الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

صابرين فرعون: الشعر له رسالته وهو يحكى حب الأم والمرأة.. وفلسطين ملهمتنا

صابرين فرعون: الشعر له رسالته وهو يحكى حب الأم والمرأة.. وفلسطين ملهمتنا
صابرين فرعون: الشعر له رسالته وهو يحكى حب الأم والمرأة.. وفلسطين ملهمتنا




حوار – خالد بيومى

صابرين فرعون كاتبة فلسطينية واعدة من مواليد القدس الشريف تكتب القصة القصيرة والرواية والمقالة وهى عضو اتحاد الأدباء والكتب الفلسطينيين ، تؤمن أننا نعيش حياتنا فى القصص قبل أن نجربها فعلياً فى الحدث اليومي، لذلك قد تكون الحكاية هى الوسيلة المثلى، إن لم تكن الوحيدة لتسريب التجربة الفردية إلى ما راكمته الجماعة واحتفت به أو قاومته.  صدر لها فى مجال القصة والنصوص السردية: «ظلال قلب، مرايا المطر، جريمة نصف زرقاء، وفى الرواية صدر لها: «قلقلة فى حقائب سفر».. عن أعمالها وعن مكوناتها الثقافية كان حوارنا معها فإلى نص الحوار.


■ كيف ومتى بدأت رحلتك والكتابة؟
- بدأتُ الكتابة فى سن صغيرة كفاية، أطرح أسئلتى وافترض لها الإجابات، أحاور دمعتى التى تجف يومأ بعد يوم، أثقب بالون التبعية لذكر القبيلة لأتنفس حقى فى العيش والتعليم والأمن، أبحث وأتفكر وأجادل لأتحرر من كذبة العيب الذى قدموه على الحرام، انطلقت أكسر جرةً جرة، أعزف بأنامل الصبر على أوتار النضج.
تلقيت تشجيعاً على كتابة الوجدانيات، وكانت نصوصاً يرشدنى متذوقوها من معلمات المدرسة والأساتذة النقاد كيف أتحكم بمكوناتها.
■ تكتبين القصة والرواية والمقال الأدبى والتربوى.. أين تجدين نفسك أكثر؟
- لكل لون أدبى ونوع كتابى نكهته، ولكنى أستسيغ عمل الهواة «النص المفتوح»، إذ يتيح لى السرد والوصف معاً بحرية كاملة، لا أتقيد فيها بعدد الكلمات أو الصفحات أو الموضوع، فقط أكون وإرهاصاتى المنعكسة فى الشخصية التى أرسمها، ومونولوج وذاتى وأنا أرى بنظرة الشخصية. مهما بلغت من نضج الكتابة، سيبقى هناك سعى للمعرفة والبحث والتعلم أكثر.
■ «جريمة نصف زرقاء» عنوان مجموعتك القصصية.. لماذا اخترتِ هذا العنوان الإشكالى؟
- للعبارة مدلولات مفتوحة على التأويل، إذ لا أركن إلى معنى بعينه، عندما اخترت العنوان، كنت أبحث عن تحرر معين، ليس للمرأة داخلى فقط، وإنما تحرر من غبار المجتمعية التى سيرتنا لنتناسى فطرة الخليقة على الخير، نجرم بحق أنفسنا ونحن نسلك طريقاً مغايراً، ونحن حقيقة مخيرون فى حلولنا. الأزرق انعكاس الجانب الإنسانى وتعاملنا مع المواقف الحياتية، انعكاس للنقاء والبراءة والرهافة، فتتقاطع المواقف ورد الفعل فى التعامل معها بـ«نصف»، وهنا، أشير لما وراء الأسئلة «ماذا عن النصف الآخر»: هل هو الباب المخفى بيننا وبين ما نحن عليه؟ لماذا لا نسعى لموازنة صحية؟ ألم تُخلق حواسنا أزواجاً، وخُلق العقل واحد، فكيف نتخلص من النرجسية ونتبادل أدوارنا والآخرين لنستوعب فكر الآخر؟
