الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

كيف تحول «التحرير» بين المدينة الفاضلة والعاطلة فى 18 شهرًا؟




«ميدان التحرير» وما يقدمه من قيم ومعان تربوية وأخلاقية وسياسية هو الشغل الشاغل للروائية مى التلمساني، التى حلت ضيف شرف على مؤتمر «الثورة والإبداع»، الذى أقامه قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة، فى زيارة سريعة لمصر استطعنا خلالها إجراء هذا الحوار لمناقشة فكرة ميدان التحرير ما بين «اليوتوبيا» و«الديستوبيا» أو الـ«مفروض» والـ«ممكن» ... كما تراه التلمسانى فى السطور التالية ...

 
■ فى الفترة الأخيرة كانت زياراتك لمصر تمتد لشهور .. فلماذا هذه الزيارة السريعة الخاطفة؟

عملى الرئيسى هو أستاذ مساعد بجامعة أوتاوا، لذا لدى ما يكفى من مسئولية أكاديمية وإدارية، استطعت فى وقت الثورة أن «أخطف» أربعة أشهر إجازة، وخلال هذه الفترة بدأت تتكون مجموعة «مصر دولة مدنية»، وعليه قررت أن تكون إجازتى التالية ستة أشهر، بدأتها فى فبراير 2012 من أجل تدشين موقع «مصر دولة مدنية»، وهو ما تسبب فى استنفاد كل رصيد إجازاتي، وهذه الزيارة مدتها أسبوع واحد فقط لمشاركتى فى مؤتمر «الأدب المقارن» الذى يقيمه قسم اللغة الإنجليزية بآداب القاهرة، الذى انعقد على مدار 3 أيام، وتم تخصيص هذه الدورة لـ«الثورة والإبداع»، وشاركت فيها كضيف شرف مع اثنين من الأكاديميين المعروفين مثل العالم بيل أشكروف أحد علماء الكولونيالية والبروفيسور الأمريكى أندرو جوردون، كنت الوحيدة تقريبا التى تحدثت فى مضمون الثورة المصرية.

■ ما الورقة البحثية التى قدمتيها؟

الحقيقة أننى فى دراستى قدمت تحليلا لميدان التحرير، وتصوراتنا له، وكيف أنه على مدار الثمانية عشر يوما أصبح مركزا للمدينة الفاضلة «يوتوبيا»، وكيف أن هذا التصور تحول لمدينة «غير فاضلة» أو «عاطلة» كما أحب أن أطلق عليها «ديستوبيا» على مدار عام ونصف العام!...فكان سؤالى هو هل حقا نريد بناء يوتوبيا حقيقية؟ .. أم أننا غير قادرين على ذلك نتيجة لتدخل عناصر أخرى غير مؤمنة بها، بل وتقضى على عناصرها؟

■ وما عناصر أو تجليات «الديستوبيا» التى قدمتها فى بحثك؟

الحقيقة أن الخطاب السائد الآن أننا قد حققنا شيئا عظيما جدا من حيث إن الانتخابات برلمانية ورئاسية تمت بشكل ديمقراطي، بالتالى علينا العودة للمنازل! لكن الحقيقة أننا فى انحدار ولم نحقق أى شىء من مطالب الثورة وهى «العيش .. الحرية .. العدالة الاجتماعية»، وهذه هى أهم مظاهر الديستوبيا وأهم مخاطرها .. هناك عدة كتاب كتبوا فى منطقة الديستوبيا مثل رواية «السيد من حقل السبانخ» لصبرى موسى فنحن نعيش فى حقل السبانخ الآن، كما أوضحت فى ورقتى اننى أحمل المسئولية للجميع بما فيهم الطرف الثالث المجهول حتى الآن، أنا سعيدة أن ورقتى حازت نجاحاً كبيراً مقارنة بالأوراق الأخرى، فلقد جمعت بين الملمحين الأكاديمى والموقف السياسى متأثرة بالمفكر الكبير إدوارد سعيد.

