الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

احترام الأصنام

احترام الأصنام
احترام الأصنام




أحمد عبدالعليم  يكتب:

منذ فجر الخليقة عرف الإنسان الاحترام واهتم بصناعته والاحتفاظ به أمام أصدقائه وقرنائه، ومع تطور الحضارات شكل الصيادون والمحاربون الفئة الأكثر استحواذاً على الثروة والأقرب للسلطة فكانت إنجازاتهم ملموسة من الصعب تزييفها، وبعد ذلك ظهر فى عهد ليس ببعيد نموذج «الفتوة» الذى استغله الراحل نجيب محفوظ فى رواياته كبديل للبطل الخارق ومنحه قوة هائلة وأخلاقًا عظيمة، ثم اتفقت المجتمعات الحديثة على تسمية من يتمتعون بقدر كاف من الاحترام بـ«القدوة الحسنة»، وهى الشخصيات التى يحبها الجميع وتوصى الأم أطفالها بتقليدها، بعض منها نسجه الواقع والآخر نتج عن خيال الأدباء والرواة ومدونى التاريخ على مر العصور.
بالتأكيد هناك فترات غاب عنها القدوة الحقيقية، لكن البشر دوماً احتاجوا لبطل خالٍ من العيوب، لا ليحميهم ويرشدهم، بل ليفرقوا على أفعاله بين الحق والباطل، فخلقوا قدوتهم من أشخاص ربما لم يمتلكوا مؤهلات حقيقية ولكن «الصيت ولا الغنى»، فهم لم يروا فى صناعة الوهم ذنباً قد يضطرهم للحساب، فالكذب الأبيض مثل اللب الأبيض فوائده أكثر من أضراره، والعين بحاجة إلى أملٍ مجسد.. وأصنام العجوة سهلة البناء وفاتحة للشهية.. فبقيت سيرة الأبطال المزيفين تغرد حتى بعد رحيلهم، ونسب لهم أقوال لم ينطقوها وانجازات لم يشهدوها، ومع مرور الوقت أصبح من الصعب بل من المستحيل التشكيك فى ما ذكره التاريخ وتناقلته الكتب عنهم.
ولأن الناس تحب أن يتم خداعها، واعتاد بعضهم تقديس السراب لزمن طويل، سيرفضون مناقشة الحقيقة بشدة، وستكون محاولات تجديد الوعى والتساؤلات حول صحة المنسوب للقدوة بمثابة الكفر والخروج عن المألوف كدعوات الانحراف وتمزيق المجتمع وإطفاء النار باللهب، وسيستخدم عقلهم آليات الدفاعات النفسية اللاشعورية الفطرية لحمايتهم من الجنون، فكيف لهم تقبل تمزيق اللوحة الضخمة التى رسمها لهم آباؤهم وأجدادهم لمجرد أنها أسطورية، فالقاعدة هى العودة إلى الأصل لا الانتقال للمستقبل، المحاربة بالتاريخ والماضى لا مواجهة الفكر بالفكر، ولو خالف الطبيعة سيقولون: «إن اللامنطقية من جملة معجزاته فالقدوة ولى صالح بل نبى - هل كان إلهاً؟ -»، ربما بعض الأصنام أقوى من أن تتحطم فى هذا العالم.
الحتة بشلن:
هل من سبقنا مخطئون؟ - لا أعرف-
هل علينا اعتناق تلك الأفكار وتكرار الخدعة مع أطفالنا؟ - ربما.. لا أعرف أيضاً-، عليك ألا تقلل من شأن قدوة الآخرين فتدفعهم لكراهيتك ورجمك حتى يعيدوك إلى صفوف القطيع، فهو بمثابة كل شىء لهم، هذه ليست دعوة للانحلال أو الإلحاد والخروج عن القيم والعادات الموروثة، جميعنا يحتاج إلى التدقيق فى حقيقة من وصفناهم بـ«طموحنا الذى يسير على الأرض»، إذا كنت فى روما لا تفعل كما يفعل الرومان.. الرومان على خطأ، نصب نفسك ملكاً على أحلامك، استيقظ فى الصباح كل يوم لتسأل المرآة: «أهذا الوجه الذى أمسى أم الذى سيكون غداً؟».. فى هذا العالم لا تحاول أن تكون قدوة لأحد، فقد جئت متأخراً وصنع كل منا صنمه.. وعليك احترامه.