■ عناصر كثيرة مستوحاة من الطبيعة فى نصوصك.. ما علاقتك بالطبيعة؟
- فى كل منا جانب رومانسى منبعه الطبيعة ذات اللوحات الإلهية من الألوان والأجناس، أتأثر بفصولها وطقوسها، ففى فترة الدفء، أكون أكثر حيوية وطاقة للإنجاز والكتابة، أهتم بزراعة أصص النباتات وأستمتع فى حوار الهدوء والطمأنينة مع التراب والماء، وهو ما يؤصل ارتباطى وعلاقتى بوطنى ومجتمعي. فى البرد، أنا عُرضة لمشاكل صحية مثل»التثليج، الزكام، الإنفلونزا» على طول الموسم مما يدعونى إلى  الاهتمام بالقراءة والكتابة فى ارتباطى مع ذاتى.. يشدنى المطر ورائحة القهوة فى الحيّ، وأتأثر بزمهرير الشتاء والعواصف وأجدنى أكثر تأملاً فيما أراه، يسؤنى مثلاً رؤية القحط الذى يعترى قلوب الكثيرين إزاء الفقراء الذين لا قدرة لهم على شراء ما يكفيهم شر التسول والوقوف على عتبات المحال التجارية، خاصة الأطفال والنساء فى ذلك الطقس.
■ «قلقلة فى حقائب سفر» عنوان روايتك الوحيدة.. ما الذى تطرحه؟
- قلقلة فى حقائب سفر، مونولوج شاعرى، بطلته زوجة أحد الشهداء تحكى حالها وولديها والوطن، تحكى عن ذكريات مع مولود قلبها الذى أراد كرامةً للوطن، تحكى عن الغيرة والحُب ونظرة المجتمع وعن ذكريات الطفولة فى قريتها المُهجَرة «يالو» وعن زواجها،تحكى عن خلفية الثقافة التى تلقتها وزوجها، فتضع عينيها بعينى قاتل زوجها لتؤكد أن الحب يُكاثر عشق الفلسطينى ولا يقتله، وتؤكد أن فعل القتل سببه ثقافة اختلاف الرؤى وأبعاد القضية فى وسط ثقافى يدّعى التحرر، لكن أجواءه تسيطر عليها  كذبة المثالية.
■ هل تسرب جزء من سيرتك الذاتية لأعمالك؟
- أتمنى يوماً أن أمتلك الجرأة والقدرة على طرح سيرتى فى عمل ما، بصمتى كأنثى موجودة فى كل عملٍ أكتبه، ولكن ليس شخصي، أرانى فى حيثيات معينة ومواقف معينة «المرأة المُعنَفة، والمرأة ذات الإنجاز، والمرأة الطفلة، والمرأة المُثقفة...» ولكنى لستُ محور الفكرة، أنا واحدة من مجموع، تلقيت ضربات كثيرة وفى كل مرة إيمانى بعدم ضياع الحقيقة ولو بعد سنين طولها يلتهم من روحي، أقف بلا عكاز، وإنما بكل من كانت كلماته سياط لاسعة لأكوننى بلا نقصان، إنسانة لها رسالة ثقافية.
■ ما تزال القضية الفلسطينية مهيمنة على مُجمل الإنتاج الأدبى الفلسطيني، أليس من حق الكاتب الفلسطينى أن يحب ويشعر ويتناول قضايا إنسانية مغايرة؟
- لا يستطيع الفلسطينى إلغاء «القضية» من حياته، فهو يومياً يجتاز الحواجز الأمنية للاحتلال من أجل قطع مسافات سفر لمكان عمله أو للمؤسسات التعليمية، وما يزال ذوى الأسرى يقارعون أذونات الزيارة لرؤية أولادهم وبناتهم الأسرى، ومايزال شباب بعمر الورد ضحايا للقتل بدم بارد، تتوزع جثثهم على حدائقنا الخربة، فكيف نغض الطرف  عما نمر به يومياً!
