الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

داليا السعدنى: ما نراه اليوم من أبنية يطمس تاريخنا وهويتنا.. ولا أرى دوراً لوزارة الثقافة

داليا السعدنى: ما نراه اليوم من أبنية يطمس تاريخنا وهويتنا.. ولا أرى دوراً لوزارة الثقافة
داليا السعدنى: ما نراه اليوم من أبنية يطمس تاريخنا وهويتنا.. ولا أرى دوراً لوزارة الثقافة




حوار- مروة الوجيه

لقبت بسفيرة التصميم حول العالم، السيدة الذهبية، سيدة التصاميم الخلاقة، المهندسة داليا السعدني، المصنفة رقم 12 عالميًا، والثى استطاعت أن ترفع تصنيف مصر من المرتبة رقم 182 إلى المرتبة 25 بين مصممى الديكور والمعمار، وهى فنانة ذو طابع خاص، لا تنتمى لمدرسة بعينها فى التصميم ولا تلتزم فى حياتها العملية بطراز واحد وتقتصر عليه مثل الآخرين.. ولكنها تميل إلى مفهوم المزج بين الطراز المعمارية، بما يواكب العصر.. ولكن بلمسة تاريخية عميقة.. فهى عاشقة للتصاميم المحتوية على موتيفات وراءها قص تاريخى وتراثى وأسطوري.. ترى أن البيئة المصرية والعربية طاردة للمهندسين المعماريين، لما تحتويه من نمط الأبنية الخرسانية، تؤمن بأهمية أن يمارس المعمارى العمل بيديه ولا يعتمد على النظريات الحرفية فقط، ترى أن الفن المعمارى هو مرآة لحضارة الشعوب.. وهى عاشقة لتقديم حضارة بلدها من خلال تصميماتها، ولها العديد من المواقف والآراء التى أثارت بعض الجدل خلال الأعوام الماضية، فكان لـ«روزاليوسف» معها هذا الحوار:

■ كيف بدأ شغفك بالفن المعمارى والديكور؟
- بدأ حبى لفن المعمار عند دخولى كلية الهندسة فى الإسكندرية، وتخصصى فى هندسة المعمار، فلم يكن حلمى أكون مهندسة أو معمارية، بل كنت أحلم أن أكون مذيعة أو عالمة آثار archaeologist بسبب حبى الشديد للتاريخ، وآخر ما كنت اتخيله هو دخولى كلية الهندسة ودراسة العمارة، وأرى أن هذا شيء طبيعى للشباب فى هذا السن، خاصة مع طريقة تعلمنا والأسلوب المتبع فى تحديد الكليات والجامعات التى توزع الطلاب حسب المجموع ومكتب التنسيق، ولا يوجد أية أنشطة أو طرق علمية متبعة لدراسة أهواء وميول الطالب فى المراحل الدراسية السابقة للجامعة.
■ ماذا عن تصميم الديكور، كيف بدأ مشوارك معه؟
- دخلت مجال الديكور وتنسيق الحدائق بسبب قلة فرص العمل لمهندسى العمارة بسبب قلة الأراضى والمشروعات، فمنذ فترة التسعينات بدأت ظهور فكرت الكومبوندز compounds أو المجتمعات السكانية، والتى تستدعى عمل مهندس واحد فقط للمشروع، لذلك نجد الكثير من المهندسين المعماريين غالبًا ما يلجأون للعمل فى مجال الديكور والتصميمات الداخلية.
■ هل استطعت دمج خلفيتك فى فن المعمار واستغلالها فى الديكور؟
من خلال دراستى للمعمار والديكور استطعت أن أُلم بكل أساليب التصميم سواء الخارجى الداخلي، فدراستى للتخطيط العمراني، ثم تصميم الديكور الداخلى وتنسيق الحدائق، كل هذا يكمل الصورة النهائية لأى مكان وكيفية التعامل مع المساحات المتاحة، فالمهندس المعمارى عند توجهه للتصميم الداخلى يكون من السهل عليه أن يوظف الديكور وفقًا للفراغات المعمارية، واستغلالها سواء من الأسقف أو الجدران وتنسيقها بشكل جيد يريح العين ولا يشعر الإنسان بضيق المساحة.
