الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

شيخ الأزهر : الاجتهاد لا يكون إلا فى المشكلات المتغيرة لحل مشاكل الناس

شيخ  الأزهر : الاجتهاد لا يكون إلا فى المشكلات المتغيرة لحل مشاكل الناس
شيخ الأزهر : الاجتهاد لا يكون إلا فى المشكلات المتغيرة لحل مشاكل الناس




قال د. احمد الطيب شيخ الازهر إن  الشريعة غنية وثرية وخصبة وفى مخزونها ما لا ينفد من الأحكام الميسرة لحياة الناس، وعلى الأمناء على هذه الشريعة أن يبحثوا عن حلول لمشاكل الناس، وهذا هو معنى الاجتهاد الذى لا يقتحمه أى شخص؛ لأن هناك علوما وأدوات تشترط فى الذى ينظر فى هذه الأحكام، والمسألة هذه لها أصل عقدى وهو أن رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- تختلف عن رسالات الأنبياء السابقين بأنها رسالة مستمرة ورسالة عامة، ومعنى العموم: أنها للناس جميعًا وصالحة لكل زمان ومكان، فهى لا تنتهى إلى أن تقوم الساعة.

أضاف: إن النبى - صلى الله عليه وسلم - هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وهو رحمة الله للعالمين، وأن الأنبياء السابقين -صلى الله عليهم جميعاً وسلم - كانوا يُرسلون برسالات خاصة فى إقليم معين بحيث إن الأقاليم الأخرى غير ملزمة بهذه الرسالة أو هذه الشريعة، وأيضًا  يبعثون لجيل معين بحيث إن الأجيال التى تأتى بعد ذلك غير ملزمة بها، فهى لا تلزم إلا من يراها، ومن لم يراها فهو غير ملزم بها، وذلك لأنها منحصرة بين الإطار الزمانى والإطار المكانى، وفترة كل ما بين رسول ورسول تسمى «أهل فترة» وهم ناجون؛ لأن الله تعالى قال: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا).
وتابع الإمام الأكبر: رسالة الإسلام هى الرسالة الأخيرة التى ختم الله بها جميع الرسالات، وهذه الرسالة ليس مقتصرة على العبادات بل جاءت بالمعاملات الدنيوية والتى هى مجال واسع  للاجتهاد، مضيفًا إن الإسلام بما أنه الهداية الأخيرة للإنسانية فى هذا الكون فهو دين يتعلق بإرشاد الناس فى عقائدهم وعباداتهم ومعاملاتهم وسلوكياتهم اليومية، ولا بد أن تكون له شريعة وأحكام تلاحق مصالح وحاجات الناس المتبدلة والمتغيرة، وهناك نصوص فى كل المسائل، لكنها نصوص محدودة، وبالتالى يجب على العلماء المتمكنين من أدوات الاجتهاد أن يستنبطوا لنا الأحكام المتجددة فى واقعنا المعاصر.
وأردف قائلا: إن هناك نوعًا من التهيب أو الاحتياط فى الاجتهاد أو الفتوى فى المستجدات الحديثة، مع أن الإسلام لم يعطِ أحكاما محددة فى الأمور المتغيرة حتى لا يتوقف الزمن عندها، وحتى لا نُضطر إلى الالتزام بهذه الأحكام التى تتغير فيها حاجات الناس كما وردت فى القرون الأولى والثانية والثالثة، أما الأحكام التى لا تتغير فيها  حاجات وأحوال الناس كالعبادات فالشريعة تعطى فيها أحكاما محددة ومنحصرة وغير قابلة للتجديد، فالصلاة مثلا غير قابلة للتجديد ولذلك لا يمكن أن أقول أجدد الخطاب الدينى فى الصلاة، وكذا الصيام والحج والزكاة، والمساس بهذه المحددات لهدم الشريعة مرفوض، فلا نستطيع القول بأنه يتم توزيع الحج على 12 شهرا حتى نتفادى الزحام، هذا كلام غير منطقى فهناك أحكام محددة ومقيدة سواء بزمان أو مكان.
