الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

وما زال شبابنا فى خطر

وما زال شبابنا فى خطر
وما زال شبابنا فى خطر




د. محمد محيى الدين حسانين يكتب:

فى دولة كمصر حين تكون نسبة الشباب فيها تتجاوز 60% من مجموع سكانها، يجب ان تصبح قضية الشباب فيها احد الشواغل الاساسية لصانع القرار، بل واعتبارها جزءًا من امنها القومى، لا يجوز اهمالها او التصرف فيها بشكل جزئى، أو تهميشها تحت ضغوط الأزمات التى نواجهها، وهى كثيرة، وإذا كنا نحاول وسط تلك الضغوط أن نعطى الشباب ما يستحقونه من اهتمام يتمثل فى مؤتمرات الشباب الدورية، والتى يحرص الرئيس عبدالفتاح السيسى على حضورها والتفاعل مع الشباب من خلالها، إلا أننا يجب أن نعترف بأننا لم نستطع الوصول بعد إلى القاعدة العريضة للشباب، فما زال قطاع كبير منهم يعانى من التهميش، وفاقدا لبوصلة تساعده على تحقيق طموحاته، ومازلنا بعيدين عن التعامل مع قضاياهم بشكل مباشر فى الوقت الذى ينشط فيه اعداء هذا الوطن فى الداخل والخارج، للنفاذ اليهم وتوجيه أسهمهم المسمومة لهم ونشر الشائعات المغرضة بينهم، وبشكل لا تخطؤه عين المتابع لمجريات الاحداث فى مصر، وهم فى ذلك يسعون لهدم تلك الدولة من الداخل، بكسر عمودها الفقرى، وهم قطاع الشباب، الذى ما زال يقع فريسة لأخطار لا قبل له بواجهتها، والنتيجة حالة من الضياع والتشرزم.
هل هناك من لم يلحظ مدى الاحباط الذى يعانى منه شبابنا، اذ هم حاولوا الحصول على وظيفة مناسبة أو دخل يساعدهم على الوفاء بمتطلباتهم الحياتية الأساسية، ودعونا نتوقف عن لوم الشباب والادعاء بأنهم يرفضون الوظائف التى تعرض عليهم لانها لا تتناسب مع تخصصاتهم، ويرون ان الدخل الذى توفره لهم غير كاف، وهم فى ذلك معذورون، فلا هم نالوا تعليما جيدا يؤهلهم للمنافسة فى السوق المحلية، ولا هم توفر لهم مجالات للتدريب الذى يصقل مهاراتهم، ولا أعتقد ان الاستثمار الاجنبى وما يمكن ان يوفره من فرص تتطلب مهارات، لن يجد بسهولة من تتوافر فيه من شبابنا، الا فيمن رحم ربك، ناهيك عن تعدد نظم تعليمنا معظمها اجنبية جاءت بثقافات لا تلائم شبابنا، فأضعنا وحدتهم الثقافية، وأضعفنا روح الانتماء للوطن فى نفوسهم.
وهل هناك مَن لم يلحظ ان الكثير من شبابنا دخل فى دائرة العنوسة، لعدم قدرتهم على الوفاء بأبسط متطلبات الزواج دون مساعدة من ذويهم، ونحن من تسببنا فى ذلك عندما رفعنا تكاليف الزواج إلى مستويات فلكية، لا يستطيع الشاب الوفاء بها حتى لو تأخر سن زواجه إلى ما بعد الثلاثينيات، بأن خلقنا تطلعات تخرج شبابنا من دائرة الطموح إلى دائرة الظهور الطبقى فى مجتمع يعيش فى مستويات استهلاكية تفوق دخوله المتواضعة، ثم نشكو من الانفلات الاخلاقى واللا مبالاة وانتشار المخدرات بين شبابنا.
وهل هناك من لم يلحظ أن شبابنا فقد القدوة التى تحفزه على التدرج فى الصعود ليصل إلى ما يتمناه، ويحدث هذا فى الوقت الذى يجد فيه البعض يحصل على ثروات سريعة وبطرق ملتوية، ويجد أن أبناء اصحاب النفوذ تفتح لهم الأبواب فى الوظائف ذات الدخول العالية، فى الوقت الذى لا يحتفى فيه بالتفوق العلمى لهم، والذى يعتبره البعض مضيعة للوقت وغير مجد عمليا أو ماديا.
وهل هناك من لم يلحظ اننا فقدنا لغة التواصل مع أبنائنا، وأنهم يتواصلون فيما بينهم بلغة خاصة بهم، تتكون من مزيج من الارقام والحروف العربية واللاتينية، ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعى بعيدا عنا، وأن دور الأسرة فى التربية قد تقلص وأصبح الشباب يثق فى أقرانه ويستمع إليهم أكثر مما يثق فى ذويهم أو يستمع اليهم.
وتأتى مشكلة أخرى وهى غياب رب الاسرة، فهو إما يعمل فى أكثر من وظيفة أو مغترب فى احدى دول الخليج، وانحصر دوره على جلب المال وأصبح لا هم للشاب إلا فى أن يجد وسيلة لملء وقت الفراغ الذى يعانى منه، ووجد ضالته فى المقاهى وتدخين الشيشة والسهر فى أندية ليلية بعيدًا عن أى رقابة حقيقية.
ونحن هنا لا نبرئ الشباب من المسئولية، ولكن يجب أن نعترف بأننا مسئولون جميعا، إلى حد كبير، عما يعانون منه من رخاوة واحباط وانفلات، وأننا فتحنا الباب لكل من أراد سوءا بشبابنا، بإهمالنا للمدرسة وبيعنا الوهم للخريجين بأنهم قد تعلموا تعليما حقيقيا، وفتحنا المجال لرجال أعمال يحققون المكاسب من الحالة التى وصل إليها الشباب، وكذلك لدعاة التطرف الذين وجدوا ضالتهم فى شباب محبط يبحث عن دور فى مناخ عشوائى.
آن لنا أن نتحرك وبسرعة، فلم يعد لدينا رفاهية التسويف فى معالجتها، أو التهوين من نتائجها، وليس لدينا مخرج حتى نصل إلى القاعدة العريضة للشباب، إلا بمعالجة قضاياهم بشكل شامل وعميق، فما نراه هو أعراض للمرض فقط، ولكن علاج المرض ذاته يتطلب على الفور إصلاح جذرى لمنظومة التعليم والتدريب تهدف إلى تقديم تعليم حقيقى، وموحد لتتغير مقولة «إن مصر بلد شهادات» لتصبح «بلد معرفة يعيد الثقة للشباب فى انفسهم» وتعيد انتماءهم للوطن.