السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

البرامج الدينية لا تكفى وحدها لحل ما أفسده الزمن

البرامج الدينية لا تكفى وحدها لحل ما أفسده الزمن
البرامج الدينية لا تكفى وحدها لحل ما أفسده الزمن




تحقيق- علياء أبوشهبة ونهى عابدين


لا تكاد قناة تليفزيونية فضائية وحتى بعض المحطات الإذاعية تخلو من البرامج الدينية المعتمدة على استقبال اتصالات المشاهدين والمستمعين والرد عليها من خلال داعية متخصص فى تقديم الفتاوى الفقهيه، إلا أن كثيرًا من هذه البرامج تستقبل مشكلات اجتماعية ونفسية، فى الوقت الذى اختفت فيه البرامج المتخصصة فى مناقشة المشكلات الاجتماعية.
برنامج «حياتى» الذى كانت تقدمه الإعلامية فايزة واصف على مدار ثلاثة عقود كان هو البرنامج الأشهر لمناقشة المشاكل الاجتماعية من خلال تجسيد المشكلة دراميا ومناقشتها من خلال خبراء متخصصين فى علمى النفس والاجتماع، وفى نفس السياق كان التليفزيون المصرى يعرض برنامج «بين الناس» فى فترة التسعينيات وكان يقدمه الإعلامى جمال الشاعر، ويقدم أيضا عرضا دراميا للمشاكل الاجتماعية ويقدم مناقشة مع المواطنين ثم يختتم الحلقة بعرض المشكلة على الخبراء والمتخصصين.
أهم البرامج الدينية
من أبرز البرامج الدينية المعروضة حاليا برنامج «قلوب عامرة» وتقدمه الداعية دكتورة نادية عمارة على قناة الحياة، وبرنامج «فقه المرأة» وتقدمه دكتورة سعاد صالح على قناة الحياة، وبرنامج «كلمة السر» ويقدمه دكتور مبروك عطية، على شاشة «إم بى سى مصر»، وبرنامج «الموعظة الحسنة» الذى يقدمه الإعلامى محمد سعيد على قناة دريم، وهو البرنامج الذى كان يقدمه دكتور مبروك عطية، ويتشارك الشيخ خالد الجندى والشيخ رمضان عبدالمعز تقديم برنامج «لعلهم يفقهون» على قناة DMC، وبرنامج «وإن أفتوك» الذى يقدمه دكتور سعد الهلالى على قناة ON E.
وفى الراديو يقدم يوميًا دكتور محمد وهدان برنامج «علامة استفهام» عبر أثير إذاعة نغم FM، كما يقدم دكتور سعد الهلالى برنامج «أولادنا» عبر أثير راديو 9090، وعبر نفس الإذاعة يقدم الشيخ خالد الجندى برنامج «لعلهم يفقهون».
بالنظر إلى البرامج المقدمة حاليا سواء التليفزيونية أو الإذاعية، اختفت البرامج التى تناقش المشكلات الاجتماعية، وبعيدًا عن البرامج التى تناقش المشاكل العاطفية مثل برنامج «أنا والنجوم وهواك» المذاع عبر نجوم أف إم ويقدمه أسامة منير، هذه النوعية من البرامج تناقش مشكلات متعلقة بالعلاقات العاطفية، وبرصد لبرنامج «قلوب عامرة» الذى تقدمه الداعية دكتورة نادية عمارة على قناة الحياة الفضائية، رصد التحقيق تلقيها شكاوى نفسية واجتماعية، وفى إحدى الحلقات اشتكت سيدة من إصابتها بالوسواس القهرى وفشل العلاجات الدوائية معها، وهنا نصحتها دكتورة نادية بمراجعة الأطباء لأن العلاج من المتخصصين هو سبيلها الوحيد للتعافى، ثم علقت بأن البرنامج متخصص فى الإجابة عن التساؤلات المتعلقة بالفتاوى الدينية.  
حلقة أخرى من برنامج «قلوب عامرة» تحدثت فيها فتاة صعيدية عن رفض والدتها وعمتها زواجها من ابن عمتها وعن نيتها الهروب من المنزل، وهنا طلبت منها دكتورة نادية عمارة ترك رقم هاتفها من أجل تدخلها بشكل شخصى لحل المشكلة وطلبت منها عدم الهروب من المنزل.
وفى برنامج «فقه المرأة» الذى تقدمه دكتورة سعاد صالح، أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات، ويعرض على قناة الحياة الفضائية، تلقت اتصالًا تليفونيًا من سيدة تشكو من شك زوجها فى نسب جنينها وذكرت تفاصيل مخجلة خادشة للحياء عن علاقتها الجنسية بزوجها، ما أصاب دكتورة سعاد صالح بالفزع مما سمعت وحاولت إنهاء المكالمة سريعا، وهى تنصحها بإجراء اختبار الحامض النووي DNA للجنين لطمأنة زوجها.