■ لماذا اختارت الدخول فى مجال المقاولات وما الصعوبات التى واجهتك؟
- سبب دخولى مجال المقاولات كان مع بداية إنشاء شركتى الأولى وكنت حينها فى عمر 18 عامًا فقط، فتعاملت مع المقاولين الذين طلبوا منى عدم التدخل فى كيفية تنفيذ تصميماتي، وأنا بطبعى شخصية عنيدة فأصررت على غلق الشركة، وإكمال دراستى ودخولى مجال المقاولات حتى أشرف على طريقة تنفيذ المشروعات ومتابعتها، ولكنى لا استطيع أن أؤكد أننى أول امرأة تدخل هذا المجال، فيمكن أن يكون سبقنى إليه الكثيرات ولكن لم يكن هناك إلقاء ضوء عليهن بشكل كاف، لذلك أنا أقوم بعدة مبادرات من خلال شركتى الخاصة لتقديم محاضرات للمهندسات المعماريات وتحفيزهن للدخول فى مجال المقاولات، خاصة وأنا أرى أن فى الفترة الأخيرة أصبحت الفتاة المصرية ذات إصرار قوى لإثبات ذاتها وتحقيق أحلامها وهذا أمر مهم فى أى مجال.
■ ماذا عن بداية رحلتك لإيطاليا؟
- إيطاليا تعتبر دائمًا هى منارة لكل الفنون، وخاصة للمصممين المعماريين، فعلى الرغم من أن القدماء المصريين سبقوا الإيطاليين فى فن المعمار، إلا أنهم استطاعوا أن يحافظوا على فنهم وأصالتهم وتعلموا كيفية تسويق هذا الفن، وبعد تخرجى من الجامعة توجهت لإيطاليا لدراسة الديكور والتخطيط العمراني، ثم بدأت مشوارى من هناك فى العمل بجانب الدراسة، خاصة بعد حصولى على عدة دبلومات فى التصميم الداخلي، وبعد رجوعى إلى مصر أصبحت أهتم بمتابعة الفاعليات والمسابقات الدولية التى تقام فى إيطاليا لأفضل المصممين العالميين.
■ كيف تم اختيارك لشغل منصب رئيسة رابطة المصممين العالميين؟
- بعد فوزى على هذا القدر من المسابقات العالمية وخاص فى A>DesignAwards التى تعتبر من كبرى المسابقات، حيث يصل عدد المتسابقين فيها إلى 12 ألف مصمم من أكبرى المصممين فى عالم التصميمات، واعتبر أنا أول امرأة شرق أوسطية تدخل هذه المسابقة، وهناك بروتوكول متبع فى إيطاليا أنه عند حصولك على عدد معين من الجوائز العالمية، يتم ترشيحك لشغل منصب فى هذه المؤسسة وليس بالضرورة رئيسة المؤسسة، وأنا بطبعى أسعى دائمًا لأكون الأفضل أو الأحسن، فاخترت أن أتقدم لمنصب رئيسة المؤسسة وليس عضو فقط فيها، وعلى الرغم من صعوبة الموضوع بل واستحالته، لعدة أسباب، منها صغر سنى وكونى امرأة شرق أوسطية، ومسلمة، كل هذه العراقيل كانت أمامي، ولكنى اتبعت مبدأ «يكفينى شرف المحاولة» وكل ما ساعدنى فى التقديم هو تقدم مركزى من 72 إلى 12 عالميًا، وجاءت التصفيات النهائية فى المسابقة بينى وبين مصمم ألمانى وآخر إسرائيلي، الأمر الذى ذاد من إصرارى على الفوز بهذا المنصب، خاصة أن خصم من خصومى إسرائيلي، والحمد لله كسبت المعركة وفزت بالمنصب.
