الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

(مولانا) بين شاشة السينما والأجساد الناطقة

(مولانا)  بين شاشة السينما  والأجساد الناطقة
(مولانا) بين شاشة السينما والأجساد الناطقة




«يحب أن يفعل ويحب أن يرى رد الفعل، فهو فى مكان عميق فى ضميره يريد خدش صورة الشيخ التى تلتقطها له عيون الناس وعدسات الكاميرات، عندما يتأمل هذا اللون الأحمر فوق الكاميرا يدرك تأهب المستعرضين للاستعراض، الضوء الذى يفجر تلك القدرة الكامنة على التلون، بين كونك كائنا بشريا وبين تبدلك كائن تليفزيونى، التحول من الانبساط رغم الضيق وإلى الجدية رغم التهتك وإلى الوقار رغم المسخرة».. هكذا وصف الكاتب إبراهيم عيسى حال بطل روايته الشيخ حاتم الشناوى فى «مولانا» الذى ظل يعيش حالة من الصراع الفكرى والنفسى بين عالم الدين الحقيقى والمزيف الذى تسيطر عليه زهو الشهرة وسحر الأضواء فيتناقض قوله مع حقيقة إيمانه، ويظل هذا الصراع النفسى طوال أحداث الرواية ومع كل الشخصيات التى يلتقى بها، ونظرا لغنى وثراء هذه الشخصية دراميا قدمها مؤخرا المخرج مجدى أحمد على فى عمل سينمائى يحمل نفس الاسم، لكن اختلف النقاد حول جودته الفنية ورأى كثيرون أنه كان عملا سطحيا لم يتطرق إلى أعماق تفاصيل هذا الصراع النفسى كما كتبه عيسى بروايته، وهكذا تبادلت شخصية مولانا بين السينما والأجساد الناطقة.
ففى محاولة لقراءة هذه الشخصية بشكل آخر قدمها المخرج مناضل عنتر مدير فريق الرقص المسرحى الحديث فى عرض راقص وهو تحد أكبر من العمل السينمائى لأن الأعمال الراقصة تعتمد بشكل رئيسى على التعبير الحركى فقط، وبالتالى يطالب العرض الراقص بتوصيل التفاصيل الدقيقة ورسالة العمل السردى عن طريق الإيماءات والتصميم الحركى، وهو ما قام به المخرج بمهارة واحتراف حيث استطاع فى عمل مدته ساعة ونصف الساعة تكثيف أحداث عمل روائى ضخم تجاوز عدد صفحاته الخمسمائة صفحة.
أحيانا لا يكون التكثيف مخلا بالنص الأصلى خاصة إذا اعتمد على البلاغة والدقة فى وضع يده على العقدة الأساسية للعمل الفنى وهو الصراع الإنسانى الذى يتعرض له هذا الرجل والذى قد لا يتحمل إعداده نص مسرحى أو عمل سينمائى متكامل الأركان فى رحلته من الفضائيات ثم صراعه مع نجل أحد كبار رجال الدولة ودخوله فى جدل وفتاوى دينية عديدة، وزع مناضل شخصية الشيخ حاتم على شخصيتين، باعتباره شخصا يعانى من حالة انقسام وازدواج نفسى واضحة الأولى شخصية متكلمة ومتحدثة قدمها الممثل طه خليفة والأخرى شخصية يقتلها الألم والشك والارتباك بين حالة التجرد لله بالعبادة وبين انجذابه للضوء الأحمر الذى أخذ منه الكثير وقدمها الراقص محمد عبد العزيز «زيزو»، وهنا كانت مشاهد الصراع بين الشخصيتن وربما لم يكن مزعجا كثيرا استخدام المخرج لبعض مشاهد الكلام والحوار فى هذا العمل على وجه التحديد كما كان بالأعمال السابقة نظرا لطبيعة هذه الشخصية المتكلمة طوال الوقت كى لا ينفى عنها طبيعتها الاستعراضية وحبها فى الظهور حتى وهو فى أوج صراعه النفسى العنيف، قدم طه وزيزو هذه المشاهد بمهارة شديدة خاصة فى مشاهد التعبير الحركى بينهما والتى عكست مدى الصراع النفسى المرير بين هذا الشيخ وضميره الذى يؤلمه دائما.
تناول مناضل مناطق أخرى بالرواية مثل علاقته بنشوى الشخصية المجادلة التى ظهرت فى حياته وحاولت إغواءه ثم الأزمة التى تعرض لها مع أحد رجال الدولة مع نجله الذى أراد التحول إلى المسيحية قدمه بمهارة وتميز الراقص الشاب نور حمدي، ففى هذا العمل البسيط فى شكله الغنى فى مضمونه أحكم المخرج ومعد النص تقديم تفاصيل مهمة بالعمل الروائى، ربما كان من الممكن تجاهلها والتركيز على صراعه النفسى فقط، لكنه استطاع باحتراف شديد أن ينطق بإضاءة موحية عن أجواء هذا الصراع والحالة الإيمانية والعلمية التى أحاطت به باستخدام عدد من القناديل المعلقة التى أحاطت المسرح بشكل دائرى من الداخل ثم لحظات التحامه بالضوء الأحمر ولحظات إغوائه الشيطانية، تفوق عمرو الأشرف مصمم الإضاءة والديكور فى تصميم كل مشهد من هذه المشاهد وكل حالة تعرض لها الشيخ حاتم حيث ساهمت الإضاءة كثيرا فى الالتحام بأجواء العمل وبنفس هذا الرجل المرتبكة دائما.
تعتبر هذه هى المرة الثانية التى يعاد فيها عرض «مولانا» على خشبة المسرح الكبير بدار الأوبرا حيث سبق أن قدمه مناضل عنتر على مسرح الجمهورية عام 2015 بنفس الفريق، شارك فى بطولته الراقص محمد عبد العزيز «زيزو»، محمد سيد «ميشا»، باهر أمجد، عمرو البطريق، نادر جمال، نور حمدى، صلاح ملوخيا، عبد الرحمن حامد، إيمان رزيق، منت محمود، رشا الوكيل، يمنى سعد، كاورو سونامى، جاسمين أحمد، آنا ماريا، وممثل من الخارج طه خليفة.