الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

صدر عن «روزاليوسف» ضمن «الكتاب الذهبى» «حواديت حنفى» فى بلاد الخواجات

صدر عن «روزاليوسف» ضمن «الكتاب الذهبى» «حواديت حنفى» فى بلاد الخواجات
صدر عن «روزاليوسف» ضمن «الكتاب الذهبى» «حواديت حنفى» فى بلاد الخواجات




كتبت - مروة مظلوم

 

حياة الإنسان على الأرض رحلة استكشاف سريعة أحيانا تغنيه النظرة عن التجربة وأحيانا تغريه النظر على التجربة فتظل مشاهد الرحلة وآثارها عالقة بخياله تربط بين البيت وسكانه هيبة المكان وتاريخه.. ويتوقف الرحالة يلتقط أنفاسه ويدون أحداث رحلته بين الفينة والأخرى دون أن يدرى بأنه يخط لهذه الأماكن تاريخاً جديداً موثقاً بالتجربة.. لكن «حواديت السفر» فى جعبة الكاتب الساخر عاصم حنفى حملت مذاقًا مصريًا خالصًا.. دعابة  كقرص الدواء مغلف بطبقة رقيقة من السكَّر ليسهل تناوله، تغلف حدة ومرارة التعبيرعن الواقع بمسحة فكاهية..
التقطت دار الأخبار الطبعة الأولى «لحواديت سفر» للكاتب عاصم حنفى ونشرتها فى وقت توقف الكتاب الذهبى فى روزاليوسف فصدرت لأول مرة فى كتاب اليوم تبعه الكتاب الثانى  وعلى حد قول الكاتب فى مقدمته تحققت أمنيته بإعادة نشرها مرة أخرى فى سلسلة الكتاب الذهبى لروزاليوسف وبمقدمة الكاتب الساخر محمود السعدنى «والتى اهتم فيها السعدنى بتقديم الكاتب عن الكتاب، فتناول نشأته وأثرها على تكوينه والظروف التى دفعت به إلى طريق الكتابة الساخرة عمداً من نفسه ومن الناس ومن الزمان وأرجع الفضل إلى حى المواردى وموقعه الاستراتيجى وأهله ودراسته لمجال لم يعمل فيه أحد منهم ولا حتى هو.. من دراسة الزراعة مروراً بالوظيفة الميرى بأحد المصانع ووصولاً إلى الصحافة والكتابة الساخرة التى حتى لمحت عين السعدنى المدققة عيناً ناقدة ساخرة فى عاصم حنفى وروحاً قلقة لايعجبها العجب ولا الصيام فى رجب.. وقد اتبع عاصم نصيحته ونزل من على منبر النقد الخطابى واتجه إلى النقد الساخر وعثر على نفسه مرة بعد مرة فى أسلوب كتابة لم يتخيله من قبل.
و21 فصلاً وموقفاً على اختلاف أماكنها وأحداثها وأسلوب راويها الساخر الراقى لاتمل منها وبنظرة أخرى فهى مرجع جغرافى وتاريخى إذ أن كاتبها أمعن فى وصف وبشكل دقيق جداً أماكنها وربطها بتاريخها فضلاً عن التفاصيل التى عاشها وعاصرها عاصم حنفى  خلال سفره عدا عن الناحية الاجتماعية.. ولهذا الوصف لذة ومتعة كبيرة لقارئ أدب الرحلات فالكاتب نجح بأسلوبه الشيق فى نقله إلى حيث وقف بقدميه ودارت أحداث قصته مع المكان وأهله  وكأنه عاش فى تلك المدينة وفى تلك الفترة، فهى بمثابة فيلم سينمائى مصور تصف بشكل دقيق كافة التفاصيل.
أدب الرحلات واحد من أجمل أنواع الآداب التى أصاب حنفى باختيار الكتبة فيها فهى تلائم أسلوبه الصحفى «السهل الممتنع» عباراته ومصطلحاته هى الأقرب إلى رجل الشارع سواء كان أستاذًا جامعيًا أو بائع فول ، فقد وثق  كل ما صادف عبر رحلاته إسبانيا فينسيا سويسرا اصطحب القارئ معه فى رحلة لتسلق جبال الإلب ليكون ثالث مصرى يقوم بهذه المغامرة بعد الملك فاروق والصحفى محمد أبوالفتوح  وكيف تتعامل مع شعب يعتز بلغته ولايتحدث غيرها بينما لايحوى قاموسك الخاص فى التواصل معه سوى كلمة واحدة «جراتسيا»  كشعب غرناطة، أو أن يكشف لك عن وجه آخر لدولة المال والأعمال «سويسرا»  والتى يصل  تعداد العاطلين بها إلى 100 ألف عاطل وكيف تتعامل الحكومة الرأسمالية مع هؤلاء  بأسلوب أكثر اشتراكية من بعض المجتمعات  التى ترفع شعارها ولاتعمل به، حيث تتكفل باعانتهم حتى يحصلوا على عمل والإعانة تقارب 75% من قيمة الراتب أى مايكفى لسد احتياجات العاطل  وتأمن له حياة ميسورة.. كذلك فهى تؤمن للمواطنين وغيرهم حق العلاج دون إجراءات روتينية بغيضة وإن مثلت التكاليف فى النهاية عبئاً على كاهل أبوحنفى.
ومن سويسرا ينتقل حنفى إلى لندن ليروى قصة جارته الحسناء التى لم يكتشف وجودها فى الشارع الذى يسكنه إلا بعد أن طوق منزلها الحرس الملكى ليعلن أن اليمامة «ديانا» ستتزوج الغراب الملكى تشارلز.. وهو ماحطم قلبه ، ثم ينتقل إلى موطن الرومانسية «فينسيا» مدينة دخلها القومى من السياحة ويربط بين شوارعها شبكة مواصلات مائية رفيعة المستوى تجعل من التجول بين شوارعها العتيقة متعة لايضاهيها شىء، لايفسدها شىء إلا إرتفاع أسعار الجندول فعلى حد وصف حنفى «أن نفقات تعليمه من الابتدائى للجامعة لم تتكلف نصف المبلغ المطلوب لجولة مدتها نصف ساعة». ربط حنفى بين خيوط العالم الثالث والعالم الأول من حيث الحضارة والثقافة والتعليم والبطالة حقوق الإنسان وآدميته كلها أشياء تلمسها فى مقارنات هزلية غير مباشرة لكنها توحى للقارئ بالفجوة بين العالمين وعدد السنوات الضوئية الفارقة بينهما لا من قلة الموارد ولكن من غباء العاملين عليها وتنحية الجانب الإنسانى من المشهد العربى.. ليستحق عن جدارة لقب العالم الساذج أو«الثالث» سابقاً.