■ هل فكرتى بصفتك رئيسة لرابطة المصممين الدولية بإقامة مسابقات أو معارض فى مصر لوضعها على الخريطة العالمية فى هذا المجال؟
بعد فوزى بهذا المنصب أقمت مسابقة «بينالى التصميم الدولي» فى 2014، وهى مسابقة عالمية فى كافّةً مجالات التصميم وتم تكريم 14 شخصية مصرية من أكبر المصممين فى عدة مجالات مختلفة وليس فى المعمار فقط، وأفكر هذا العام أن أقدم عمل للشباب وتسليط ضوء إعلامى دولى من خلال إقامة مسابقات ومؤتمرات ومعارض فى عدة دول، ولن تكون فى المعمار فقط بل ستكون فى مجالات مختلفة أيضا.
■ حدثينا عن فكرة تصميمك لميدان التحرير وهل يمكن أن ترى النور خاصة بعد توجه الحكومة لتطوير منطقة التحرير ووسط البلد؟
- فكرة تصميمى لميدان التحرير جاءتنى بعد ثورة 25 يناير، وكنت أود أن أقدم عمل يخلد ذكرى ما شهده هذا الميدان من ثورات على مر العصور للمطالبة بشيء واحد وهو «الحرية»، وفى سبيل هذا راحت ضحيته آلاف الأرواح، فميدان التحرير يعتبر رمزًا للتخلص من الاحتلال على مر التاريخ، مرورًا بفترة الاحتلال الإنجليزى حيث كانت توجد سكنات الجيش الإنجليزى فى التحرير ووسط البلد، وحتى أثناء فترة حكم السادات وعبد الناصر كان رمز لكثير من المظاهرات والاحتجاجات، حتى وصلنا لثورة يناير، وهذا ما دفعنى لتقديم نموذج يمثل حياة الشباب وما مروا به على مدار 12 يومًا فى الميدان، فصممت سوق على شكل الخيام التى كانت تقام هناك، كما وضعت كلمة «حرية» بكل لغات العالم على مساحة الميدان ككل، وشارع محمد محمود وضعت تصميمًا للإضاءة كناية عن أرواح الشباب الذى استشهد فى هذا اليوم، كما وضعت تصميمًا لتمثال على هيئة شاب محاط بعلم مصر، وهو كناية عن كل الشباب الذين شاركوا فى الثورة بسبب حبهم لبلادهم، وتم تصميم الميدان ليكون للمشاة فقط ويمنع دخول السيارات، مثل الكثير من الدول المتقدمة وذلك للحفاظ على نظافة المكان من عوادم السيارات أو التكدس المروري، وحتى يكون هناك مكان للتنزه داخل البلد تستطيع اى أسرة أن تذهب إليه دون التقيد ببعد المسافات.
وهناك عدة مشاورات تدور الآن لتنفيذ تصميمي، خاصة بعد فوز المشروع بعدة جوائز عالمية، ولكن الأمر متوقف فقط للبحث عن تمويل لتنفيذ المشروع، وأتمنى أن يحدث ذلك قريبًا، حيث إن فكرته تقدم حلولاً لكثير من المشكلات التى تواجهها منطقة وسط البلد ككل وجعلها مكان راق ومريح لرواده أو للسائحين.
■ ماذا عن مشاريعك المستقبلية؟
- أعمل الآن على مشروع تصميم مدينة سياحية فى منطقة سانت كاترين، فهذه المنطقة غاية فى الجمال ولكن للآسف هناك قصور ضخمة فى الإنشاءات السياحية، ولا يوجد اهتمام بهذه المنطقة، سوى بدير سانت كاترين وجبل موسى، مما يؤثر ذلك على تسويق واستغلال هذه المنطقة سياحيًا، ففى الكثير من الدول الأوروبية لا يمتلكون مناظر طبيعية أو تاريخًا مثلنا ولكنهم استطاعوا أن يسوقوا لبلادهم بطرق أفضل، للأسف مصر تمتلك الكثير من الثروات والأماكن الطبيعية الجاذبة لإقامة أى مشروع ولكن البعض لا يعرف قيمتها.
