الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الطلاق فى العصر الأمريكى

الطلاق فى العصر الأمريكى
الطلاق فى العصر الأمريكى




د. محمد محيى الدين يكتب:

منذ حوالى ثلاثة عقود أو أكثر ونحن نعيش فى عصر ما سمى بالعولمة، حيث طغت وسائل الاتصال الحديثة على مناحى الحياة المختلفة ألغت إلى حد كبير الحدود المتعارف عليها وأصبح العالم كقرية صغيرة، لا يحتاج الإنسان إلا إلى كمبيوتر أو موبايل صغير الحجم، حتى يستطيع أن يتصل وأن يتحاور وأن يطلع على ما يحدث فى أركان العالم الأربعة، وأن يعقد الصفقات بل ويثرثر مع أصدقاء من مختلف الجنسيات مهما كانت المسافات التى تفصله عنهم، ونتيجة لذلك تغير العالم وفقدت الدول والمجتمعات خصوصيتها، وضعفت قبضة الحكومات على ما يرد إلى مواطنيها من أنباء أو أفكار أو ثقافات.
وتزامن مع نظام العولمة نظام عالمى جديد يقوم على سيطرة ثقافة أمريكية دخلت بقضها وقضيضها شرقا وغربا، ومعلنة بداية عصر أمريكى ما زلنا نعيش فيه، نتمتع بمميزاته وانجازاته التقنية، ونعانى أيضا من عيوبه، وحدث ذلك فى وقت لم نكن مستعدين له ولا أعتقد أننا ككيانات صغيرة نستطيع التنافس معه على مستويات عديدة، ومن ثم فقد اكتفينا بدور المتلقى نقلد ونستهلك منتجاته الحضارة المادية وثقافته على حساب قيمنا المجتمعية واصيبت الثقافة المصرية فى مقتل، وتغير شكل الحياة كما تغيرت عادات وتقاليد المجتمع المصرى، وأصبحت مصبوغة بالطابع الأمريكى، ومن يتجول فى الشارع المصرى يتعجب من سرعة التغير الذى طرأ عليه، فمحلات الوجبات السريعة وسلاسل المطاعم منتشرة وبنفس الديكور وبنفس الأسماء الأمريكية وبشكل أقل الأوروبية!
وتغيرت لغتنا لتصبح مزيجا غير مفهوم من اللغة العربية والانجليزية وطغى التعليم الاجنبى على التعليم الوطنى ومن الغريب أننا حين نشاهد أحد الافلام المصرية يخالجنا الشك فى أنها تعبر عن واقعنا وتكاد ان تكون افلاما امريكية مدبلجة باللغة العربية واصبحنا نعيش فى ظل ثقافة ممسوخة، فلا هى حافظت على طابعها المحلى ولا هى أخذت إيجابيات الثقافة الأمريكية وكل ما حدث هو واقع نعيشه ولا ننتمى إليه، والذى طال الانتماء للوطن، فلم يعد له معنى وانحصر أمل الشباب فى الهجرة خارج الوطن، فان لم يستطيعوا، عاشوا الوهم فى الكافيهات وفى فصول الدراسة المتشابهة ذات الطابع الأمريكى.
يحدث ذلك أمام الجميع، حكومة وشعبا، دون أن يتحرك ساكنا، وكأننا مغيبون ننقاد إلى مجهول ودخلت علينا مفاهيم وقضايا اخلاقية لم نكن نعانى منها قبل دخولنا لهذا العصر والغريب أنه حتى سلبيات المجتمع الأمريكى وأمراضه انتقلت إلينا ولعل ظاهرة تزايد نسبة الطلاق التى وصلت إلى 40% (وفق بعض المصادر) والتى آمل ألا تكون تلك النسبة المفزعة دقيقة، هى كغيرها من الظواهر السلبية قد وفدت إلينا مع دخولنا هذا العصر.
وربما كانت قضية الطلاق الشفهى وما دار حوله من نقاشات والتى وصلت إلى أن رئيس الدولة يتحدث عنها فى احد خطاباته مؤخرا هى قمة جبل الثلج، التى تظهر فوق السطح ويختفى معظمه تحت الماء يهدد السفينة المصرية بالغرق ان اصطدمت به، وكعادتنا فى معالجة مشاكلنا هى اللجوء إلى الحلول السهلة، وهى إما تشريع قانون جديد يضاف إلى آلاف القوانين الموجودة أو تغليظ العقوبة أو انشاء وزارة تتولى علاج المشكلة دون دراسة متأنية للأسباب الحقيقية للمشكلة، والتى هى مشكلة حضارية وثقافية فى المقام الأول تضرب قيم المجتمع وروابطه الأسرية وما يستتبعها من تداعيات خطيرة، ويخطئ من يظن أن توثيق الطلاق أو وضع شروط فى عقد الزواج سوف يحل المشكلة ومهما كانت النسبة لن يحلها قانون جديد أو اشتراط توثيق ولن يستفيد من ذلك سوى مجموعة جديدة من المحامين سوف يتفرغون لقضايا الطلاق.  
ان قضية الطلاق الشفهى أو الموثق ترتبط بمنظومة القيم والثقافة فى مصر، ويدخل فيها نظم التعليم وطغيان التفكير المادى وسيطرة الثقافة الوافدة، وهى أيضا مشكلة أعمق وأخطر من أن نتركها لخطباء الأوقاف أو الأزهر فالآراء الفقهية مستقرة فى هذا الموضوع منذ بداية الدعوة الإسلامية، ولا يصح ان نعالجها بقانون جديد نعلم جيدا أن اختراقه سوف يحدث كما تخترق معظم قوانيننا اذا لم تأت ممثلة لاقتناع داخلي لشعبنا بقيم مجتمعية تساعد على الحد من تفشى تلك الظاهرة وإلا فسوف نكون كمن يحرث فى البحر.
يجب ألا ينحصر بحثنا عن العلاج فى الاطار الفقهى أو التشريعى فقط وأن يتم بحث ظاهرة تفشى الطلاق فى مراكز البحوث الاجتماعية لتتعرف على أسبابها الحقيقية وتداعيادتها المستقبلية وتضع توصيات عملية لعلاجها فى اطار دراسة علمية شاملة للمنظومة الثقافية التى يعيش فيها المجتمع فى العصر الأمريكى.