وأوضح أن التجديد لا يكون إلا فى المشكلات التى تتغير، وأن الفقيه المجتهد له شروط محددة، فلا يتأتى لمن لا يفقه الشريعة ولم يتمكن من علوم اللغة، ثم يأتى ويزعم أنه سوف يجدد، هذا عبث صبياني، والشريعة يجب أن تنزه عن هذا العبث، لافتًا إلى أن الفتوى جمدت فى القرون الأخيرة بسبب أن كثيرا من السادة العلماء المجتهدين أو القادرين على الاجتهاد يتهيبون خوفا من الله أو خوفا من أن يبدل أو يغير فى شيء من هذه الشريعة، وهذا أحدث نوعا من ركود الفتوى وجمودها بحيث أصبحت النصوص الأخيرة الموجودة فى الفقه الإسلامى فى القرون الأربعة أو الخمسة الأخيرة أو أكثر من ذلك، هى التى تحكم حركة المجتمع أو معظمها، مع أن حركة المجتمع تغيرت وتبدلت، ومشاكل الناس تغيرت وتبدلت، فلو لم نعمل العقل والنظر ونجتهد ونلاحق الناس بأحكام تيسر لهم حياتهم، فنحن أمام أمرين: إما أن الناس سيغتربون عن مجتمعهم وإما سينفصلون عن الشريعة فى هذه الأمور المتجددة، وكلا الأمرين تعسير وغير مقبول شرعا، وبالعكس فالنبى -صلى الله عليه وسلم- دعا إلى التجديد كما فى الحديث الشريف: «إن الله يبعث  على رأس كل مائة عام لهذه الأمة من يجدد لها دينها أمر دينها».
وأشار إلى  أن الشريعة يسر كلها، ورحمة كلها، وعدل كلها، قال تعالى: (ما جعل عليكم من حرج)» وقال النبى - صلى الله عليه وسلم: «ولن يشاد الدين  أحد إلا غلبه» فنحن مأمورون بالتيسير، والعلماء المتبحرون فى الشريعة مأمورون بالتيسير وأن يستخرجوا أيسر الأحكام بالنسبة للناس، لكن هذا لا يحدث فى الواقع الآن، إنما كان فيما قبل ذلك مطبقا، فمثلا الفتوحات التى حدثت فى القرن الثانى والقرن الثالث لم تحدث بنفس الأحكام التى كانت فى القرن الأول، وإلا كان وجدوا بعض العقبات، ولذلك فإن الإسلام بأحكامه وصل من الأندلس إلى الصين؛ لأنه تفاعل مع هذه البيئات ولم يقصرها على ما صدر من أحكام فى القرن الأول، وإلا لما تجاوبت هذه الثقافات المختلفة والحضارات المختلفة مع الشريعة الإسلامية
وقال الإمام الأكبر: حقيقة هناك بعض المشكلات جعلت الجميع يتهيب فى مسألة الفتوى ويستسهل فيحتمى برأى فقيه فى القرن الرابع أو الخامس وينزل حكما كان متجددًا فى زمانه على مسألة نعيشها الآن وإن اقتربت من حيث  العنوان، أو من حيث الاسم إلا أنها مغتربة تماما على الحكم، موضحًا أن الأئمة الكبار عندما تغير مكانهم غيروا فتواهم؛ كالإمام الشافعى  -رحمه الله- غير فى بعض المسائل؛ لأنه وجد مجتمع مصر غير مجتمع العراق، والإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله- وهو الذى يعتبر أنموذجًا فى التمسك بالسنة كان يقول بصريح العبارة: «لا تقلدنى ولا تقلد مالكًا ولا الشافعى وخذ من حيث أخذوا» وهذا يعد ضوءًا أخضر لتشجيع العلماء على الاجتهاد بشروطه، والرجوع إلى نصوص القرآن الكريم ففيها سعة والرجوع أيضًا إلى الحديث الشريف، وما تركه الصحابة ففيه لكثير من الأمور أكثر بكثير مما نجده فى متون الفقهاء المتأخرين.