■ من وجهة نظرك لماذا تفتقر البيئة المصرية لفن المعمار والتنسيق الحضاري؟
- مصر حتى فترة الخمسينيات من القرن الماضى كانت أجمل من المدن الأوروبية، وما حدث للمعمار المصرى هو نفسه الذى حدث للشخصية المصرية، التى اعتادت على القبح فى كل ما هو حولها، مما ادى إلى تدهور فى ذوقنا العام، والتعامل بلا إنسانية بيننا، وهناك عدة عوامل لعبت دورًا مؤثرًا فى هذا التغير، أهمه الإعلام لما له من تأثير قوى على الشعوب، فأغلب أفلامنا ومسلسلاتنا الآن تدور على المناطق العشوائية والبلطجية، ما أدى لتفشى ظاهرة البلطجى وأسلوب كلامه وتعاملاته وأصبحنا نراه فى الأطفال الصغيرة، وهذا أدى لتدهور الشخصية المصرية من المصرى الذى كان يستمع للفنون الراقية والمهتم بنظافة بلاده وشوارعه، للشخصية التى تتعامل مثل البلطجى فى طريقة كلامنا وأسلوب تعاملنا مع بعضنا البعض ولا نهتم بالجمال فى أى شيء سواء فى شكلنا أو بلادنا ولا نعطى أهمية أو قيمة لتراثنا ولا تاريخنا، كل هذه العوامل أدت للوصول لما نحن فيه الآن.
■  من وجهة نظرك  كيف يمكننا الاستفادة من خرجى الكليات المتخصصة فى المعمار؟
- هناك دول صنعت تاريخًا لها بسبب فن المعمار، فنرى دبى وولاية لاس فيجاس الأمريكية، كانتا فى الأساس صحراء، ولكن بسبب المعمار المتقدم استطاعتا أن تكونا واجهة لجذب السياحة والاستثمار، ونحن كدولة ذات تاريخ كبير وحضارة عريقة ونمتلك مهندسين معمار ذو حرفية عالية فى مجالهم، ولا ينقصنا يد عاملة فلماذا لا نستغل كل هذه الإمكانيات ونقدم مشاريع استثمارية تعود على البلد بعائد ضخم وتساعدنا فى حل الكثير من المشكلات عند الشباب وخاصة البطالة، للأسف دائمًا ينقصنا فكرة الإدارة الصحيحة والرؤية الواضحة لصناع القرار فى بلدنا وكيفية استغلال مواردنا بل والعمل على تطويرها، وهى كانت وما زالت الثغرة التى نقع فيها دائمًا فى أغلب العهود.
■ ما الحل؟
- هناك دائمًا أمل فى غد أفضل، ولكن هذا مرتبط دائمًا بتوجه أصحاب القرار، يجب أن نفهم ونعى أن فكرة المسكنات والعلاج المؤقت وحدها لا يمكن أن تبنى دولة أو تساهم فى نهوضها، نحن يجب أن نسير فى طريقين بالتوازى وفى وقت واحد، فهناك خطة قصيرة الأجل لحل المشكلات اليومية، بالإضافة لخطة طويل الأجل برؤية واضحة لمستقبل بلادنا، فمن المستحيل أن أقدم حلولاً لمشكلات البلد من سوء تنظيم وتخطيط عمرانى وغيرها من مشكلاتنا الحياتية وانا ما زالت اخطط لـ7% فقط من إجمالى مسطح البلد.
■ تم ترشيحك لشغل منصب وزيرة البحث العلمى سابقًا هل رفضت المنصب؟
لم يحدثنى أحد عن ترشحى لهذا المنصب، فقط سمعته من التليفزيون ومواقع السوشيال ميديا، ولكنى سعدت أنه لم يتم اختياري، فعلى الرغم من حبى وعشقى للمشاريع الخدمية فى المجتمع، إلا إننى أريد أن افعل ذلك دون قيود، بالإضافة إلى عشقى لعملى الذى كان سيستدعى تركه.
