الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

لحن خالد وذكريات لا تموت!

لحن خالد وذكريات لا تموت!
لحن خالد وذكريات لا تموت!




كمال عبدالنبى يكتب:

لو تحدثنا عن الربيع وشم النسيم وحفلاته دائما سيتبادر إلى الأذهان وتلتقط الأسماع الأغنية الأشهر على مر ذكرياتنا الخماسينية الفائتة تلك الأغنية التى صنعها الموسيقار فريد الأطرش خصيصًا لتلك الحفلات وهى أغنية «الربيع» التى ارتبطت به لأنها من أكثر الأغنيات شهرة فى تاريخ الغناء العربى الحديث.
 فأغنية الربيع وهى من أجمل ما غنى فريد الأطرش من ألحانه وكلمات العبقرى مأمون الشناوى، وبالمناسبة قبل أن نخوض فى موضوع مقالنا نقول إنه كان من المفروض أن تغنى هذه الأغنية الخالدة أم كلثوم ولكنها اعتذرت لتذهب الأغنية لفريد الأطرش وتصبح واحدة من الأغنيات التى يتغنى بها الناس كلما جاء عيد الربيع وشهدت بعدها صراعًا بينه وبين عبد الحليم حافظ وعدد آخر من المطربين على المشاركة فيها.
وتعود بداية حفلات الربيع حينما قرر الإذاعى الكبير جلال معوض أن يجمع كبار المطربين مع الأصوات الشابة مع نجوم فن المنولوج والنكتة مع كبار نجوم السينما وكانت البداية مع أغنية الربيع للفنان الراحل فريد الأطرش التى كانت فى الأساس قد كتبت لكوكب الشرق أم كلثوم، فقد كان الموسيقار فريد الأطرش من أمنية حياته أن تغنى أم كلثوم من ألحانه، إلا أن أم كلثوم كان لها رأى آخر، وهو أن ألحان فريد الأطرش لا تناسب أحداً غيره، وبعدها قرر فريد أن يغنى الأغنية بنفسه، فحققت نجاحًا كبيرًا وأصبحت أيقونة حفلات عيد الربيع فيما بعد وحتى الآن.
أصبح لفريد الأطرش حفلة كل شم نسيم على مسرح ديانا، وأصبحت أغنية الربيع الأيقونة للحفلات حتى قرر الرجوع لبيروت فى منتصف الستينيات ووقتها أصبح الفنان عبد الحليم حافظ هو نجم تلك الحفلات وعندما عاد فريد من بيروت، وكلف بعمل حفلة من قبل أحد المسئولين حدثت الخناقة والمشكلة الشهيرة ما بين عبدالحليم وفريد فقد أصبحت الإذاعة فى حيرة حول كيفية نقل الحفلتين، ومن سيذاع حفله أولًا، ولكن الإذاعة تداركت الأمر، وحددت تفاصيل كل حفل وتمت إذاعة الحفلين.
شهدت حفلات «عيد الربيع» بين فريد الأطرش وعبدالحليم حافظ منافسة ساخنة ودارت حروب فى كواليسها وفوق مسارحها لدرجة وصلت لحد الرشوة فقد ذهب الموسيقار بليغ حمدى وطلب من المطرب محمد رشدى ألا يشارك فى حفل شم النسيم مع فريد الأطرش عارضًا عليه لحن أغنية «ردوا السلام» كرشوة، ولم يكن رشدى يعرف خلفية الصراع ما بين فريد وحليم وبليغ فغنى فى الحفل أغنيتين ذات علامة من ألحان بليغ حمدى وهما «مغرم صبابة» و«عرباوى» دون أن يتدخل فريد فى تحديد فقرة رشدى الغنائية.
برغم حالة التنافس الشديدة بين فريد وحليم إلا أن العندليب لم يستطع أن ينكر إعجابه الشديد بأغنية فريد الأطرش «الربيع» والتى كانت رمزاً للربيع وكان يؤكد أنها من أفضل الأغانى لتلك المناسبة بل عندما سأله المذيع الراحل الباقى بتميزه طارق حبيب فى برنامج «أوتوجراف» تحب تغنى إيه؟ قال حليم: «أحب أغنى الربيع لفريد الأطرش».
ومن طرائف حفلات عيد الربيع أن الفنانة نادية لطفى كانت مشاركة فى تقديم إحدى فقرات حفلات عيد الربيع فى نادى الزمالك ولكنها صدمت جمهور النادى عندما ظهرت بفستان لونه أحمر وأمسكت منديلًا لونه أحمر وقالت للجماهير أنا أهلاوية ومقدرش أخبى عليكم انتمائى.
غنى حليم أغنيات لشم النسيم والربيع مثل (جمال الورد) و(نسيم الفجرية) وكان يغنى هذه الأغانى فى حفلات الربيع فيما بعد إلا أن أغنية «أدى الربيع عاد من تانى والبدر هلت أنواره» كلمات مأمون الشناوى هى الخالدة التى لحنها وغناها الموسيقار فريد الأطرش فى ربيع 1970 ومنذ ذلك اليوم والمصريون يعتبرونها أحد ملامح احتفالهم بأعياد الربيع التى تختلط فيها الكلمات بالألحان لتعطى الإحساس بالربيع ذلك الشهر البديع.
والواقع أن الزمن تغير وتداخلت الفصول ولم يعد لدينا موسماً يسمى الربيع فقد انقسم الزمن إلى شتاء وصيف وسقط من رحلة الأيام فصل رائع رقيق هو الخريف ثم انزوى الربيع وهو يودع آخر أيام الشتاء ويستقبل فصل الصيف المزعج، كان الربيع فى زمان مضى فصلًا جميلًا ممتعًا حين كانت المساحات الخضراء تنتشر فى كل مكان قبل أن تعصف بها كتل الاسمنت والعدوان الصارخ على مساحات رهيبة من الأراضى الزراعية التى أكلتها العشوائيات.
لم يكن فريد الأطرش يتصور أن تكون أغنية الربيع واحدة من أشهر أغنياته بل إنها تحولت إلى حفل سنوى ارتبط فى حياة المصريين والعرب بليلة شم النسيم وحفل فريد وأغنيته الربيع ومازالت هذه الأغنية متربعة على قلوب الناس، هناك أغنيات ارتبطت بالأحداث منها أغنية أم كلثوم التى نغنيها فى كل الأعياد وهى يا ليلة العيد، وأغنية محمد عبد المطلب رمضان جانا وللأسف الشديد لم تعد هناك أغنيات تواكب الزمن والأيام فى أغنياتنا الحديثة.
كانت حفلة الربيع التى تفرد بها فريد الأطرش بسبب أغنيته الأشهر ميعادًا سنويًا لحفله الأسطورى الذى كان يجمع الآلاف من مصر والدول العربية، وفى أيامه الأخيرة مع الربيع حاول عبد الحليم حافظ أن يحيى ليالى الربيع ولكن حفل فريد الأطرش وأغنيته الشهيرة بقيت الحدث الأهم، ما أحوجنا إلى مثل هذه الأغانى التى عاشت فى ضمير الناس وسكنت قلوبهم بالإحساس الصادق والأداء الممتع والكلمات الجميلة، وفى كل عام تنطلق أغنية الربيع عبر الشاشات والإذاعات تحيى ليلة من ليالى العمر الجميل والفن الرائع والذكريات التى لا تغيب.