الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أبعاد جولة الملك سلمان الآسيوية

أبعاد جولة الملك سلمان الآسيوية
أبعاد جولة الملك سلمان الآسيوية




أحمد عبده طرابيك يكتب:

جولة العاهل السعودى الملك سلمان الآسيوية - باستشناء زيارته البروتوكولية للأردن للمشاركة فى القمة العربية - والتى تشمل ست دول آسيوية «ماليزيا، اندونيسيا، سلطنة بروناي، الصين، اليابان، جزر المالديف»، تعد إعادة اكتشاف جديد للشرق الآسيوي، بعدما ظلت بوصلة المملكة العربية السعودية طوال أكثر من سبعين عاما لا تعرف فى توجهاتها سوى الغرب، بشقيه الأوروبى والأمريكي، ولذلك تكتسب تلك الجولة أهمية كبرى على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية وحتى العسكرية، خاصة فى المرحلة التى تمر بها السعودية ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، مع عدم وضوح السياسة الأمريكية فى عهد الإدارة الجديدة.
تستعد السعودية لطرح نسبة من أسهم شركة «أرامكو» العملاقة فى الأسواق المالية العالمية، وتسعى لأن يكتسب هذا الطرح قدرا كبيرا من الجاذبية، فى ظل سياسة الانفتاح الجديدة على العالم، من خلال تبنيها لاستراتيجية 2030، وتعتبر منطقة شرق آسيا بشكل عام، هى المنطقة الأمثل لذلك الانفتاح، نظراً للتقارب فى الكثير من العادات والتقاليد الشرقية المحافظة، كما أنها تعتبر من أكثر المناطق نمواً فى العالم، حيث تعد من أهم مستوردى النفط السعودي، إلى جانب امتلاكها لفوائض مالية ضخمة، ومن ثم يمكن أن تكون أكبر شريك تجارى واقتصادى للسعودية، لذا تسعى المملكة لاجتذاب المزيد من الاستثمارت الصينية واليابانية، خاصة أنهما يمتلكان صناعات متطورة وتقنيات عالية فى مختلف المجالات.
لا تريد السعودية أن تكون علاقاتها مع الصين قائمة على التبادل التجارى وحسب، بل تريد منها انخراطاً أكبر فى الجانب السياسي، كبديل، أو على أقل تقدير تكون شريكاً فى مشاكل المنطقة، وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة والدول الغربية، كما تسعى المملكة إلى أن تكون الصين مصدراً من مصادر التسليح لديها فى محاولة لتنويع مصادر السلاح، وتشجيع الصين على الانخراط فى قضايا المنطقة. وفى المقابل فإن الصين يمكن لها أن تلعب دور الوسيط بين السعودية وإيران، حيث تمتلك علاقات جيدة مع الطرفين، ولا تسعى لتأجيج الصراع المذهبى مثل الولايات المتحدة والدول الغربية، وقد أبدت الصين استعدادها للقيام بتلك الوساطة، كما جاء على لسان وزير خارجيتها وانج يى يوم الأربعاء 8 مارس الجاري.
لن تكون زيارة الملك سلمان إلى جزر المالديف للاستجمام وحسب - كما يتصور البعض - فهناك العديد من التقارير التى تشير إلى أن المملكة تسعى لشراء أرخبيل «فآفو» المكون من 18 جزيرة مرجانية يسكن فيها قرابة 6 آلاف نسمة، خاصة أن المالديف قد أقرت قانوناً فى عام 2014، بخصوص إقامة مناطق اقتصادية خاصة بالبلاد، يسمح بتأجير الأراضى لشركات أجنبية لمدة 99 عاماً، وتسعى السعودية لشراء أو تأجير جزر «فافو» لإقامة مجمع سكنى فاخر لاستضافة مشاهير وأثرياء العالم، الذين بإمكانهم الإقامة فى المنطقة بشكل دائم أو الاستجمام فيها لفترات مختلفة.
