الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

دساتير التكفير - الحلقة 3 - طرد «الإمام مالك».. من جنة «الجهاد» و«الجماعة الإسلامية»!

دساتير التكفير - الحلقة 3 - طرد «الإمام مالك».. من جنة «الجهاد» و«الجماعة الإسلامية»!
دساتير التكفير - الحلقة 3 - طرد «الإمام مالك».. من جنة «الجهاد» و«الجماعة الإسلامية»!




تحليل يكتبه - هانى عبدالله

لأسباب مختلفة (تتعلق بـ«البناء المعرفي» لتيار الإسلام السياسى)، فإن أغلب الروافد «المغذية» لمعتقدات التيار، تقف فى موضع «الخصم» من مرتكزات «الدولة الوطنية» (أى دولة) بمفهومها المعاصر؛ إذ تتراجع تلك «المرتكزات» (عند أبناء تيار «الإسلام السياسى») فى مقابل إعلاء فكرة «دولة الخلافة»، وحتمية استعادتها.. ومن ثمَّ.. ينطلق جُل أبناء التيار - غالبًا - فى فهمهم لنموذج «الدولة الحديثة» ( الجغرافية، المُتعارف عليها) من أنها صنيعة «القوى الاستعمارية»، التى أسقطت «دولة الخلافة» فى عشرينيات القرن الماضي.. من دون الالتفات لعددٍ من الخصوصيات التاريخية، والحضارية، التى تزخر بها العديد من بلدان «الشرق الأوسط».. فالدولة المصرية (على سبيل المثال)، امتلكت – من الناحية التاريخية – حدودًا «مستقرة»، ومعروفة، حتى قبل تأسيس «دولة الخلافة» نفسها بآلاف السنين (باستثناء حقب تاريخية، معدودة).
وإجمالاً.. يؤسس «التيار»، هنا، توجهاته؛ اعتمادًا على رافدين «رئيسيين»: الأول؛ هو «المُنتج الفقهى» (الشرعي)، والثاني؛ هو «توظيف» هذا المُنتج (سياسيًّا، وتنظيميًّا)، فى إطار التخديم على مفهوم استعادة «دولة الخلافة» (المندثرة).. وفى مقابل هذا التأسيس؛ تبدو - فى كثير من الأحيان - الساحة «النقدية»، المتصدية لتفنيد «الدعاوى»، التى يؤسس عليها تيار «الإسلام السياسى» منطلقاته الفكرية، وكأنها تسير فى اتجاهين، لا يلتقيان إلا نادرًا: الأول؛ يتعلق بتفنيد مرتكزات «المنتج الفقهى» للتيار (كتوجه دينى).. وهو دورٌ، كثيرًا ما كانت تتم محاصرة المتصدين له، باتهامات (جاهزة)، مثل أنهم: «فقهاء السلطان»، أو «شيوخ الدولة».. والثاني؛ يتصدى له أنصار «الدولة المدنية الحديثة»، عبر تفنيد آليات «توظيف الخطاب الديني» من أجل إعلاء مصلحة التنظيم (أى تنظيم)، على حساب «كيان الدولة» ذاته، من دون التطرق (بشكل كبير) للجانب «الفقهي»، الذى يُصدّره التيار.
ومن هنا.. تحاول «الحلقات التالية» المقاربة بين الاتجاهين السابقين (نوعًا ما)، عبر التداخل بين ما هو «فقهي» (خصوصًا عندما يُرجح أبناء التيار آراءً بعينها، من دون سواها)، وبين ما هو «سياسي»، بشقيه: «النظري» (ترجيح آراء الغلو، والتشدد). و«التنفيذي» (حمل السلاح، نموذجًا).