مضمون استهلاكى
دكتور هشام كمال أستاذ الإعلام المرئى، فى كلية الإعلام بجامعة القاهرة، قال لـ«روزاليوسف» إن الإعلام أصبح استهلاكيًا فى المقام الأول يسعى نحو الربحية، وقبل انتشار القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية الخاصة، كانت البرامج تبحث عن التوعية وبناء الأسرة، أما اليوم أصبح هناك معركة ساعرة بين القنوات الفضائية للحصول على أعلى نسبة مشاهدة وتحقيق عائد من الإعلانات، بالتالى أصبحت الجوانب التربوية والتوعوية يتم تجنبها مقابل جذب المتلقى.

إعادة صياغة البرامج
وأضاف أستاذ الإعلام المرئى أن البرامج الدينية أصبحت تطرح مواضيع حساسة ربما تخدش حياء الأسرة، وتكون بالغة الجرأة، هدفها إحداث بروباجندا من أجل جذب المشاهد ومن ثم المعلن، وإثارة الجدل على مواقع التواصل الاجتماعى.
يكمل قائلا: المشاهد أصبح بضغطة زر إذا لم يجد ما يجذب أهواءه الشخصية يبحث عن ما يمكن أن يرضيه، أما قديما كان التليفزيون له جانب تربوى وفيه جوانب توعية ورقابة من الدولة، لكن الإعلام الآن أصبح كعكة كبيرة تتشارك فيها أطراف كثيرة جدا، ونظرا للحراك السياسى المتلاحق فى مصر أصبح الحديث عن وجود رقابة عبارة عن حرث فى البحر، ولن يتأثر به الاتجاه الرأس مالى فى الإعلام على الإطلاق؛ خاصة  أن معدلات القراءة للكتب وحتى الصحف الورقية أصبحت محدودة.
وتحدث أستاذ الإعلام المرئى عن ضرورة إعادة صياغة البرامج الدينية التربوية بما يتلاءم مع متطلبات المستهلك، وليس مع ما يحتاجه، علاوة على إعادة صياغة المحتوى بشكل يخدم المتلقى.

العلاج النفسى ليس وصما
ضعف ثقافة العلاج النفسى واللجوء إلى بدائل غير علمية، هذا هو ما حذر منه دكتور سامح حجاج، نائب مدير مستشفى العباسية للصحة النفسية، الذى تحدث لـ«روزاليوسف» عن خطورة غياب ثقافة المحاسبة والمساءلة، فضلا عن حالة الخلط واللغط، قائلا: «محدش عارف مين بيعمل إيه»، مضيفا أنه فى حالة رفع الوعى بضرورة اللجوء إلى العلاج النفسى وأنه ليس وصما، فالنفس تتعب مثل أى عضو آخر فى الجسم، سوف نتصادم مع أزمة هروب الكفاءات المصرية من الأطباء النفسيين لخارج البلاد هربا من سوء الأوضاع المادية للأطباء فضلا عن قلة عدد المستشفيات المعالجة للأمراض النفسية.
وأكد حجاج أهمية تغيير الفكر وهم ما يتطلب تعليم الأطفال المنهج العلمى فى التفكير، ما يترتب عليه حل المشاكل بشكل علمى لأن المشاكل النفسية ليس مكانها مشايخ الدين وهم ليسوا جهة اختصاص بها.
أضاف مساعد مدير مستشفى العباسية للصحة النفسية أن المريض النفسى عبء على أهله، لذلك فالعلاج هو الحل الوحيد أمامه، وهو ما يجب أن يعيه الأهل، مشددا على أن العلاج النفسى علاج، مزمن، يحتاج لوقت طويل فى العلاج كما أنه مكلف والمواطن عادة يبحث عما يحقق له نتيجة قريبة، وأوضح أن الوصم يدفع أسرًا لرفض استلام مرضاهم بعد علاجهم.