■ هل ترين أن العمل فى بلاط السلطة لن يكون له التأثير القوى فى تقديم الخدمات لمجتمعنا؟
- أرى أنه بسبب البيروقراطية والقيود الكثير التى يتكبل بها أى مسئول لن تساهم السلطة بشكل كبير فى تقديم خدمات لمجتمعنا، وما نراها اليوم من عدم وجود رؤية واضحة فى أى وزارة فكل مسئول يأتى لمنصبه يقوم بهدم كل ما خطط إليه المسئول السابق، وهذه فكرة عقيمة ولن تؤدى لشيء، فيجب أن يكون هناك حكومة موازية أو ما يعرف بـ Think Tank، وهم أشخاص يضعوا خططًا للمستقبل بناء على دراسات سابقة، ويأتى الوزير الذى يعتبر دوره تنفيذى لهذه المخططات، ثم يأتى غيره ويكملها، وهكذا، ويجب أن تعمل كل الوزارات مع بعضها البعض، فكل وزارة مجرد ترس فى عجلة القيادة ويجب أن تسير كلها على مخطط ومنهج واحد حتى نستطيع أن ننهض ونتقدم.
■ تحدثت سابقًا عن رغبتك فى تأسيس لجنة من المعماريين للعمل مع المجالس المحلية والبلديات لوضع قواعد تنظيمية للمبانى الجديدة ماذا عن الأمر؟
- كانت فكرتى ليس العمل مع مجالس المحليات لاعتقادى أن فكرة المحليات لم تثبت جدارتها، وكان الهدف من وراء هذه الفكرة هو تقديم لجان تكون تحت رعاية رئاسة الوزراء مباشرة وتكون سلطتها أقوى من مجالس المحليات والبلديات، وتكون هى المسئولة عن تقديم تراخيص البناء والشكل المعمارى دون استثناءات، وتكون كل محافظة ذا طابع معمارى مختص بها وبشكلها الجمالي، فكل محافظة لها طابعها الخاص الذى يمكن أن نستغله فى التصميمات المعمارية، وبالفعل عرضت فكرة هذا المشروع ولكن كالعادة فكرة التمويل لتطوير المبانى القائمة كانت هى العائق وعند اقتراحى أن يتم تخصيص جزء من أموال الضرائب تم رفض الفكرة ككل.
■ هل ترى دورًا فعالاً لوزارة الثقافة والجهاز القومى للتنسيق الحضارى فى المحافظة على الشوارع والميادين فى مصر؟
- للأسف لا، فسابقًا كانت تقام مسابقات لتنسيق الحدائق والزهور ولكن الآن لم نسمع عنها أى شيء سوى فى محافظة بورسعيد، التى ما زالت تقام فيها هذه المسابقات وللأسف دورها أيضا غير فعال أو واضح، أما وزارة الثقافة فتقلص دورها بصورة كبيرة، فلم نعد نلمس أو نرى فاعليات ثقافية تستطيع أن تنهض بمستوانا الثقافى سوى فى دار الأوبرا التى عند دخولها تستطيعى أن تشعرى أنك فى مكان راق وذو طابع مميز، ولكن يجب على وزارة الثقافة أن يكون لها دور فعال أكثر من ذلك، فوظيفتها هو بث الثقافة فى المجتمع، ولكن هذا لا يوجد على أرض الواقع، فيجب أن يكون دورها أكبر بكثير خاصة فى هذه المرحلة التى نرى فيها تدنى فى المستوى الفكرى والأخلاقى فى مجتمعنا.
