الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

على عطا: كتبت «حافة الكوثر» بمنطق الرغبة فى الانتصار

على عطا: كتبت «حافة الكوثر» بمنطق الرغبة فى الانتصار
على عطا: كتبت «حافة الكوثر» بمنطق الرغبة فى الانتصار




حوار - خالد بيومى

إن الأدب شهادة صاحبه على الحياة التى يحياها فى هذا العالم، الذى نعبر أزمنته وأمكنته.. الشاعر «على عطا» استطاع أن يلفت نظر النقاد والقراء فور صدور روايته «حافة الكوثر»، حيث ربط الماضى بالحاضر دون أن يتجاهل المستقبل، من خلال تسليط الضوء على المرض النفسى «مرض العصر». وتمثل الرواية دفتر أحوال الوطن خلال النصف قرن الأخير، ويتكئ عطا فيها على إرث إنسانى هائل، دون أن يفقد ملامحه وهويته.
على عطا شاعر وروائى وكاتب صحفي، أصدر ثلاثة دواوين شعرية هي: «على سبيل التمويه، ظهرها إلى الحائط، تمارين لاصطياد فريسة».. فإلى نص الحوار..

■ بعد مسيرة ثلاثة دواوين شعرية.. اتجهت إلى كتابة الرواية.. ما سر هذا التحول؟
- لا أعتبره تحولاً، وأرى أن من الطبيعى أن يكتب شاعرٌ روايةً أو مسرحية، أو مجموعة قصصية، أو حتى يؤلف مقطوعات موسيقية، أو يرسم لوحات تشكيلية، والأمثلة على هذا كثيرة جدا، أمس واليوم، وفى الشرق والغرب، لم يعد مستساغاً من وجهة نظرى، أن يقال عن شاعر كتبَ روايةً، أنه تحول عن الشعر، حتى فى ظل انتشار مقولة «زمن الرواية»، وانتعاش سوق الرواية، فى مقابل انحسار نسبى فى جمهور الشعر على مستوى العالم، الأمر لا يتعلق بحِرفةٍ كسَدت، فيصبح محتماً البحث عن غيرها، الكتابة الأدبية، تحركها الموهبة أساساً، حتى فى ظل انتشار ورش الكتابة التى لا أشكك فى أهميتها.. فإذا حركتنى نحو الشعر، حتما سأستجيب.. وأنا بدأت عقب صدور ديوانى الثالث «تمارين لاصطياد فريس»، كتابة ديوان رابع، وأتمنى أن يكتمل قريبا، وأن أعيش حتى أكتب غيره، أو أن أكتب رواية ثانية.        
■ حظيت الرواية باهتمام القراء والنقاد على السواء فأيهما تفضل لقب الشاعر أم لقب الروائى؟
- الشاعر، بما أن الشعر سبق الرواية، وبما أن الشعر أصعب، ويمكنه أن يتخلل فى ثنايا النثر، فيجعله نثراً مميزاً، وقابلاً للقراءة والتأثير، فى زمننا والأزمان المقبلة.
■ كيف ترافقت جدة الموضوع والتيمات فى تجربتك الروائية الأولى مع إعادة النظر فى أدوات الكتابة لغة وإيقاعا ورؤية؟
- هذا سؤال يحتاج إلى ناقد للإجابة عليه.. أنا كتبت من دون أن يكون فى ذهنى أننى أتناول موضوعا جديدا بأدوات ولغة تخصني.. وإن كان ذلك قد تحقق فهو أمر يسعدنى بالتأكيد، كتبت تحت وطأة شعور حاد بالاكتئاب، نظرت حولى فرأيتنى أتعذب وحدي، ورأيت غيرى من المكتئبين يتعذبون فى صمت.. قيل أكتب لتتجاوز محنتك، فكتبت.. وهنا أود أن أؤكد أن شخصية «الطاهر يعقوب»، التى لعبت الدور الأساسى فى تحفيز «حسين عبد الحميد» على الكتابة، هى شخصية حقيقية من لحم ودم، صديق يعيش فى منفى اضطراري.. اهتم بأمري.. وشاركني.. سواء فى أمر الكتابة، أو أمر تخفيف محنة الاكتئاب، ولهذا أجد أنه كان لزاما أن أهدى إليه هذا العمل، لولا أنه طلب منى عدم ذكر اسمه الحقيقي، ومن هنا أهديت الرواية إلى الحفيدين «آدم» و«جنى»، لأنهما يبشران بمستقبل أفضل، وكذلك إلى «أهل الكوثر»، من المرضى النفسيين، والكوثر هنا هو فضاء أوسع من مجرد مصحة لعلاج الأمرض النفسية.    
