الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أم تكره عيد الأم!

أم تكره عيد الأم!
أم تكره عيد الأم!




د.دينا أنور تكتب:


يحتفل العالم خلال هذه الأيام بعيد الأم، يستعد الجميع لإحضار الهدايا للأمهات بهذه المناسبة، لكن ثمة أشخاصًا فى هذا العالم يتألمون لقدوم هذه المناسبات، يتذكرون معها ذكريات أليمة وأحداثًا قاسية مرت عليهم، وبطلتى اليوم نموذج مصغر لتجربة كبرى مع أم قاسية تسببت فى فرط حنانها وحساسيتها تجاه أبنائها.
على لسان بطلتى تحكى وتقول:
من يوم أن وعيت على هذه الدنيا وأنا أشعر بأن أمى تكرهنى، أو على الأقل لم تكن تريد وجودى، كانت ذكورية لأبعد حد، تفضل أخى على فى كل شىء، تتحيز لأى ذكر على أى أنثى حتى لو كانوا أطفالاً صغاراً، كان والدى يعمل فى إحدى الدول العربية ولا نراه سوى من العام للعام، كانت دائماً تعاملنى بدونية ولا تشعرنى بأى اهتمام، بالرغم من كونى متفوقة ورقيقة وجميلة، على عكس أخى الذى كانت تمطره بالحب والقبلات والاهتمام.
ناهيك عن الضرب المبرح وشعرى الذى كانت تجذبنى منه وتلفه على يديها بكل قسوة حتى أشعر بأن جمجمتى ستخرج من رأسي، ناهيك عن أظافرها التى كانت تغرزها فى لحمى ولطالما شوهت وجهى ويدى ورقبتى وذراعى بآثار اعتداءاتها علىَّ.
هل ستقولين لى انها كانت تحبنى بطريقتها؟ هل ستدافعين عنها وتقولى أنها كانت تفعل ذلك من فرط المسئولية أو من فرط الاهتمام بمصلحتى؟
حسناً، فلتعرفى هذه المفاجأة، لقد كنت طوال حياتى متفوقة دراسيًا، لدرجة أنها كانت تنهرنى من فرط سهرى واستذكارى وبكائى الشديد عندما تتناقص درجاتى، كنت بطلةً رياضية أحصل على مراكز متقدمة فى السباحة، بعكس أخى الذى كان أقل منى فى كل شىء، ورغم ذلك لم يكن ينال أى عقاب مفرط على أخطائه مثلما أنال أنا نصيبى الوافر من الضرب والسحل.
عندما أصبحت فتاةً وبدأت أسمع عبارات الإعجاب والغزل من الرجال والنساء، لم أكن أسمع ذلك أبداً من أمى، على العكس تماماً كانت دائماً تنتقدنى وتصف وجهى بالشحوب وشعرى بالتقصيف وبشرتى بالإجهاد وجسدى بالنحول والضعف، بعكس خالاتى وعماتى اللواتى كنت أراهن جميعاً يمتدحن بناتهن ويدعمنهن نفسياً رغم نسبة جمالهن المتفاوتة وعدم تفوقهن الدراسى مثلى.
مرت الأيام وعاد أبى من الخليج، وكنت فى الثانوية العامة، كانا يتشاجران كثيراً بسبب غضب أبى من معاملتها الجافة لى، لدرجة انه فى مرة كان سيطلقها لأجل ضربها المبرح لى حتى تورم وجهى، ولن انسى، يوم أن قالت لى جدتى (أم أمى التى لم تكن تقل عن أمى فى ذكوريتها): «مبسوطة، أبوكى وأمك هيتطلقوا بسببك، مرتاحة؟ ما انتى طول عمرك وش خراب!».
ورغم انهما تصالحا ولم ينفصلا، ظلت أمى تعايرنى بهذا الموقف حتى أثرت على نفسيتي، وبعد أن كنت مرشحةً لأن أكون من أوائل الجمهورية فى الثانوية العامة، حصلت بالكاد على مجموع يؤهلنى للالتحاق بإحدى كليات القمة.
هل تظنين أن تلك كانت بداية جديدة لعلاقتى بأمى، لا بالقطع!
يبدو أن أمى لم تكن تتحمل وجودى فى البيت أبداً، ظلت تقنع أبى بأن يقبل خطبتى خلال دراستى بالكلية حتى تضمن زواجى بمجرد تخرجى، وفعلاً بسببها تمت خطبتى فى السنة الثانية من الكلية لشخص لا أعرفه، ولأتخلص من كابوسها تزوجته فعلاً بمجرد تخرجى رغم ما كان ينتظرنى من مستقبل واعد إن أكملت دراستى العليا أو دخلت مجال العمل.
ولكن للأسف، لم أوفق فى اختيارى، فزوجى كان من الذكاء بحيث اكتشف توتر العلاقة بينى وبين أمى، واستغله أسوأ استغلال فى الخلافات التى كانت تنشب بيننا.
عشت عشر سنوات زواج وأنا أرى أمى تتآمر ضدي، كلما تشاجرت مع زوجى وقفت فى صفه ضدى، كلما تركت منزلى وارتميت فى حضن أبى وطلب منى المكوث عندهم لأريح أعصابى تفننت فى إيذائى حتى أعود لبيت زوجى عنوة، حتى بعدما تفاقمت المشاكل بينى وبينه وسرق أثاثى ومصوغاتى وباع شقة الزوجية وطردنى أنا وأولادى فى الشارع واختفى، علمت من البواب أنه فعل هذا بالاتفاق معها، والأكثر دهشة أنه طلب فى إحدى القضايا المتداولة بيننا فى المحكمة شهادة والدتى ضدى!
صدقينى لولا التشابه الكبير بينى وبينها فى الشكل لكنت أجزمت أن هذه السيدة ليست أمى أبداً.
أنا الآن أعيش بمفردى وأتجنبها تماما، ومنعتها عن أبنائى حتى لا تشوه طفولتهم مثلما حطمت حياتى.
ولكننى حتى هذه اللحظة أكره عيد الأم، أشعر بغصة فى حلقى كلما تذكرت أن لدى أمًا لا تحبنى ولا تكترث لسعادتى ولم يكن لها هم سوى إيذائى وتحطيم نفسيتي، وأتساءل دوماً لماذا لم أحظ بأم كهؤلاء؟
انتهت القصة، قصة غير تقليدية، ولكنها تعكس واقعاً حقيقياً وموجوداً فى مجتمعنا، واقع الأم الذكورية، الأم التى تكره خلفة البنات وتفضل الذكور عليهن فى كل شىء.
لذلك يجب على المجتمع أن ينظر بعين الرحمة لهؤلاء الضحايا الذين يعانون كل يوم من قسوة أكثر إنسانة كان من المفترض أن تعطيهم حناناً وحباً واحتواءً وهى الأم، صحيح أن غالبية الأمهات حنونات ومضحيات، ولكن هناك كثيرًا من الأمهات قاسيات وذكوريات ويتسببن فى تحطيم بناتهن وقهرهن، لذلك ليس كل من له أم يفرح بعيد الأم!
تمت.