 زار العاهل السعودي، ثلاث دول ضمن مجموعة «آسيان» العشر، هى: «ماليزيا، اندونيسيا، سلطنة بروناي»، وهذه الدول لها أهميتها الاقتصادية الكبيرة، حيث يحقق النمو الاقتصادى لدول المجموعة معدل نمو 5%، ومن المقرر أن يستمر ذلك المعدل خلال السنوات العشر المقبلة، الأمر الذى يعنى أن معدل النمو لدول «آسيان» سيتجاوز معدل النمو الاقتصادى للاتحاد الأوروبى الذى يضم 62 دولة - بعد خروج بريطانيا منه - خلال فترة تتراوح ما بين 10 و15 عاماً، حيث تجاوز الناتج المحلى الاجمالى السنوى لدول «آسيان» 2,5 تريليون دولار، وهذا النمو المتزايد فى اقتصاديات تلك الدول يتطلب المزيد من مصادر الطاقة، ومن ثم تسعى السعودية إلى فتح آسواق جديدة لها فى أسواقها.
الدول الثلاث الأعضاء فى «آسيان»، «ماليزيا، اندونيسيا، سلطنة بروناي»، هى دول إسلامية سنية، أرادت السعودية من خلالها تقديم نفسها - ليس للدول الثلاث وحسب - بل للقارة الآسيوية والعالم على أن المملكة تمثل الإسلام السنى المعتدل، الذى يحترم التنوع والتسامح، فى ظل الاتهامات الغربية المستمرة للمملكة برعايتها للتطرف الإسلامي، كما تسعى السعودية إلى زيادة التنسيق مع الدول الثلاث فى المحافل الدولية، وخاصة فى منظمة التعاون الإسلامى.
الجانب الاقتصادى كان العنوان الأبرز فى زيارة الملك سلمان إلى دول «آسيان»، ففى ماليزيا تم التوقيع على 7 بروتوكولات للتعاون فى مجالات عديدة بلغت قيمتها ٢.٢ مليار دولار، شملت استثمارات ماليزية فى المملكة لتطوير اللقاحات، والنقل العام، والأغذية، وصيانة الطائرات، والبرمجيات والإلكترونيات، والأجهزة الكهربائية، إضافة إلى تنفيذ مشروعات مشتركة فى مجال الطاقة، كما تم التوقيع على شراء شركة النفط والغاز الوطنية الماليزية «بتروناس» حصة من شركة «أرامكو» السعودية، إلى جانب تطوير مشروع التكرير والبتروكيماويات «رابد» ومجمع بينجيرانج المتكامل، كما أعلنت «أرامكو» أنها سوف تستثمر 7 مليارات دولار فى إحدى مصافى النفط الماليزية، الأمر الذى يعزز طرح أسهم شركة أرامكو السعودية للاكتتاب العام المقبل، كما تم الاتفاق على زيادة التبادل التجارى الذى بلغ ٣.٣ مليار دولار فى عام 2016، حيث عقد مجلس الأعمال السعودى الماليزى أعماله على هامش الزيارة للاتفاق على مجالات تنمية تلك العلاقات.
وفى اندونيسيا تم التوقيع على ١١ اتفاقًا فى مجالات مختلفة، شملت قطاعات النفط والتجارة والتعليم والصحة والثقافة، والنقل الجوي، والثروة السمكية، ومكافحة الجريمة والارهاب، وكان أهمها الاتفاق الذى وقعته شركة «أرامكو» السعودية مع شركة «برتامينا» الاندونيسية، والذى تبلغ قيمته 6 مليارات دولار، لتطوير مصافى النفط المملوكة لها، الأمر الذى من شأنه أن يفتح فرصاً واعدة للاستثمارات السعودية فى قطاع النفط والغاز، كما وقع الصندوق السعودى للتنمية اتفاقاً لتمويل مشاريع إنمائية اندونيسية فى قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
لم تكن زيارة سلطنة بروناى أقل أهمية عن ماليزيا واندونيسيا، فرغم عدم توقيع اتفاقيات جديدة بين السعودية وسلطنة بروناي، إلا أنه تم الاتفاق على تفعيل الاتفاقيات الموقعة مسبقاً بينهما، والتى تشمل القطاعات الاقتصادية والاستثمارية والفنية والتعليمية والثقافية والشباب والرياضة، والتنسيق السياسى والعسكرى والأمنى والشئون الإسلامية، على أن يتم توقيع المزيد من الاتفاقيات خلال اجتماعات اللجنة المشتركة بين بروناى والسعودية المقرر عقدها هذا العام.