فيما مال الأمير الجهادى «عمر عبدالرحمن» فى كتابه: [أصناف الحُكام وأحكامهم] إلى عدم تفضيل إلحاق وصف «المسلم» - ابتداءً - بالحاكم الظالم (الجائر)، أو «المُبتدع» [كما يبدو من عناوين فصول كتابه]، على خلاف ما فعل مع «الحاكم الموصوف بالعدل»؛ لم يستطع أن يتجاوز فى تعريفه لهذا الحاكم (جريًا على ما قال به الجمهور) هذه الصفة إلى حد بعيد.. إذ قال عن الحكم «الجائر»: «هو الذى يأتى من الذنوب ما يستحق لأجله إطلاق اسم الظالم أو الفاسق عليه؛ كأن يشرب الخمر، أو يزنى، أو يجلد مُسلمًا بغير حق، أو يترك الحُكم بالشرع فى واقعة [عصيانًا، لا جحودًا لله، ولا استبدالاً].. وهو مع هذا.. الأصل عنده الحُكم بين الناس بما أنزل الله، إذ لو غاب هذا الأصل؛ لأصبح كافرًا» (1).. وأورد «الأمير الضرير»، هنا، مجموعة من «الأحاديث» المتعلقة بهذا الباب منها:
• عن زيد بن وهب، عن الرسول (ص): «إنكم سترون بعدى أثرة وأمورًا تنكرونها» قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله. قال: «أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم».
• عن ابن عباس، عن النبى (ص)، قال: «من كره من أميره شيئًا؛ فليصبر.. فإن من خرج من السلطان شبرًا؛ مات ميتة الجاهلية».
• عن أبى هريرة، عن النبى (ص) أنه قال: «ستكون فتن.. القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خيرٌ من الماشى، والماشى فيها خيرٌ من الساعى.. فمن تشرف لها تستشرفه».
• عن الزبير بن عدى قال: أتينا أنس بن مالك، فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج، فقال: «اصبروا فإنه لا يأتى عليكم زمان إلا الذى بعده أشر منه، حتى تلقوا ربكم.. [حديث سمعته من نبيكم (ص)]».
وفيما كانت الروايات «السابقة» تدل [كُلها] على وجوب الصبر على ما يوصف بجور الحُكام (بحسب تفسير مذهبين - على الأقل - من المذاهب السُّنية «الأربعة» المشهورة).. كان أن أردف «الأمير الضرير» هنا، جملة «الأحاديث السابقة» بعبارة تقول: «بينما قال فريق آخر بالخروج على الإمام، وعزله؛ إذا جار، أو فسق.. واستدلوا بمجموعة من الأحاديث»:
• عن ابن مسعود، عن النبى (ص)، قال: ما من نبى بعثه الله فى أمة قبلى إلا كان له من أمته حواريون، وأصحاب، يأخذون بسنته ويقتدون بأمره.. ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لايفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل».
• عن عبدالله بن عمر، عن النبى (ص)، قال: «على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية.. فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة».
• عن على بن أبى طالب، عن النبى (ص)، قال: «لا طاعة فى معصية؛ إنما الطاعة فى المعروف».
• عن عبادة بن الصامت، عن النبى (ص)، قال: «لا طاعة لمن عصى الله تعالى».
• عن أبى سعيد الخدري، عن النبى (ص)، قال: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».
■ ■ ■
وأتبع «عمر عبدالرحمن» هذا الأمر بسرد العديد من «الاقتباسات الفقهية»، حول الخروج على الحاكم [الموصوف بالظلم والجور].. ونحن بدورنا؛ سنورد أهمها، قبل أن نُعقب عليها (إجمالاً) فى سياق تفنيد جوانب «الانتقائية»، و«التوظيف الفقهي» المتخللة بين سطورها.. إذ قال «عبدالرحمن»:
• قال القرطبى: «قال أبو حنيفة: إذا ارتشى الحاكم انعزل فى الوقت.. وإن لم يُعزل.. وبطُل كل حُكم حَكم به بعد ذلك.. وقلت [أى: القرطبى]: وهذا لا يجوز أن يختلف فيه إن شاء الله؛ لأن أخذ الرشوة منه فسق، والفاسق لا يجوز حكمه».. وعن «القرطبي»، أيضًا، فى موضع لاحق: «لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز أن تنعقد الإمامة لفاسق».