■ هل تتحمل «الجماعة الثورية» جزءا من المسئولية؟

بالتأكيد أنا لا أبرئهم، كان يجب أن يتوحدوا ويكونوا كتلة مدنية قوية، وإن كان لدى تحفظ على الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح الذى لعب دورا للتفرقة أكثر منه للم الشمل، وأرى أن حزبه «مصر القوية» استكمالا لدوره فى تفتيت أصوات اليساريين والليبراليين الذين لديهم حماس أكثر أو ميل أكثر نحو الخطاب الإسلامى الوسطي، لكن كانت هناك لحظة للحوار ما بين صباحى وخالد على والمستشار هشام البسطويسى وأبوالعز الحريرى وبين د.أبوالفتوح لكنه رفض وهو ما أراه رفضاً قدم الدعم أكثر للإخوان.

■ هل تتوقعين أن تتوحد التيارات المدنية ويتجلى ذلك فى الانتخابات البرلمانية القادمة؟

غالبا هذا صعب حتى الآن، لكن فى المقابل الإخوان خسروا الكثير من أرضيتهم بالشارع ومصداقيتهم، لكنهم سيظلون الأكثرية، لأن حضورهم فى الريف والمدن الصغيرة مازال مستمرا لاتباعهم نفس الآليات.

■ لماذا صرحتى كثيرا أنك ندمت على هجرتك لكندا؟

ضحكت وقالت: الحقيقة لا أعرف كيف انتشر هذا التصريح رغم أننى لم أصرح به يوما! .. فبالرغم من أننى أعامل كمى التلمسانى المرأة المسلمة المصرية أو العربية وأناقش كثيرا من هذه الزاوية على حساب مى الروائية والكاتبة لكن لم أصل لدرجة الندم!.. لو كنت قد خرجت من مصر طريدة فبالتأكيد كان واقعى كمهاجرة مختلفة تماما.. لكن أنا هاجرت بإرادتى لتحصيل درجة الدكتوراه، ولضمان تعليم أفضل لأولادي، وأستطيع العودة لمصر بإرادتى فى أى لحظة، لكن تبقى الكتابة بالنسبة لى تمثل حقيقتى وأساسى وهنا «الأزمة» التى سببتها لى الهجرة! .. وهى أننى ابدو أكاديمية أكثر منى كاتبة وحضورى ككاتبة مرهونا بشرط أننى أكتب بالعربية لذا لابد من ترجمتى للإنجليزية فالمعضلة هى كيف كمهاجرة بهذه الخصوصية أن أحقق التوازن بين الحياتين الإبداعية والأكاديمية؟! .. فلو أننى نادمة لكنت رجعت من خمسة عشر عاما.

■ تنحازين للمرأة عادة فى كتاباتك .. قدمت بطلة «أكابيلا» كاذبة وسارقة .. لماذا؟

هى ليست سارقة أو كاذبة، إنما هى مريضة بالسرقة والكذب، ولديها مبرراتها، وترى نفسها شخصية سوية، فعادة ما نرى أنفسنا أسوياء ولدينا هذا الهاجس الملتبس فى ألا نرى حقيقة أنفسنا أو حقيقة تصرفاتنا، حينما بدأت أكتب عن هذه الشخصية فى حلقات أسبوعية بجريدة «روزاليوسف» وفيما بعد أضفت إليها مرة أخرى لتصبح رواية مكتملة، فهذه الشخصية الملتبسة وغير السوية خلقت حولها عالما متكاملا تكونت أركانه من الكاتب العدمى المرموق «كريم» الذى يقابله «عادل» الطبيب المتزن تماما كشخصية والزوج السابق لعايدة «أسامة» وهو صديقها الصدوق ورفيق روحها الذى يغفر إلى النهاية، والذى يقابله «حسام» الحبيب الأخير وهو تاجر يودى بحياة عايدة فى النهاية للدمار الكامل، فى وسط هؤلاء الأربعة تدور عايدة، والوحيدة التى تستطيع أن تراها من الخارج وقادرة على تحليلها هى الساردة «ماهي»، التى ترتبط برباط ما مع أسامة، وتتحول أمامهما عايدة إلى شخصية روائية مشوقة.

