الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

السعادة المستدامة للمصريين «1»

السعادة المستدامة للمصريين «1»
السعادة المستدامة للمصريين «1»




صبحى مقار يكتب:

السعادة عبارة عن حالة، تجعل الشخص يحكم على حياته، بأنها حياة جميلة ومستقرة وخالية من المشاكل والضغوط والمتاعب، وتشعره بالرضا من الناحية المادية والروحية، بمعنى «الرضا بالحياة».
فأغلب الأشخاص يريدون أن يكونوا سعداء، حيث يتم تقييم السعادة بأنها أكثر الأشياء أهمية فى الحياة. كما أنها شيء مرغوب فيه لأنها تعزز من السلوك الاجتماعي، وتعتبر مؤشراً على تحقيق جميع الاحتياجات البشرية. ومن المعروف أنه بعد تحقيق طلبات الطبقات البسيطة اللازمة لتحقيق سعادتها، تبدأ تلقائياً فى البحث عن مستويات أعلى من السعادة.
وفى حالة عدم قيام الحكومة بتحقيق المصالح الحيوية للمجتمع ورفع مستوى المعيشة، يشعر المواطن بأنه لا توجد علاقة بينه وبين الناتج المحلى الإجمالى مما يؤدى إلى حدوث نفور بينه وبين الدولة.. كما أن إصرار الناس على السعادة، قد يزيد من الشروط المطلوبة تجاه الدولة فى أى مجتمع مما يسبب ضغوطاً فعلية على الدولة لتحقيق انجازات حقيقية وزيادة الاهتمام بالفئات الضعيفة والمناطق الأقل نمواً.
وقد اهتمت الحكومات والمؤسسات الدولية اهتماماً كبيراً بقضايا السعادة الإنسانية خلال العقد الأول من القرن الحالي، مما أدى إلى اعتماد الأمم المتحدة فى دورتها السادسة والستين عام 2012 يوم 20 مارس من كل عام يوماً دولياً للسعادة اعترافاً بأهمية السعى لتحقيق السعادة أثناء تحديد أطر السياسة العامة لتحقيق التنمية المستدامة، القضاء على الفقر، توفير الرفاهية لجميع الشعوب حيث يحتاج العالم نموذجاً اقتصادياً جديداً يحقق التكافؤ بين دعائم الاقتصاد الثلاث: التنمية المستدامة، الرفاهية المادية والاجتماعية، سلامة الفرد والبيئة مما يؤدى فى النهاية إلى تحقيق السعادة العالمية. وذلك لأن السعادة مهمة جداً على المستوى الشخصى والمجتمع والدولة، فالشخص السعيد يكون متفائلاً، منتجاً، متعاوناً مع الآخرين، صحيح البدن والفكر. وبالتالي، بناء مجتمع سعيد مما يعنى مزيداً من التطور والنجاح على المستوى الشخصى والعام فى كل دولة.
ويقيس مؤشر السعادة العالمى السعادة بمدى شعور الأفراد بالسعادة والرضا فى حياتهم، وهو متوسط لستة مؤشرات فرعية يوضح كل منها النسبة التى يفسرها فى النتيجة الإجمالية للدولة. وتتمثل فى كل من نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالي، العمر الصحى المتوقع عند الميلاد، الكرم، الدعم الاجتماعي، الحرية، الفساد، والتى تساهم فى رفع تقييمات الحياة فى كل دولة.
ويصدر هذا المؤشر فى تقرير السعادة العالمى لشبكة حلول التنمية المستدامة (SDSN) التابعة للأمم المتحدة وقد تم نشر أول تقرير فى أبريل 2012، وذلك دعماً للاجتماع رفيع المستوى فى الأمم المتحدة بخصوص السعادة والرفاهية برئاسة رئيس وزراء بوتان، لأن السعادة تعتبر الإجراء المناسب للتقدم الاجتماعى والهدف من السياسة العامة وقد قامت بعض الدول بتعيين وزيراً للسعادة مثل بوتان، إكوادور، الإمارات، فنزويلا ليتولى مسئولية تنسيق الجهود الوطنية الهادفة لتحقيق سعادة المواطنين.
ويشمل تقرير عام 2017 تصنيفاً لـ155 دولة حسب مستويات سعادتهم من الأعلى للأسفل ويستند الترتيب العالمى للدول وفقاً لدرجة السعادة بصفة أساسية على متوسط إجابات السؤال المطروح فى الاستطلاع العالمى لمؤسسة جالوب الخاص بتقييم الحياة، «من فضلك تخيل سلم بداية من صفر فى الأسفل إلى 10 فى الأعلى، ويمثل أعلى السلم أفضل حياة ممكنة لك، كما يمثل أسفل السلم أسوأ حياة ممكنة بالنسبة لك» ويطلق على هذا السلم «سلم كانتريل للحياة» وتساهم المشاعر الإيجابية فى دعم تقييمات الحياة لأعلى، وتعرف بأنها متوسط ثلاثة مقاييس تؤثر إيجابياً هى «السعادة، الضحك، المتعة». كما تساهم المشاعر السلبية فى دعم تقييمات الحياة لأسفل، وتعرف بأنها متوسط ثلاثة مقاييس تؤثر بالسلب هى «القلق، الحزن، الغضب». ويظهر التقرير وجود فجوة تقدر بـ 4.05 نقطة بين متوسط تقييم أعلى عشر دول سعادة وأقل عشر دول سعادة، والتى تأخذ قيماً منخفضة للمؤشرات الفرعية الستة المستخدمة لشرح الاختلافات الدولية بالإضافة إلى خضوعها غالباً إلى العنف والمرض.
ويلاحظ أن الدول العشر الأعلى سعادة فى تقرير عام 2017 هى نفسها الأعلى سعادة فى تقريرى عامى 2015، 2016، وإن كان هناك تبادلاً فى الأماكن وهذا متوقع بين الدول المتقاربة فى متوسط الدرجات، حيث تبلغ قيمة الفرق بين مؤشر السعادة للدولة الأولى والدولة العاشرة نحو 0.25 نقطة فقط بعكس الدول العشر الأقل سعادة، حيث تبلغ قيمة هذا الفرق 0.9 نقطة.
ويلاحظ تحسن قيمة مؤشر السعادة لمصر عام 2017 لتصل إلى 4.735 والمركز 104 (من 155 دولة) مقارنة بـ 4.194 والمركز 135 (من 158 دولة) عام 2015، 4.362 والمركز 120 (من 157 دولة) عام 2016 وذلك نتيجة لتحسن جميع قيم المؤشرات الفرعية الستة المكونة لمؤشر السعادة باستثناء العمر الصحى المتوقع عند الميلاد مما أدى إلى تقليل قيمة الفارق فيما بينها وبين متوسط أفضل 10 دول سعادة إلى 2.675 نقطة مقارنة بـ 3.051 نقطة عام 2016 ولذلك يبرز تقرير السعادة أهمية دراسة الاختلافات الفردية والدولية فى السعادة كمعيار لتمكين الحكومات من وضع السياسات الداعمة لحياة أفضل دون الضغط على الموارد المادية النادرة مما يحسن من رفاهية الأجيال الحالية والمستقبلية. (وهذا ما سنناقشه فى المقال المقبل).