الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

محمد القلينى: الشعر هو الثورة و الركض إلى أرض جديدة لم يطأها أحد من قبل

محمد القلينى: الشعر هو الثورة  و الركض إلى أرض جديدة لم يطأها أحد من قبل
محمد القلينى: الشعر هو الثورة و الركض إلى أرض جديدة لم يطأها أحد من قبل




حوار- رانيا هلال


بانفراد وتميز يطل علينا ينبوع شعرى جديد، غنى بمفردات من الواقع القاسى المعاش يبهرنا به الشاعر «محمد القلينى»، الفائز بجائزة معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الأخيرة.
القلينى شاعر مصرى شاب ولد بمدينة دمنهور فى أبريل عام 1983، حصل على ليسانس الحقوق من جامعة طنطا عام 2004، أصدر ديوانًا واحدًا هو «أركضُ طاويًا العالمَ تحتَ إبطي» عن دار العين، وفاز بالجائزة الأولى فى مسابقة أخبار الأدب عام 2016... معا حاولنا التعرف إليه عن قرب.. فإلى نص الحوار.
■ صياد تمسك التفاصيل العادية والمبتذلة فى الحياة وتحولها إلى قصائد فكيف تروضها؟
- الشاعر لا يروض شيئا، العكس هو الصحيح، الأشياء هى التى تروضه، مخطئ من يظن أن الشاعر هو الذى يبحث عن الشعر، الشعر هو الذى يبحث عن الشاعر، وهو الذى يقرر متى يدخل إلى رأسه، ومتى ينتحر، أجل الشعر ينتحر، فهو يدلف إلى رأس الشاعر معتقدا أنه قد دخل إلى الجنة، لكنه يفكر فى الانتحار حين يصطدم بالكراكيب التى تملأ رأسه، وحين لا يجد شمعة واحده تضيء له الطريق، فيفتح نافذة صغيرة فى رأس الشاعر، ويلقى جسده فوق أقرب ورقة.. الناس فى الشوارع يظنونى مجنونا، إذ أتحدث إلى نفسى وأنا سائر، وفى الحقيقة أنا لا أتحدث إلى نفسى، فقط أحاول تهدئة التفاصيل التى تسكن رأسى، فهى أحيانا تتعارك، وأحيانا تلعب الكرة بضراوة، وأحيانا تصرخ حين يصطدم بعضها ببعضها، لكنها فى كل الأحوال غير مروضة، وليس لى عليها سلطان، أعدنى والدها، لكنى لا أتحكم فى التوقيت الذى تولد فيه، ولا فى المكان الذى تختاره لهذه الولادة، مثلا أعود إلى البيت متأخرا، أضع رأسى على الوسادة، أنام، لكن فجأة توقظنى تفصيلة ما، توقظنى بغلظة، وتضربنى على رأسى صارخة: «قم أيها الشاعر الكسول، سأموت الآن، وعليك أن تدفننى فى ورقة تطل على البحر».
■ مرحاض كبير تتقيأ فيه خيباتك وهزائمك.. هكذا وصفت قصائدك فكيف إذن يكون لها كل هذه الشعبية؟
- لأن أغلب القراء لا يملكون مراحيض، فيهرعون إلى القصيدة لتقيؤ الهزائم التى أكلوها، القراء مثلي، يشعرون باليأس والإحباط، فكلنا نأكل من طبق واحد، والشاعر ينبغى أن يكون لسان عصره، الشعر ليس رفاهية، والشاعر يعبر بالشعر عن آلامه وآلام الناس، ويشير إلى النور الذى يخبئه الظلام فى جيوبه.
■  يبدو أن حياتك هى من حددت شكل الشعر ورائحته ولونه ومذاقه فهل نتوقع استقرارا لضمان جودة ونوعية ما تقدمه أم سعى للتغيير؟
- أنا لست مثقفا، ولا أستطيع أن أكتب إلا ما أشعر به، وحياتى الشخصية هى المادة الخام لكل قصائدي، عن طريق الخاص أنطلق إلى رحابة العام، مشروعى ببساطة قائم على «تشعير» الحياة العادية، لذلك فهذه الحياة هى التى تحدد شكل شعرى ولونه ومذاقه كما قلتِ، لكن الشعر أيضا ثورة، والشاعر ينبغى أن يكون ثائرا على الدوام، ليس على شكل الكتابة وأدواتها فقط، بل على قصيدته أيضا، فالقصيدة التى يكتبها الآن لا ينبغى أن تكون امتدادا لقصيدته السابقة، أو جزءا منها، كل قصيدة لا بد أن تكون لها شخصيتها المتفردة، وملامحها المختلفة، ورؤيتها الجديدة، ورغم عدم سيطرتى على قصائدى إلا أننى أحاول أن أفعل ذلك، كى لا تدعو على القصائد فيما بعد، ومن حسن الحظ –أو سوئه- أن الحياة تتطور فى لمح البصر، وكلنا نخرج من حفرة لنسقط فى أخرى، والحفر هى المحفز الأول على الكتابة.
■ كيف ترى مشهد قصيدة النثر التى تجتر نفسها فى الفترة الأخيرة بلا توقف؟