• قال الماوردى: «... والذى يتغير به حاله - يعنى: الإمام - فيخرج به عن الإمامة شيئان: أحدهما: جرح فى عدالته، والثاني: نقص فى بدنه.. فأما الجرح فى عدالته [وهو الفسق]، فهو على ضربين: أحدهما: ما تابع فيه الشهوة، والثاني: ما تعلق فيه بشبهة.. فأما الأول منهما؛ فمتعلق بأفعال الجوارح، وهو ارتكابه للمحظورات، وإقدامه على المنكرات تحكيمًا للشهوة، وانقيادًا للهوى، فهذا فسق يمنع من انعقاد الإمامة، ومن استدامتها. فإذا طرأ على من انعقدت إمامته خرج منها، فلو عاد إلى العدالة لم يعد إلى الإمامة إلا بعقد جديد.. وقال بعض المتكلمين: يعود إلى الإمامة بعوده إلى العدالة من غير أن يستأنف له عقد ولا بيعة لعموم ولايته، ولحوق المشقة فى استئناف بيعته».
• ينقل «عبدالرحمن» عن «ابن حزم» [الظاهرى] قوله: «... ويُقال لهم: ما تقولون فى سلطان جعل اليهود أصحاب أمره، والنصارى جنده، وألزم المسلمين الجزية، وحمل السيف على أطفال المسلمين، وأباح المسلمات للزنى، أو حمل السيف على كل من وجد من المسلمين، وملك نساءهم وأطفالهم وأعلن العبث بهم، وهو فى كل هذا مقر بالإسلام، معلن به، لا يدع الصلاة؟.. فإن قالوا: لا يجوز القيام عليه [يقصد الخروج عليه].. قيل لهم: إنه لا يدع مسلمًا إلا قتله جملة، وهذا إن ترك لا يبقى إلا هو وحده وأهل الكُفر معه، فإن أجازوا الصبر على هذا خالفوا الإسلام جملة، وانسلخوا منه [أي: كفروا]».
• وينقل، أيضًا، عن القيادى الإخوانى «عبد القادر عودة»، تحت عنوان: [عزل الخليفة]، ترجيحه للرأى الفقهى القائل بالخروج على الحاكم الجائر.. إذ قال عودة: «ونرى أنّ الأصح عزل الخليفة للفسق، ولأى سبب آخر يوجب العزل، ولو أدى العزل إلى فتنة؛ لأن هذا الذى سيؤدى إليه العزل فى حقيقته فتنة، وإنما حركة إصلاح، وإعلاء لكلمة الحق، وتمكين للإسلام».. كما نقل عن «د. محمود حلمي»، و«د. عبدالكريم زيدان»، وصلاح دبوس» وغيرهم، ترجيحات مماثلة، لا تتسع «المساحة» لذكرها.
■ ■ ■
وإجمالاً.. لنا - فى المقابل - عدة ملاحظات حول «المنهجية الفقهية»، التى لجأ إليها الشيخ، فى ترسيخ أفكار الخروج على الحاكم لدى أتباعه من عناصر «السلفية الجهادية»، بزعم [جوره]، أو [ظلمه]، أو [فسقه].. إذ كان ثمة جوانب «إقصائية»، و«انتقائية» متعددة فى سياق التعامل مع ما أنتحه الفقه [التقليدي]، الذى يعتمد عليه الشيخ، نفسه:
أولاً : عمد الشيخ (الأمير الضرير) إلى اللجوء لسياق شديد الإبهام فى طريقة الاستدلال.. إذ إنّ تلك المسألة (وغيرها من المسائل اللاحقة)، تُقسّم فى سياق «الفقه التقليدى» نفسه، إلى مرحلتين: الأولى منهما: «عدالة الحاكم» قبل ثبوت الإمامة، والثانية: «عدالة الحاكم» بعد ثبوت الإمامة.. إذ ليس ثمة خلاف داخل هذا الفقه، حول أن الولاية لا تنعقد (من حيث الابتداء) لشخص مقدوح فى عدالته [وهو ما شكل جزءًا كبيرًا من محور الأدلة، التى أوردها].. أما إذا انعقدت الولاية، وكان القدح فى عدالة الحاكم «لاحقًا» على ثبوت تلك الولاية، فهذا هو «جوهر الخلاف»، الذى أشار إليه الشيخ على استحياء (!).. وهو خلافٌ، تحكمه - إلى حد بعيد - إحدى «القواعد الفقهية» المعروفة، التى تُفرق بين «الحكم الشرعى» حال الابتداء، و»الحكم الشرعى» حال البقاء، إذ تنص «القاعدة» على أنه [يجوز بقاءً ما لايجوز ابتداءً].. والمتمسكون بتلك «القاعدة» - فى سياق الخلاف الفقهى - يمنعون الخروج على القائم؛ بينما يجيزه رافضوها.. ومع ذلك؛ لم يلجأ الشيخ (ربما عن عمد) لهذا التوضيح؛ حتى لا يخسر قسطًا كبيرًا من «الأدلة التى حشدها (العبارة الثانية، التى نقلها عن «القرطبى» نموذجًا).