■ ما رأيك فى المناهج التعليمية فى كليات الفنون والعمارة؟
- المناهج الدراسية فى الجامعات المصرية تعتبر قوية، وتقدم أسس المعمار بشكل جيد، ولكننى ضد تقسيم الهندسة المعمارية فى عدة كليات، فهناك كلية فنون جميلة قسم عمارة، وفنون تطبيقية، بالإضافة لكلية هندسة، لماذا كل هذا التقسيم، والمناهج العلمية واحدة، وهذا التقسيم أيضا يؤثر على خريجى فنون تطبيقية أو فنون جميلة والنظر لهم بصورة أقل من خريجى هندسة فى سوق العمل، وحتى فى النقابات يتم فصل التطبيقيين عن نقابة المهندسين، لا أعرف لماذا؟ فمن وجهة نظرى أنه يجب أن يتم وضع كل الأقسام المشابهة فى الجامعات فى كلية واحدة خاصة بالعمارة، ولا يكون التقسيم فقط بناء على مجموع نجاحنا فى ثانوية عامة.
■ ما رأيك فى تصميم مشروع العاصمة الإدارية الجديدة؟
- رأيت تصميم المشروع، وللآسف يفتقر لروح الشخصية المصرية، فنحن نمتلك الكثير من التاريخ والفنون المعمارية التى يمكن وضعها من خلال تصميمات حديثة معماريًا ولكن الطابع المصرى يظل واضحا فيها، وهو ما كنت أطمح أن أراه فى هذا المشروع الضخم.
■ من أين تستلهمين أفكار تصميماتك ومن قدوتك؟
- استلهم تصميماتى من أى شيء حاولي، فيمكن أن أرى فتاة ترتدى ألوانًا متناسقة ولافتة أستلهم منها فكرة تصميم، فعين الفنان أو المصمم بمثابة كاميرا تلتقط كل شيء وتصنع منهم تصميمًا جميلا، اما قدوتي، فانا أعتبر كل شخصية ناجحة قدوة لى فى أى مجال، لكن فى مجال المعمار فأنا من أشد المعجبين بالمهندس المعمارى حسن فتحي، الذى يعتبر من مؤسسى تاريخ البناء الشعبى والعمارة الريفية ومن أشهر أعماله «عمارة الفقراء»، ولكن أكثر ما يشدنى لشخصية هذا الرجل هو دفاعه عن قضيته ومبدأه فى الحفاظ على تراثنا الشعبى وتقديمه من خلال التصميمات المعمارية.
■ الدول الغربية شديدة الإعجاب بتراثنا العربى وعلى النقيض نلجأ للأسلوب الغربى دائمًا سواء فى الإنشاءات المعمارية أو فى الديكور.. لماذا؟
- للأسف مازلنا نعانى كشعوب عربية من «عقدة الخواجة» فكل ما يأتى من الغرب ننبهر به وبأسلوبه حتى لو كان فقيرًا جماليًا أو صناعيًا، وهذا ما أدى إلى محو تراثنا العربى فى الكثير من المشاريع الإنشائية أو حتى فى الديكور والقطع الفنية، أما فى الغرب فهم يتهافتون على كل ما يتعلق من تراثنا، لأنهم يقدرون قيمة هذا التراث أكثر مننا، ولكن يوجد بعض الدول العربية التى حافظت على شكلها المعمارى وتراثها القديم مثل تونس، من الصعب جيدًا أن ترى مكان أو لوحه ولا تعرف أنها من تونس بسبب حرصهم على تثبيت الشكل التاريخى لبلدهم، واستطاعوا أن يدركوا أن المعمار هو واجهة للحالة الاقتصادية والثقافية لأى دولة ففن المعمار هو الذى يخلد تاريخ أى دولة.
■ ما رأيك فى المشاريع الإسكانية اليوم وما نصيحتك للشباب فى كيفية تنسيق هذه المساحات؟
- بدأت تظهر الآن فى مصر ولكن فى مناطق قليلة جيدًا، وللأسف لا أحد يعرف عنها الكثير، وأنا مع هذه المشاريع جيدًا، فيجب أن نتخلص من فكرة السكن فى الأماكن الكبيرة واستخدام نصفها فقط للمعيشة والنصف الآخر للضيوف مثل أجدادنا، فكرة الشقة الـ 200م يجب أن تنتهي، خاصة للشباب الذى لا يحتاج لكل هذه المساحة، ويجب أن يكون هناك تركيز إعلامى على تغير هذه الأفكار القديمة، أنا أرى أن الإعلام سواء مسموع أو مرئى أداة قوية جيدًا فى التأثير على الشعوب، لذا يجب أن نرى فى الأفلام أو المسلسلات هذه النوعية من الشقق كنموذج لسكن الشباب ليست الفيلات والشقق الفارهة.
