الامريكى الذى استقبل هو الاخر رأيًا لديفيد ماكوفسكى جاء فيه: «أن الأهداف الرئيسية لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض فى 15 فبراير، تجديد العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من خلال وضع الخلاف فى السياسات الذى طبع السنوات القليلة الماضية جانباً. وبهذا المعنى، نجحت القمة، إذ بذل كلٌّ من نتنياهو والرئيس ترامب جهداً خاصّاً فى الثناء لبعضهما البعض. لكن ما زالت التداعيات لسياسة الولايات المتحدة حول مسائل ثنائية أساسية- كعملية السلام مع الفلسطينيين التى توقفت منذ فترة طويلة- غير واضحة المعالم وتستحق إلقاء نظرة فاحصة عليها.
ويستطرد قائلا: كانت اللحظة الواضحة التى تصدرت معظم العناوين الرئيسية التى أعقبت اجتماع القمة هى القبول المفتوح لترامب لحل الدولة الواحدة أو حل الدولتين فيما يتعلق بالنزاع الإسرائيلى- الفلسطينى طالما يوافق الطرفان على ذلك. وأشار هذا الموقف إلى تراجع الحكومة الأمريكية عن التزامات الدولتين التى تبنتها منذ عام 2001.
ربما كان الهدف من تصريح ترامب مساعدة نتنياهو فى سياسة الائتلاف المحلية فى بلاده، حيث أصبحت بعض الفصائل من الجناح الأيمن تعارض نموذج الدولتين على نحو متزايد. فقبل اجتماع القمة على سبيل المثال، طالب وزير التربية والتعليم الإسرائيلى نفتالى بينيت أن يتفادى خصمه نتنياهو إعادة تأكيد الدعم لهذا النموذج. لكن يبدو أن ترامب لم يُسدِ معروفاً لنتنياهو عندما ذكر سيناريو الدولة الواحدة، حيث هناك فرصة ضئيلة بأن يوافق رئيس الوزراء يوماً على مثل هذه النتيجة. فنتنياهو يعلم أن التركيز على دولة واحدة لن يؤدى إلا إلى مساعدة «حماس» وتشويه سمعة السلطة الفلسطينية، فى حين سيجعل التصدى للتحديات المتكررة التى يطرحها بينيت لسلطته أكثر صعوبة أيضاً. لذلك، حرص رئيس الوزراء فى مؤتمره الصحفى مع ترامب على تفادى تأييد فكرة الدولة الواحدة، موضحاً أن إسرائيل لا تريد أن تضم إليها فلسطينيى الضفة الغربية الذين يبلغ عددهم 2.75 مليون نسمة.
وحتى أولئك الذين يقفون إلى يمين نتنياهو يفهمون مخاطر مقاربة الدولة الواحدة. ففى مقابلة إذاعية جرت فى إسرائيل فى الأسبوع الثانى من فبراير الحالى ولم تلفت الأنظار كثيراً، أقرت وزيرة العدل إيليت شكيد حليفة بينيت أن إلحاق الضفة الغربية بأكملها من شأنه أن يؤدى إلى «نهاية الدولة اليهودية» - مدركةً على ما يبدو أن انهيار السلطة الفلسطينية سيؤدى على الأرجح إلى مطالب «الصوت الواحد للناخب الواحد» التى سيرفعها سكان عرب إسرائيليون - فلسطينيون قد يبلغ عددهم فوراً ثلاثة أضعاف تقريباً.
وبالمثل، من غير المرجح أن تسهّل الدول العربية مفاوضات السلام إذا كان السبيل المنْوى سلوكه هو مقاربة دولة واحدة يؤيدها الإسرائيليون. وتريد الحكومات العربية المعروفة بتجنّبها المخاطر أن تظهر بصورة المدافعة بالنيابة عن الفلسطينيين، وليس المذعنة للمطالب الإسرائيلية، لا سيما نظراً إلى مدى حساسية شعوبها إزاء هذه القضية. وإذا كان ما يفضّله الإسرائيليون هو الدولة الواحدة، فلن يجنوا أى مكاسب سياسية من خلال ربط أنفسهم عن بعد بمثل هذه العملية.