ثانيًا: يُمكننا - كذلك - ملاحظة أنه بامتداد «المبحث» [من الصفحة: 13 إلى الصفحة: 44]، اعتمد الشيخ على «ترجيحات فقهية» متضمنة بمذهبين، فقط، من المذاهب السُّنية المشهورة (الشافعى، والحنفى)، متحاوزًا (بشكل شبه كامل) التعرض لترجيحات «المذهب المالكى»؛ إذ إنّ الرأى الراجح فى مذهب مالك، هو تحريم الخروج على الإمام الجائر (2).. كما تعرض على استحياء (فى فقرتين فقط، من أصل 31 صفحة من المبحث)، لاعتراضات «الحنابلة» المتوافقة والرأى الراجح لدى «المالكية».. إذ إن مدرسة «الحنابلة» بامتدادها القديم (ابن القيم، وابن تيمية)، وبامتدادها المعاصر (المدرسة الوهابية)، لا تجيز الخروج على «صاحب السلطان» إلا بشرطين: الأول - وجود كفر بواح عندهم من الله، فيه «برهان».. والثانى - ألا يترتب على الخروج شرٌ أكبر منه (3).. ويبدو أنّ «الشيخ لجأ لهذا الأسلوب؛ للاستفادة من التأثيرات «الكمية» للأدلة، على حساب مضمون «الخلاف الفقهي» ذاته.. إذ لن يتأثر - حتمًا - من يُطالع صفحة واحدة (تحمل رأيًا ما)، بالقدر نفسه، الذى سيطالع خلاله نحو 30 صفحة أخرى (تُخالف الرأى السابق).
ثالثًا: يبدو أنّ الاقتباس الوارد عن «ابن حزم الأندلسي» [الظاهرى]، كان اقتباسًا لمغازلة مشاعر متلقى الخطاب الجهادى (فى المقام الأول).. إذ إن تفاصيل التصرفات المنسوبة للحاكم فى نص «الفتوى» تتعلق بشخص فاقدٍ لكل المقومات المنطقية، والعقلية.. فضلاً عما يؤهله لشغل موقع الإمامة (ابتداءً).. إلا أنها - فى السياق التوظيفى للخطاب - تبدو متوائمة مع توجهات «الشيخ» المناهضة لنموذج الدولة الحديثة (الأكثر تعقيدًا من نموذج الدولة البسيطة، التى أسسها المسلمون الأوائل).. إذ يسهل، على عادة تيار الإسلام السياسى (أي: بقليل من التبسيط «المُخل»)، توظيف نص فتوى «ابن حزم الظاهري»؛ للنيل من المعاهدات الدولية، والإقليمية، بزعم أنها تُمكن «غير المسلمين» من رقاب المسلمين.. وبالتالي.. سحب أحكام الفتوى، على أوضاع سياسية أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه فى نظر «أبناء التيار»، أنفسهم [وهو ما يُمكننا ملاحظة أثره بين العديد من المواقف، التى روّج إليها التيار فى أعقاب توقيع «السادات» لمعاهدة السلام، وحتى اغتياله!].