أدب المقاومة والسجون فرع من أصل واسع للأدب الفلسطيني، وهو يجمع ما بين الحب والحرب، ففى داخل الرواية الفلسطينية، مثلاً، حكايات حب وزواج ونزعات إنسانية تتمسك بالحياة أيضاً، حتى الشعر له رسالته وهو يحكى حب الأم والمرأة، وملهمتنا فلسطين.
■ ما العلاقة بين ذاكرتك وكتابتك؟
- الذاكرة مُمتلِئة بالحكايات والأغانى التراثية التى أوظفها فيما أكتب. هناك ارتباط بالتوثيق التاريخى والدينى وثقافات الشعوب من جهة، وارتباط بالحاضر والمستقبل من جهة أخرى تثير حماسة وتفكر بالتطور الذى يحصل فى مجالات الحياة، فتراثنا يحكى عن زمن البطولة والبساطة المغمسة بخبز الطابون وزيت الزيتون والزعتر، ويوظف التخييل الذى اعتمدته الجدات فى نسجهن على ألسنة الطير والحيوان والبشر، ليبنين شخصياتنا ويهذبننا على نهجهن وتعاليمهن، ونحن نعاصرهن نحافظ على التجديد ونبتكر، نضيف للقديم جديداً.
 ■ كيف يحضر الرجل فى كتاباتك؟
- الرجل صنو المرأة، يحضر بحسب الواقع الذى أحاكيه دون تعميم معين، فهو الزوج المخلص الذى يثير غريزة الغيرة والجرح والفرح والحلم، وهو المأوى والوطن والطفل الذى تهتدى به المرأة لأمومتها، وهو بركة البيت بأصالته وعنفوانه ومكابرته وقدرته على تسييس أمور بيته وأبوته والحياة الزوجية، وهو القاتل المأجور بيد العادات التى لا صحة لها فى الشرع والتقاليد، وهو الذئب الذى ارتدى أقنعة بريئة كثيرة يخذل ليلى بمواعيد الخيانة، وهو اليد التى تمسك بيدها لتستقل بكينونتها أو يهديها الشراكة أو يحمل مطرقاً يهد درجات الجسر الواصل بين روحها وقلبه.
■ ما اهتمامات المرأة الفلسطينية الثقافية؟ وبماذا تحلمين كفلسطينية؟
- المرأة تبحث عن بصمتها التى لا تقصيها من مشهد التأثير فى مجتمعها والمحافظة على هويتها وبصمتها الوجودية، ورغم أن الظرف المعيشى يفرض عليها أولويات وأجندة عملية لتحقيق طموحاتها واستقلاليتها، إلا أنها تبدع فى أدب الطفل وتوعية النساء على صعيد الأسرة وقضايا المرأة، وتهتم بنقل معاناة شعبها، تسعى لكسر الدور النمطى للمرأة خاصة أنها فى الغالب امرأة عاملة.
أطمح كفلسطينية، أن يعلو اسم وطنى بكل فلسطينى يحمل وطنه صخرة جبارة، لن يسمح أن تتدحرج عن كتفيه، يوصلها للقمة دون أن يلتفت لهفوات التاريخ بل يصنع هو التاريخ.. أرى أن محاربة آفات المجتمع «جرائم الشرف، والمخدرات المنتشرة بالمدارس والشارع، بوصلة الحلم الوطنى التى انحرفت لسبل العيش على حساب القراءة والثقافة والمعرفة» وهى الخطوة الأوسع والأساس الذى يجب أن نلتفت له متكاتفى الأيدى لمواجهة الأخطار الخارجية، أنا ككاتبة أبحث عما أتركه إرثاً وطريقاً لجيل قادم لا يقوض حقى وحقهم فى الحياة الآمنة.