■ هل كتبت الرواية بمنطق الهزيمة؟ أم بموجب المساءلة العقلانية للثورة؟
- كتبتها بمنطق الرغبة فى الانتصار.. مثلى لا يملك ترف الاستسلام للهزيمة.. وهو ما ينطبق كذلك على الشخصية المحورية فى العمل؛ شخصية الصحفى والشاعر «حسين عبد الحميد».. هذا على الصعيد الشخصي.. أما بالنسبة إلى الثورة، فأنا شخصياً أرى أنها حركت ركوداً خانقاً، وأرى الآن أنها أهم حدث شهدته مصر فى تاريخها الحديث.. ترتبت عليها أمور إيجابية لا يمكن إغفالها، أو hنكارها، وهى من أهم ما دفعنى إلى كتابة «حافة الكوثر»، فالإجهاض لا ينفى الأمل فى حملٍ جديد. وإذا تأملت المشهد الختامى فى الرواية ستجد أنه يؤكد أن العوامل المحرضة على استمرار الثورة موجودة وتضع الجميع فى حالة تأهب، فى ظل استفادة أكيدة من أخطاء كان لا مفر من وقوعها فى حينه.       
■ يتوزع مسرح الرواية بين القاهرة والمنصورة.. ما علاقتك بالمكان وتأثيره على الشخصيات؟
- القاهرة حيث يعيش حسين عبد الحميد ويعمل منذ ما يزيد على ثلاثين عاما، وحيث المصحة التى يتردد عليها للعلاج من الاكتئاب، والمنصورة حيث ولد ونشأ، وتأذت طفولته، أو سعدت، بأمور قرر أخيرا أن يستدعيها، ليتأمل جذورا ربما كانت سبب إصابته بالاكتئاب، ويتأمل مصائر أفراد من عائلته، وخصوصا الأم شبه الأمية والتى لولاها ما تعلم حتى القراءة الأولية، والخال الذى يفخر باستشهاده فى حرب 1973، والأب الذى حالت الظروف دون أن يتعلم أو حتى يشتهر كمطرب شعبي، على غرار صديقيه أنور العسكرى وعبده الأسكندرانى، فانسحقت أحلامه ولم يصمد منها سوى حلمه بأن يرى ابنه الذى التحق بالجامعة فى مكانة يتباهى بها أمام الجميع.   
■ تبرز الرواية بوصفها منحازة بالكلية للعالم السّردى بتقنياته المألوفة، ولكن ضمن التكوين الورقى ثمة حبكة سينمائية تطغى على الحبكة السّردية ولا نعرف أين يكمن الواقع وأين يكمن الخيال.. ماذا تقول؟
- فى سؤالك تكمن الإجابة.. هو سؤال جدير بأن يطرحه ناقد ويجيب عليه بنفسه كما فعلت أنت الآن.. وعموماً؛ العمل الأدبى بطبيعته يصعب أن تفصل فى ثناياه بين الواقعى والمتخيل، ويعد أمرا جيدا أن يقدم عالما يتفاعل معه القارئ ويعاين فيه نفسه أو شخوصاً يعرفها.. هذا ما يقال عنه الصدق الفنى.
■ هل تعتقد أن الغوص فى الذات هو الخلاص الفردى تحت وطأة الهزائم السياسية واضطراب بوصلة الحركة الاجتماعية التاريخية؟
- الغوص فى الذات  فى تصورى أمر ضروري، للتعرف عليها فى إطار التعاطى مع العام بتجلياته السياسية والاجتماعية، ولا أظن أن الهدف منه هو رغبة فى الخلاص الفردي. الخلاص الفردى يعنى الانعزال، وأنا لم أشعر فى أى لحظة بالرغبة فى الانعزال أو الانكفاء على الذات.. كما أننى من المؤمنين فى الوقت ذاته بالقدرة الفردية على إحداث التغيير المنشود، فهى فى النهاية ستلتقى حتما ولو فى شكل غير مباشر مع العديد من القدرات الفردية الأخرى، التى لها الهدف ذاته، وبالتالى سيكون ممكنا علاج ما تسميه أنت فى سؤالك بـ«اضطراب بوصلة الحركة الاجتماعية التاريخية».. لستُ من اليائسين ولن أكون.   