رابعًا: عمد الشيخ إلى عدم تفسير جملة «المرويات» التى حشدها فى سياق مبحثه، خاصة حديث أبى سعيدٍ الخدري، عن أنه سمع رسول الله (ص)، يقول: «من رأى منكم منكرًا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».. وما يتضمنه الحديث من تقسيمات [نوعية] (وفقًا للتفسير الغالب)، حول «الشرائح» الثلاث المُستهدفة بالخطاب النبوى (أي: أصحاب الأمر، والفقهاء، وآحاد الناس).. مرتكنًا إلى تفسير «ابن رجب»، فى جامع العلوم والحكم (رغم اعتراض أحمد بن حنبل على الحديث؛ لمخالفته مجمل مرويات الصبر)، حول أن التغيير باليد لا يستلزم القتال (!).. وذلك؛ لإعطاء «مساحة» [أوسع] لمريده من «التيار الجهادى» فى اتخاذ «الحديث» تكأة، لما يرون من حق، فى أنفسهم؛ للتغيير باليد (!)
خامسًا: ثمة مقاربة «تفسيرية» هنا حول حديث «تغيير المنكر باليد»، ربما تعكس جانبًا غير مطروق، بشكل كبير.. إذ ورد الحديث، من حيث الأصل (بحسب ما ذكره «مُسلم» فى صحيحه)، فى سياق واقعة «ابتداع دينى» [خالصة] قام بها «مروان بن الحكم»؛ إذ كان أول من بدأ بـ»خطبة العيد» قبل الصلاة (على خلاف ما قام به الرسول، والصحابة من بعده).. ومن ثمَّ.. قام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة.. فقال: قد تُرك ما هناك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من رأى منكم منكرًا فليغيره ... «[إلى آخر الحديث].. ومن ثمَّ؛ ربما يعكس هذا الموقف جانبًا مُهمًا من جوانب المعنى المراد بلفظة [المنكر] الواردة فى الرواية، إذ إنّ سحبها، فى المقام الأول [تقديمًا، لا تقييدًا للمعنى] على «الابتداع العقائدى»، و«الطقوسى»، هو الأكثر تماشيًا مع سبب الرواية.
سادسًا: يبقى الجانب «التوظيفي»، هنا من الناحية السياسية [لا الشرعية] هو الأهم.. فمَن المنوط له إصدار حكم تفسيق الحاكم، أو اعتباره جائرًا، أو ظالمًا، من حيث الأصل؟!.. إذ يبرز، هنا - على وجه التحديد - جانبًا من أكثر الجوانب احتكارية [وتكرارًا] من قِبل تيار «الإسلام السياسي»؛ إذ يعتبر كل فصيل من فصائله أنه الأقدر على إصدار أحكام، وفتاوى من هذا النوع، من دون غيره (!).. وأنّه (أى هذا الفصيل) صاحب الدين القويم (الفرقة الناجية)!
.. ونكمل لاحقًا

    هوامش

(1)- قال «عمر عبدالرحمن»، فى تعريفه للحاكم المبتدع: البدعة: ما أحدث على خلاف الحق المتلقى عن رسول الله (ص) من علم أو عمل أو حال بنوع شبهة أو استحسان وجعل لينًا قويمًا وصراطًا مستقيمًا.. ومثال الحاكم المبتدع: المأمون والمعتصم والواثق من خلفاء بنى العباس الذين قالوا بخلق القرآن .. وكانوا - مع بدعتهم - القاعدة عندهم الحكم بكتاب الله وسنة نبيه (ص).. وهو ينطبق عليه [من الناحية الفقهية] - والقول لنا - الخلاف نفسه، حول الحاكم «الجائر».
(2) - انظر: «شرح الزرقانى»، و«حاشية الشيبانى»، وعبدالقادر عودة: «التشريع الجنائى الإسلامى - ج 2»، (القاهرة: مكتبة دار التراث، 2003م)، ص:602.
(3) - عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، «المعلوم من واجب العلاقة بين الحاكم والمحكوم»، (مكة: دار الإمام أحمد، 2004م)، ص: 11.