الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الفكر الفلسطينى لن يموت

الفكر الفلسطينى لن يموت
الفكر الفلسطينى لن يموت




ميشيل حنا الحاج  يكتب:

العديد من الكتاب والمفكرين، طالما حذروا بأن استخدام المدافع والقوة النارية والإغارات الجوية على داعش الإرهابية، وعلى مصادر الإرهاب الأخرى، ربما يساعد على تحجيمها، مع احتمال استئصالها لبعض الوقت، لكنه لن يؤدى إلى وفاتها، لكونها نشاطًا يمثل فكرا، والفكر لا يقاتل بالقوة النارية فحسب، بل بالفكر المقابل. والفكر المقابل فى هذه الحالة، قد يكون فكرا دينيا منفتحا بالصورة التى تعودنا فيها عليه على مدى أجيال سبقت ظهور الإرهاب والإرهابيين، عندما عرفنا الدين الإسلامى الحقيقى، كدين سمح منفتح عادل يحترم الآخر ومقدساته. كما قد يكون فكرا قوميا عربيا عروبيا، وقد يكون أيضا فكرا علميا علمانيا يساريا يطيح بالفكر الوهابى أو يواجهه، محاولا تهذيب بعض تشدده وتطرفه.
وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة للفكر الإرهابى، فان الأمر لم يختلف كثيرا عن الفكر الصهيونى الذى يزداد تشددا يوما بعد آخر، ولن يواجهه إلا فكر مقابل هو الفكر الفلسطينى الذى لن يذوى ولن يذوب مهما طال الزمن، ومها سعى وفعل نتانياهو وزبانيته من قضم لأراضى الضفة الغربية عبر بناء المستوطنات، أو من خلال إلغاء مشروع الدولتين المتبنى دوليا منذ العديد من السنوات كما لن يلغيه كل الرصاص الذى يطلق على صدور شباب وصبايا فلسطين بذريعة الاشتباه بحملهم خنجرا يسعى لقتل جندى إسرائيلى.
وينتعش الفكر الفلسطينى يوما بعد آخر، دون أن يستطيع نتانياهو اغتياله واجتثاثه مهما طال الزمن أو أمعنت القضية الفلسطينية فى شيخوختها ويزداد تألقا وحيويا يوما تلو الآخر، وخصوصا فى مناسبات الانتصارات الفلسطينية التى هلل لها الفلسطينيون والعرب معا، وان كانت من نوعية الانتصار الرمزى كالذى تحقق ليلة 24 فبراير، عندما فاز الفلسطينى ابن بيت لحم يعقوب شاهين على لقب Arab Idol. إذ بادر الكثير من العرب من المحيط إلى الخليج (وليس الفلسطينيون وحدهم)، للتصويت لمصلحة يعقوب شاهين رغم اختلاف وتفاوت مواقف دول بعضهم من حيث مدى التأييد أو التحفظ بل والضجر من القضية الفلسطينية. وكانت قد تكررت صورة مشابهة قبل عامين أو ثلاثة، عندما فاز باللقب الفلسطينى (من غزة) محمد عساف.
والمناسبات التى تشعل الحماس بالفكر الفلسطينى وتبعث فيه الحياة والحيوية، تزداد يوما بعد آخر رغم كل المناورات الإسرائيلية لتحجيم مفاعيلها ومنها اعتراف الجمعية العمومية للأمم المتحدة بفلسطين كدولة عضو بصفة مراقب وما تبعها من اعتراف عدة دول أوروبية بالدولة الفلسطينية، ثم انضمام فلسطين إلى اليونسكو، وبعدها لمحكمة الجنايات الدولية وغيرها من الانجازات المهمة المشابهة وهناك مناداة الآن لدى دول أخرى للاعتراف بفلسطين كدولة، نكاية بالمساعى الإسرائيلية المعززة أمريكيا للتخلى عن مشروع الدولتين المبارك دوليا فهناك مناداة من عدة أعضاء فى مجلس العموم ومجلس اللوردات البريطانى للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومثلها فى دول أوروبية أخرى كفرنسا التى بات عدة سياسيين فيها يحثون الرئيس أولاند على إعلان اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية قبل انتها ولايته بعد بضعة شهور.
وهكذا يخطئ نتانياهو إذا اعتقد بأن قضم أراضى الضفة الغربية أو إلغاء مشروع الدولتين.. وما سبقهما من استدراج إلى اتفاق سلام زائف هو اتفاق أوسلو الذى لم يأت بالسلام للفلسطينيين، بل وضع السلطة الفلسطينية فى مرحلة الأسر والقيود الكثيفة على تحركهم وقدراتهم فى حرية القرار والتصرف كى لا نقول التسلح أيضا... يخطئ نتانياهو إذا ظن أن هذا كله سيحل المعضلة الفلسطينية ويذيبها فى غياهب المجهول، لأنها ستظل حية فى منهاج تفكير وعقيدة أكثر من عشرين مليون فلسطينى منتشرين فى بقاع الكرة الأرضية من أمريكا لكندا واستراليا وأوروبا، إضافة إلى عدة دول عربية وكلهم يدرسون أبناءهم عن فلسطين وحق الفلسطينيين فى أرضهم، والعودة لبلادهم.
وإذا كان اليهود قد ظلوا على مدى ألفى عام يرفعون الأنخاب فى كل «يوم كيبور» ليقرعوا الكؤوس قائلين: «العام القادم فى أورشليم» إلى أن وصلوا إلى أورشليم، فإن عرب فلسطين لن يقرعوا الأنخاب، لكنهم سيظلون يذكرون ويتذاكرون عن فلسطين، مهما طال الزمان. فالكرمل فينا، ولا تسقطوا غصن الزيتون من يدي، وقهوة أمى، و«عروسة» غسان كنفانى وأدبه الفلسطينى الخالص، وقصائد محمود درويش وسميح القاسم وعبد الرحيم محمود، وفدوى طوقان وناجى علوش ومعين بسيسو وآخرين كثر من جيل جديد متجدد، كلهم يغذون الفكر الفلسطينى ويحرصون على إبقائه حيا ناشطا مزدهرا فهو فكر لن يموت أبدا، ولن تستطيع كل الرصاصات والمؤامرات الإسرائيلية اغتياله مهما بلغ ذكاء اليهودى الصهيونى، الذى بات يقابله ذكاء فلسطينى متوهج، خدع مرة من قبل الإسرائيليين فى عام 1948 عندما دفعوهم الى الهجرة نتيجة مذبحة دير ياسين وانتهاك أعراض النساء وبقر بطون الحبالى، لكن الفلسطينيين لن يلدغوا من ذات الجحر مرتين.
الكاتب ومحلل سياسى