■ الرواية تختزن الواقع وتعيد إنتاجه..  فهل تعتبر «حافة الكوثر» رواية تاريخية؟
- لا تخلو أى رواية من بُعد تاريخي، حتى ولو كانت أحداثها تدور، وفقاً لحيلة فنية،  فى المستقبل، كما فى رواية «1984» لجورج أورويل مثلا. أو حتى لو كانت أحداثها تدور فى فلك يومٍ واحدٍ.. أما أن الرواية تختزن الواقع وتعيد إنتاجه، فهذا حكم مطلق، أجدنى فى حاجة إلى التحفظ عليه.. ليس للرواية، كجنس أدبي، تعريف جامع مانع، فمثل ذلك التعريف يغلق الباب أمام الجديد المفتوح على أفق لا يستطيع أى أحد أن يحدد مداه.     
■ هناك حضور لأسماء بعض المشاهير فى الرواية أمثال السادات، صلاح جاهين، سعاد حسني، داليدا.. هل هناك موقف ثقافى من ذلك؟
- ورد ذكر السادات، لارتباطه بحدث مهم وهو انتفاضة يناير 1977 التى تستدعيها ذاكرة بطل «حافة الكوثر»، وهو يواجه أزمته الشخصية التى يصعب فصلها عن أزمة الوطن التى انفجرت فى انتفاضة يناير 2011، أما صلاح جاهين وسعاد حسنى وداليدا، فهم أمثلة فى ذاكرة البطل، وفى الذاكرة الجمعية باعتبارهم من مشاهير ضحايا المرض النفسى، والذين دخلت عوامل سياسية عامة فى أسباب تفاقم أزماتهم الصحية، وصولا إلى نهايات مأساوية.   
■ وسائل التواصل الاجتماعى حاضرة بقوة فى الرواية.. فهل هذه التقنيات أصبحت ملمحا بديلا للوجود؟
- هى من ملامح الوجود، وليست ملمحا بديلا.. للتواصل الاجتماعى صور تقليدية، وصور أخرى مستحدثة، هذا كل ما فى الأمر.. وتطور سبل التواصل الاجتماعى هو أمر قديم جدا، قِدَمَ الإنسان نفسه، التفاهم بالإشارة والهمهمات مثلا سبق نشأة لغة الكلام المفهوم، فكرة البريد نفسها تطورت من أشكال بدائية إلى أخرى أكثر تعقيدا، وصولا إلى الصيغ الإلكترونية التى نعرفها الآن، وفى «حافة الكوثر»؛ يمتزج التواصل بأشكاله التقليدية مع التواصل بآليات حديثة، طبيعى أن يتواصل حسين مع صديقه المغترب عبر البريد الالكتروني.. وطبيعى أيضا أن يتواصل مع جارته «أم ميرفت»، بصورة تقليدية تتمثل عادة فى اللقاء المباشر، بما أنها لم تجد بعد أنها فى حاجة لأن يكون لها حساب على «ياهو» أو «هوتميل» أو «الفيسبوك».    
■ إلى أى مدى يتماهى على عطا مع بطل الرواية؟
- إلى المدى الذى لا يخل بالصدق الفنى الذى تتطلبه الرواية كجنس أدبي، هما شخصان، لكل منهما سمات تجعله مستقلا عن الآخر وإن تشابها فى سمات أخرى، فأنا لم أكتب سيرتى الذاتية ولا أنوى ذلك، أنا كتبت رواية تتكئ على ما أعرفه تمام المعرفة وما نعرفه قد نكتبه فى مقال أو قصيدة أو فى ما يسمى سيرة ذاتية، لكننى اخترتُ الرواية، ومن ثم رسمت شخصية حسين عبد الحميد، وأنا أعى أنها شخصية روائية، حتى إن كانت تشبهنى أو كنت أنا أشبهها، إلى درجة أن يرانا البعض توأمين.. يبقى هنا الرهان على قارئ لا يعرف على عطا، ومن ثم لن ينشغل بمدى التشابه بينه وبين حسين عبد الحميد.     
■ بعد نجاح الرواية.. هل طلقت الشعر بلا رجعة؟
- هنا، أجد أن عليك أن تعود إلى إجابتى على السؤال الأول.. ومع ذلك أكرر أننى لم أقرر ترك الشعر لأكتب روايات.. أتمنى أن أواصل الكتابة.. شعراً وسرداً.