- كما قلت من قبل: الشعر هو الثورة، هو التجريب، هو الركض إلى أرض جديدة لم يطأها أحد من قبل. وأنا أتفق معكِ، قصيدة النثر تعانى من أزمة، فقصيدة فلان تشبه قصيدة علان، وبعض الشعراء يكررون كتابات سابقة، بنفس الأسلوب أيضا، لكن هذا لا يمنعنا من رؤية النصف الآخر للكوب، هناك شعراء كبار لا يزالون يكتبون قصائد مختلفة، قصائد تعج بدهشة الكشف والفرادة، وهناك شعراء من جيلى لهم بصمتهم الخاصة، ورؤيتهم المفارقة، أما الشعراء الذين استسهلوا قصيدة النثر، فأمسكوا القلم وكتبوا قصائد مكررة، فهؤلاء ليسوا القاعدة التى نرى من خلالها المشهد الشعري.
■ خصوصية المعرفة وصبغة الروح والحرص على التجديد وطرق البناء هذا ما اتسمت به قصائدك فهلا قربتنا منها أكثر؟
- كيف أقربكِ من شىء لا أعرفه، أنا لا أعرف قصائدي، وهذه ليست مزحة، بالفعل أنا لا أعرف قصائدي، حين كانت فى رأسى كانت شيئا، وحين ارتمت على الورقة أصبحت شيئا آخر، لكنها تشاركنى بعض الصفات، كالضياع مثلا، قصيدتى ضائعة مثلى، وقصيدتى تحلم بعالم أجمل، بالضبط كما أحلم لنفسى ولوطنى، وقصيدتى عاجزة أيضا، عاجزة تماما، لا تستطيع أن تطعم طفلة جائعة، ولا تستطيع أن تربت على كتف أب مطحون، كل ما تستطيع قصيدتى أن تفعله هو أن تصرخ، بالضبط كما نصرخ جميعا دون أن يسمعنا أحد.
> جائزة معرض الكتاب وجائزة أخبار الأدب كيف ساهمتا فى رؤيتك ودعمك؟
- الجوائز تعطى دفعة معنوية كبيرة للمبدع، وتشعره بجدوى ما يفعله، لكنها ليست مقياسا لأى شيء، وليست دليلا على أى شيء، أنا أعرف مبدعين كبارا لم يحصلوا على جائزة واحدة، رغم أن أعمالهم الإبداعية تستحق الكثير، الجوائز أرزاق، وأنا لا أنكر فرحتى بالجائزتين، لكنى لم أتوقف عندهما طويلا، ولم أجعلهما تتملكان منى، فزت وانتهى الأمر، المهم أن أركز فى كتابتى، وأن أقرأ كثيرا، وأن أتعلم من كل حرف أطالعه، وأن أترك التجريب يحملنى إلى أماكن أتوق إلى زيارتها.
■ صف لنا موقف النقاد من بساطة كلماتك وتعبيراتك وكيف تقبلت النقد؟
- بفضل الله كتب عن ديوانى نقاد وشعراء كبار، واستفدت وتعلمت من كل كلمة كتبوها، وانتهز هذه الفرصة لأقول لهم: شكرا كثيرا، كتابًاتكم وساما على صدرى.
■ لماذا حاولت كثيرا التوقف عن الكتابة وماذا كان رد فعلها على رفضك لها؟
- أنا شخص قنوع جدا، وكسول جدا، لا أحب الحركة والمغامرة، أقف فى مكانى بالسنوات، والشعر على عكسى تماما، جامح، ومغامر، ويركض كألف عداء، وهو يجذبنى إلى مناطق تثير أعصابي، وإلى مواقف تجعلنى حزينا، وما لحظة السعادة التى تعقب الكتابة إلا لحظة زائلة، بالإضافة إلى الصراعات التى يعج بها الوسط الثقافى، الصراعات التى مهما ابتعدت عنها فلا بد أن تطالك، عن نفسى حاولت التوقف عن كتابة الشعر كثيرا، لكن ليس هناك شاعرا يمكنه التوقف عن كتابة الشعر، كما قلت: الشعر هو الذى يبحث عن الشاعر وليس العكس، رأس الشاعر مجرد سرير تبحث عنه الأفكار التى تتوق إلى قليل من الراحة قبل الموت.
■ كيف تترك قصائدك تتحكم بك وتتشكل كيفما تشاء دون إرادة أم دون وعى؟
- قصيدتى تدور على حل شعرها، هى التى تكتبنى بدلا من أن أكتبها، وأنا مستسلم تماما لهذه الحقيقة، فلو لم أترك لها حرية الحركة والبحث لظلت تصرخ فى رأسى لسنوات، وأنا شخص لا يبحث عن المشكلات، فلتذهب إلى حالها، ولتتركنى فى حالى، القصيدة ابنة عاقة، حاولت كثيرا أن أقص أظافرها، وأن أصفف شعرها، وأن ألبسها فستانا جميلا، لكنها لا ترى إلا ما فى رأسها، ولا تبحث إلا عن شيء لا تعرفه ولا أعرفه، القصيدة فى رحلة بحث دائم، وفى أثناء هذا البحث لا تهتم بمظهرها أو بشكلها الذى تخرج به على القراء، كل ما يشغلها أن تجد ما تبحث عنه.
■ حدثنا عن مشاريعك القادمة
- انتهيت من ديوان جديد، أطرح من خلاله عددًا من الأسئلة التى تشغلنى، وكالعادة، فشلت تماما فى الإجابة عنها.