السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إخلاص النية

إخلاص النية
إخلاص النية




د.فاطمة حسن  تكتب:

«إخلاصُ النية» عبارة اعتاد الكثيرون استخدامها فى تقديم أعمالهم وأقوالهم، كلٌ وفق غايته، وفى إطار توجهه، ومن منطلق منحاه الفكرى.
فرجل الدين يستهل قوله بـ«إخلاص النية» ليقدم عبادته لربه، ورجل السياسة يتخذ من «إخلاص النية» شعارا لخدمة وطنه، ورجل الأعمال يُعلى مبدأ «إخلاص النية» ليقدم سجلاته وحساباته لآمرى تجارته. ولكن هل حقاً يخلص رجل الدين نيته لله، وهل يخلصها رجل السياسة لوطنه، أو حتى التاجر هل يخلص نيته فى تجارته؟
لم تكن هذه العبارة لتستخدم إلا للتعبير عن الولاء لمن تـُخلص له النية، والتفانى فى خدمته وإعلاء شأنه، ولم يكن لاستخدامها إلا خير دليل على نبل الغاية، وصلاح الوسيلة لبلوغها.
واليوم تجردت هذه العبارة من كل ما تحمله من معان سامية، ارتبطت باستخدامها، لتصبح مجرد ستار يتخفى وراءه وباء هذا العصر، ليحول دون نبل غاية كل قول وفعل، ويؤكد طلاح كل وسيلة قد يستند إليها هذا القول أو ذاك الفعل. فلم تعد غايات إعلاء الدين أو الوطن أو الصالح العام هى المقصد من إخلاص النية، وإنما حلت محلها غايات إعلاء المصالح الشخصية، والأهواء الذاتية، والمكاسب المادية.
فلم تكن يوماً السيطرة أو الهيمنة غاية إخلاص النية لله، ولم تكن النازية أو الفاشية غاية إخلاص النية للوطن، ولم تكن المكاسب المادية غاية إخلاص النية للغير.
لقد مرّ المجتمع المصرى منذ أن سادته مظاهر تجارة المصالح؛ مرّ بأكثر فترات ضعفه وتدهوره على الإطلاق، إذ تحولت المصلحة المتبادلة إلى المبدأ الرئيسى فى التعامل، وغابت كافة المفاهيم التى تتعارض وذلك المبدأ، والذى أفرز قيما لم تكن لتظهر بمجتمعنا المصرى، فأصبحنا نرى الموظف المرتشى، والمسئول الفاسد، والتاجر المرابى، وغيرهم ممن أصبحت المصلحة المتبادلة مبدأهم الأوحد فى الحياة.
وقد نلمس ذلك من مجرد الاستماع إلى ما أصبح يتردد داخل مجتمعنا المصرى من عبارات شعبية بسيطة تدل على شرط المصلحة مثل: «ماعدش حد صالح، كله بتاع مصالح»، و«أبجنى تجدنى»، و«كله خد وهات وعم عشم مات» وغيرها.
عاش مجتمعنا المصرى فترة طويلة فى ظل ذلك المبدأ المزعوم يعانى ما أفرزه من قيم ومظاهر لم يكن ليعرفها من قبل، حتى تطور ذاك المبدأ بشكل فرضته طبيعة الغريزة الإنسانية، ليتحول إلى مبدأ «صراع المصالح»، فقد تتفق المصالح، وقد تتعارض، وقد تتوحد القوى من أجل المصالح المتبادلة، وقد تتفرق من أجل المصالح المتعارضة، وهذا ما لمسناه بالفعل فى مجتمعنا المصرى، فتارة تتوحد قوى سياسية لم يكن لها ذلك من أجل الهيمنة والسيطرة، وتارة تتفرق تلك القوى ذاتها عندما تتعارض مصالحها، وتارة نرى رجل السياسة المتدين يتحد ورجل الدين السياسي، وتارة أخرى نراهما متصارعين متناحرين.
والسؤال المطروح الآن: ماذا لو أخلص كل منّا نيته بحق؟ ماذا لو أخلص رجل الدين نيته لله؟ ولو أخلص رجل السياسة نيته للوطن؟ ولو أخلص رجل الأعمال نيته لتجارته؟ ماذا لو أخلص الموظف نيته لعمله؟ ماذا لو اختفى مبدأ تجارة المصالح من مجتمعنا المصري؟
قد تكون هذه الأسئلة مستحيلة الإجابة، وقد يكون التطرق إليها عبث لا جدوى منه، إلا أننى لازلت أحلم، فهل لكم أن تشاركونى الحلم؟