المطالبة ببرامج اجتماعية
«روزاليوسف» أجرت استبيان إلكترونى تم نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعى من أجل معرفة آراء المشاهدين والمستمعين فى مناقشة البرامج الدينية للمشاكل الاجتماعية شارك فيه 24 شخصًا، وأجاب 54% من العينة أنهم يتابعون البرامج الدينية، منهم 50% ذكروا أنهم يشاهدون البرامج الدينية أحيانا، وبنسبة 95% كان التليفزيون هو وسيلة مشاهدة البرامج الدينية والنسبة المتبقية اقتصرت على وسائل التواصل الاجتماعى.
أما عن أسباب متابعة البرامج الدينية جاء التثقيف من أهم الأسباب بنسبة 52%، ويليه التوعية لعدم تكرار أخطاء الآخرين، وبذلك بنسبة 30%، وبنسبة متساوية هى 8% تم اختيار الإجابات «معرفة مشاكل المجتمع» و«البحث عن إجابة أسئلة تخصنى»، وعن طبيعة المشكلات التى يتم متابعتها جاءت الإجابة بأنها تساؤلات دينية وذلك بنسبة 45% بينما أجاب 41% من العينة بأنها مشاكل اجتماعية.
وعن مساهمة البرامج الدينية فى حل المشاكل الاجتماعية والنفسية أجاب 70% من العينة بإجابة «إلى حد ما» بينما اعتبر 16% من العينة أنها لا تحل هذه المشكلات، واعتبر 12% من العينة أن البرامج الدينية تقدم حلاً للمشكلات الاجتماعية والنفسية.
أما المشايخ الأكثر متابعة جاء فى المقدمة دكتور مبروك عطية بنسبة 47%، ويليه الشيخ رمضان عبدالمعز بنسبة 17% ثم دكتورة نادية عمارة بنسبة 8%، وأجاب 95% من العينة بأن البرامج الدينية غير كافية لحل المشكلات الاجتماعية، وأجاب 100% من العينة بأننا فى حاجة إلى برامج متخصصة فى مجالات التنمية البشرية والعلاقات الاجتماعية والأسرية.

مشكلات نفسية واجتماعية لا تجد من يحلها
سمر جمال ربة منزل إحدى متابعات البرامج الدينية قالت: «أرغب دائما فى الاستفادة من المعلومات التى يقدمها كبار العلماء ومن المشكلات التى تتلاقها تلك البرامج حتى أزيد من خبراتى الحياتية، ولكن الاحظ استقبال تلك البرامج للكثير من المشاكل الأسرية والتربوية التى لا تتعلق بالجانب الدينى حتى إن بعض الشيوخ ينصحون المشاهدين باللجوء إلى المتخصصين فهناك عدد كبير من المشكلات الزوجية وحالات الزواج الثانى أو كيفية التعامل مع أحد الأبناء فى سن المراهقة وهى أمور لا تحتاج الرأى الدينى فقط».
وتتساءل سمر لماذا لا يستضيف هؤلاء العلماء أساتذة متخصصين فى برامجهم لتقديم النصائح النفسية والاجتماعية الى جانب الرأى الدينى ولتقديم استشارات مجانية للمشاهدين خاصة مع عدم وجود برامج اجتماعية متخصصة باستثناء الحلقات القليلة التى تقدمها بعض البرامج مثل «الدين والحياة» و«النهاردة احلى» وتتم استضافة استشاريين فى العلاقات الاجتماعية وأطباء نفسيين ولكنها لا تناسب حجم المشكلات التى يعانى منها المجتمع.
وترى أن المشاكل النفسية والاجتماعية قد يكون الحديث الشرعى غير كافٍ لحلها، فالبرامج الدينية لم تعد كافية لتصحيح ما أفسده الزمن من أخلاقيات وأزمات نفسية ويعتقد البعض أنها تحتاج إلى فتوى دينية أو لحلها.
أعانى من مشكلة نفسية وكنت فى حاجة إلى رأى متخصص ولكن لما أجد فرصة سوى الاتصال بأحد البرامج الدينية تجربة مرت بها أمينة «لم تحب ذكر اسمها كاملا» فهى شخصية ذو مزاج متقلب وعصبية حتى يصل بها الأمر إلى عدم القدرة على التحكم فى أعصابها أحياناً مما يسبب لها الكثير من المشاكل وأدى إلى فسخ خطبتها، لذلك قررت اللجوء الى استشارة طبيب نفسى أو مستشار علاقات اجتماعية ولكنها لم تجد برامج يمكنها التواصل معهم.
وقالت «فكرت فى طرح مشكلتى فى أحد البرامج الدينية رغم أننى غير متابعة لهم، ولكن لم أجد غيرها وبالفعل توصلت على الهواء مع عالم كبير ووجه لى اللوم لعدم قدرتى على السيطرة على انفعالاتى دون تقديم إرشادات يمكننى اتباعها للتخلص من هذا السلوك».