■ وبالنسبة لتنسيق هذه المساحات من ناحية الديكور وتنسيق المساحات الصغيرة؟
- أولًا يجب أن يكون التصميم المعمارى بمساحات مفتوحة ولا يوجد قواطع وتحديد فى المساحات داخل الشقق، حتى تستطيع أن تكون على حريتك وأنت تصمم شكل الغرف، كما أن هناك قطع أساس تستطيع أن تستخدمها بعدة أشكال وهو ما بدأ ظهوره فى الأسواق الأوروبية حاليًا وبدأ الآن فى الظهور فى بعض المحالات فى الدول العربية ومصر، مثل مكتب تستطيع أن تحوله لسرير فى غرفة أو كرسى يمكن تحويله إلى منضدة وهكذا من الأفكار الإبداعية فى الأثاث التى يمكن استغلالها فى المساحات الضيقة، كما أن اللعب بالإضاءة والإكسسوار يمكن أن يعطى تنسيقًا جماليًا لأى مكان ضيق المساحة ولا تشعر فيه بهذا الضيق.
■ هل أنت مع فكرة الدمج بين المهندس المعمارى والمهندس المدنى والمقاول؟
- هناك عدة مدارس أو أساليب متبعة فى التصميم المعماري، فهناك مدرسة تسمى masterbilder وهى أن يكون المصمم هو المنفذ ويكون ذات حرفة لتقديم تصميمه، وهذه المدرسة منذ عهد الفراعنة وأشهر مصمم معمارى فى هذه الفترة كان أمنحوتب، حيث كان يضع تصميم المعبد ويقوم بنحته وتنفيذه، أما فى القرن الـ18 بدأت الفصلة بين المصممين والمنفذين وتكون من تخصص المهندسين المدنيين أو المقاولين، ولكنى أفضل المدرسة الأولى فأنا أحب فكرة تنفيذ مشروعاتى على أرض الواقع وأكون جزءًا من تنفيذه لا متفرجة فقط من الخارج، لأن فى الكثير من الأوقات قد تواجهه مشكلات أثناء التنفيذ والتوصل لحل يكون أفضل وأسهل إذا وجود المهندس صاحب التصميم على أرض المشروع، كما أننى أحب الوجود فى مواقع العمل ومتابعة جميع التفاصيل والتعامل مع المقاولين والعمال، ومن المؤكد أننى واجهة عدة مشكلات خاصة وانا كنت صغيرة فى السن عند دخولى هذا المجال وبسبب فكرة البعض أن المرأة لا يجب أن تقود فريق من العمال وتجود فى أرض المشروع، ولكنى مؤمنة أن المرأة المصرية تستطيع أن تكون قائدة ناجحة فى كافّةً المجالات، فحتشبسوت وكليوباترا كانتا ملكات فى مصر، واستطاعتا أن تقودا إمبراطوريا بأكملها، ولكننا مع الأسف تخلفنا فى فكرنا وأصبحت نظرتنا للست المصرية أنها لن تستطيع فعل الكثير من الأشياء وهذا فكر خاطئ، وجديد على الثقافة المصرية التى تربينا عليها، ففى الخمسينات والستينات لم يكن هذا الفكر متبع، وعلى الرغم من كل الصعوبات التى تواجه المرأة كل يوم فى أى مجال أثبتت وبجدارة أنها تستطيع أن تفرض نفسها وشخصيتها، وهذا ما كنت أسعى عليه على الرغم ما واجهته من صعوبات.