يبدو أن هذه العوامل مجتمعةً تجعل من خطة الدولة الواحدة فكرةً محكومًا عليها بالفشل، لذلك، ربما كان تعليق ترامب محاولة ارتجالية للبقاء حاليّاً بمنأى عن الالتزامات العلنية، وليس إشارةً إلى حدوث تحوّل حقيقى فى السياسة. فلم تقم الإدارة الأمريكية قبل ذلك بمراجعة رئيسية للسياسات التى من شأنها أن تبرّر مثل هذا التحوّل التاريخي. لذلك، ربما ليس من المستغرب أن تعيد سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكى هالى تأكيد التزام واشنطن بحل الدولتين فى اليوم الذى أعقب تعليق ترامب.
ولا يتمحور الجدل الحقيقى الذى يجب أن يواجهه نتنياهو كثيراً حول خيار الدولة الواحدة مقابل خيار الدولتين، إنما حول تحديد طابع حل الدولتين، كما أشار فى المؤتمر الصحفى. ويشكل هذا التحدى أحد الأسباب الرئيسية لانهيار محادثات السلام فى عامى 2013-2014. فلطالما شدد نتنياهو على أن الجمع بين الرفض الفلسطينى الذى تتزعمه حركة «حماس» وعدم الاستقرار الخطير فى المنطقة يعنى أنه يجب منح إسرائيل مسئولية أمنية أساسية على أى دولة فلسطينية مستقبلية، وأشار إلى أن عدة بلدان أخرى قد قبلت قيوداً مماثلة على سيادتها الخاصة. ويوافق الفلسطينيون أن تكون دولتهم غير معسكرة، لكنهم رفضوا عناصر أخرى من المطالب الأمنية لنتنياهو.
وما يضيع أيضاً فى دوامة «الدولة الواحدة - الدولتين» هو واقع إعراب ترامب مرة أخرى عن رغبته فى التوسط فى اتفاق للوضع النهائى خلال فترة رئاسته. وليس هناك دائرة سياسية داخلية تدفعه نحو هذه المشاركة، لذلك تبدو دعواته المتكررة إلى هذا الاتفاق كإشارة حقيقية إلى الاهتمام على المستوى التنفيذى بعملية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية.
أما بالنسبة إلى توقع إطلاق مبادرة سلام إقليمية قد تشجع الفلسطينيين على تقديم تنازلات هم غير مستعدين للنظر فيها خلال المحادثات الثنائية، فلم يُعرَف بعد إذا ما كانت الدول العربية مستعدة للتجرؤ على الانخراط فى مثل هذه العملية. حتى إن التعاوُن بين الولايات المتحدة وإسرائيل فى مواجهة إيران قد لا يكون كافياً لإقناع هذه الدول خلاف ذلك، لأن الكثير من القادة العرب يفتقرون إلى الثقة فى ما يستعد نتنياهو تقديمه إلى الفلسطينيين فى أى إطار.
الى هنا وانتهى تحليل الباحثين الأمريكين.. وضع ما تضمنته هذه الاوراق البحثية مع السلوك الدبلوماسى الاسرائيلى وفى المقابل حالة ترتيب الاوراق اذا جازت التسمية للادارة الامريكية الجديدة يجعلك تفهم بسهولة ادبيات التحرك المصرى الذى يسعى الى نجدة القضية الفلسطينية من اصوات متطرفة وسلطة تعانى من التصدع ونسيج وطنى فلسطينى يعانى الكثير.. ويجعل جيلًا جديدًا من ابناء الشعب الفلسطينى واضح الاهداف والرؤى تجاه الحق الفلسطينى بعيدا عن استقطابات التطرف التى ستصب فى النهاية فى خدمة الهدف الاسرائيلى وهو التنصل من حل الدولتين.