برامج الطهو تسيطر على الفضائيات
المجتمع يفرغ مفاهيم خاطئة باستمرار تحتاج إلى من يصوبها، بينما البرامج الدينية تهتم بإبداء الآراء الشرعية والفتاوى فى القضايا التى يطرحها المشاهدون، كما أن الدعاة غير منوطين بتقديم الاستشارات الأسرية والتربوية هذا ما بدأت به هويدا الدمرداش مستشارة العلاقات الأسرية حديثها منتقدة عدم وجود برامج متخصصة فى التنمية البشرية رغم تزايد المشاكل الاجتماعية والأمراض النفسية إلى جانب ارتفاع معدلات الطلاق وجميعها قضايا تحتاج إلى متخصصين لمساعدة مختلف الفئات الاجتماعية على الوصول إلى حلول عملية وتحقيق علاقات ناجحة ومتزنة.
كما أبدت استياءها من اهتمام الإعلام بتقديم برامج الطهى والبرامج الترفيهية  فى مقابل تجاهل المشكلات الاجتماعية الحقيقية والابتعاد عن المساهمة فى حلها من خلال تقديم الاستشارات الزوجية والتربوية والنفسية، مؤكدة أن مستشارين العلاقات الأسرية والتربوية فى حاجة إلى مساعدة الإعلام للوصول إلى عدد أكبر من الافراد ومساعدة الاسر المصرية لبناء حياة سليمة والحد من أزمة الطلاق.

الإعلام وحده لا يكفى
بينما يجد الشيخ سالم عبدالجليل أن المشاكل الاجتماعية تحتوى فى داخلها جانب شرعى وتحتاج عادة إلى فتوى دينية فهناك ارتباط وثيق بين المشكلات الاجتماعية والدينية، أما المشكلات النفسية فهى بضرورة منوط بها متخصصين فى علم النفس، ولكنه يرى أن الإعلام وحده لا يكفى لحل المشكلات الاجتماعية التى لا تخلو اسرة منها الآن مُقترحاً ضرورة إنشاء لجان اصلاحية وتعليمية بالمساجد الكبرى للاستماع إلى الأطراف المتنازعة فى مختلف المشكلات للفصل فيها من قبل متخصصين من الأزهر الشريف وهو أمر تفتقده البرامج التليفزيونية التى تستمع إلى طرف دون الآخر.
وطالب عبد الجليل باشراك وزارة التعليم فى المواجهة المشكلات الاجتماعية التى تتضح من خلال الاتصالات التى تستقبلها البرامج الدينية ويكون ذلك عن طريق وضع مناهج دراسية خاصة بالقيم والأخلاق لتصحيح السلوكيات الخاطئة وإعادة القيم المفقودة فى المجتمع حالياً.