■ لغتك فى «أكابيلا» ناعمة جدا وتحمل الكثير من التفاصيل النفسية لأبطالها..هل هذا الأسلوب مجهد للكاتب؟
مجهد للغاية.. فأنا أغضب كثيرا ضد نفسى حين لا أجد الكلمة أو الجملة التى أبحث عنها.. فأنا لدى ما لايقل عن 12 مسودة لأكابيلا، لكن فى إطار تشكيل عالم الرواية هناك لحظات أجد نفسى أعيش هذا العالم! وهى لحظة مرعبة، ففى بعض الأوقات بعد أن أستيقظ من النوم أتصور أن باب غرفتى سيفتح على غرفة «عايدة» بكل تفاصيلها التى لم أذكرها فى الرواية لكنها كانت حاضرة بشكل ما.. فهمّى الرئيسى هو أن الحدث الداخلى هو الأساسى والمؤثر على الحدث الخارجي.

■ هل لك طقوس خاصة فى الكتابة؟

فى الفترات السابقة كان التركيز على مدار ستة أشهر إنما فى رواية «أكابيلا» كان الوضع مختلفاً لأننى بدأتها كحلقات مسلسلة وبالتالى أنا مضطرة للانتظام فى الكتابة بشكل أسبوعى لأنى ملزمة بموعد تسليم.. فى العموم انا أكره مبدأ تحديد موعد للكتابة، بل أفضل أن أنساق وراء لحظة الكتابة، لكن لأننى لدى مسئوليات كأم وزوجة تطلب منى الأمر أن أوازن ما بين الاثنتين، خاصة أن أسرتى داعمة لى فى ذلك، فحين تأتينى لحظة الكتابة لا أحد يقترب مني! .. حيث أغلق غرفتى الصغيرة الخاصة بالكتابة وأكتب فى هدوء وأعيش مع شخصياتى التى تملأ عالمى الآن، خاصة أن كل شخصية منهم تحمل الكثير من الأقنعة التى اجتهد لخلعها وكشف المستور وأبحث، حتى أننى أقشعر أحيانا! على سبيل المثال الجملة الشهيرة لكريم وهى «خلاص يا بيبى ريلاكس» تناقشت كثيرا مع كريم إلى أن وصلت لها لأنها الأكثر قربا لشخصيته!

■ هل تعتبرين نفسك منتمية لتيار الوعى فى الكتابة؟

الحقيقة نعم، وأسطورة هذا التيار هو الفرنسى مارسيل بوست يأتى بعده البرتغالى ساراماجو والتشيكى كونديرا، هؤلاء من نوعية الكتاب التى تهوسنى وتجعلنى أذاكر البنية لديه، فى مصر وهم على النقيض تماما من هذا التيار أعشق إبراهيم أصلان ومحمد البساطى وصنع الله إبراهيم هؤلاء من أهم الكتاب الذين لابد أن اقرأ لهم وهم كتابى المفضلين وأغفر لهم أى شىء، وهم من شكلوا لدىَّ إحساسى بماهية الكتابة، فلديهم حرفية تستهوينى فى الكتابة.

■ هل ستترجم «أكابيلا»؟

نعم ستترجم للفرنسية قريبا، لن أعيد كتابتها بالفرنسية، إنما سأغير أسماء الشخصيات مع الإبقاء على اسم «عايدة» وهو ما اقترحته على المترجمة .. لماذا ألعب هذه اللعبة؟ .. للتأكيد على أن النص حتى وهو مترجم يقوم على المشترك الإنسانى فى العالم كله، بالتالى حررت القارئ الغربى من فكرة التلصص على الشرق!