الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

عبد الستار حتيتة: الإبداع ساعد فى الانفجار الشعبى الذى زلزل المنطقة العربية





 عبد الستار حتيتة روائى مصرى من مواليد مرسى مطروح، حصل على المركز الأول فى كتابة القصة القصيرة عن إقليم غرب الدلتا وعمره 16 عاما، عمل مراسل صحفى فى العديد من دول العالم منها فرنسا وإيران وعدد من الدول العربية، من أعماله الروائية “ليلة فى سجن المالكي” و”استراحة الشيخ نبيل” و”المشرحة”، ورغم وصف نفسه بأنه غير خبير بالألاعيب السياسية، يرى أن خطأ ثورة يناير كان عدم وجود مجلس مدنى للثورة، وتولى المجلس العسكرى السلطة ... فى هذا الحوار يتحدث لنا عن أدبه ومصر بعد الثورة.

■ كيف ترى بعين الأديب ما يحدث فى مصر الآن؟

- يمكن بكل سهولة أن نطلق على ما يجرى فى مصر فى الوقت الراهن تعبير “الصراع الدرامى المستمر والمشحون بالتقلبات المفاجئة”.. صراع متعدد المستويات ومتغير بشكل غير متوقع.. صراع بين قوى الخير وقوى الشر، وبين قوى الشر المختبئة فى ثياب الخير، وقوى الخير التى يصورها البعض على أنها شر. وما بين هذا وذاك تظهر وجوه رمادية تحاول أن تلعب دور الحد الفاصل.. الذى هو فى نفس الوقت جسر التواصل بين الطرفين المتضادين. الأهم من كل هذا أن الصراع الدرامى يحتاج إلى نهاية محددة.. وفى الصراع السياسى من الصعب أن تتوقع الوصول إلى ما يسمى فى الرواية بـ”النهاية المفتوحة”، أعتقد أن الأمر فى السياسة يختلف لأنه يحتاج إلى نهاية محددة تتوقعها وترجوها لكن، للأسف، لا يمكن بلوغها، لأن كل نهاية ما هى إلا بداية لموجة جديدة من الصراع. والمراقب لكل هذه الصور المتتابعة لا يمكنه أن يميز بسهولة أو يعرف ببساطة أين الصواب وأين الخطأ، لأن هذا يحتاج إلى وعي. يحتاج إلى قرار فردي. ولذلك ستجد الشعوب التى عاشت فترات طويلة تحت ظل الحكم الشمولى، ودخلت أخيرا إلى عالم الحرية فى ما يعرف بـ”الربيع العربي” تريد أن تعرف ماذا ينبغى عليها أن تفعل، وهذا ليس أمرا سهلا.

■ هل كانت روايتك (المشرحة) نبوءة لثورة 25 يناير؟

- أنا فوجئت بتفجر الأحداث بينما كانت نسخ الرواية قادمة من بيروت للعرض فى معرض القاهرة الدولى للكتاب فى يناير 2011. وألغى المعرض بسبب الثورة. عدد ممن قرأوا الرواية وتحدثوا عنها قالوا عن الرواية إنها تنبأت بما حدث فى 25 يناير. لكن أنا لى وجهة نظر أخرى تتعلق ببنية الرواية حيث تدور كما يقول الشاعر القصاص نفسه فى دوائر لا تنتهى من الصراع السياسى فى دول العالم الثالث من أجل الوصول إلى الديمقراطية والتخلص من الديكتاتورية، الرواية ببساطة تناولت طريقة تغيير النظم الشمولية لجلدها حين تتعرض لضغوط من الجماهير فى الداخل ومن المجتمع الدولى فى الخارج، لهذا حين أقرأ الرواية مجددا أرى أنها تدور حول ديمومة القمع والقتل والفقر والجهل فى دول مثل مصر بغض النظر عن تغير الحكام.   

■ الثورة تحتاج الى حراك وتفاعل.. كيف تعاملت مع سكون الزمن فى جو “المشرحة”؟

- سكون الزمن هنا يتعلق بثبات سياسات الحكم.. فرغم تبدل شخصية الحاكم إلا أنه فى كل مرة يحتاج إلى استخدام مبنى المشرحة لقمع معارضيه سواء باستخدامها كسجن لشركائه فى الثورة، أو باستخدامها لتزوير التقارير الطبية عن المعارضين الذين يقوم بقتلهم لإخلاء مسئوليته عنهم أمام أعين المجتمع الدولى. مبنى المشرحة يظل شامخا متحديا للجميع، وطالما أن الحال لم يتبدل إلى الأفضل فإن الزمن يظل ثابتا أو فى أحسن الأحوال يدور حول نفسه.

■ هل تعتقد أن رموز النظام السابق دخلوا مشرحة التاريخ؟

- فى الرواية يلجأ كل حاكم جديد، فى كل مرة، إلى قتل خصومه فى مبنى المشرحة أو اعتقالهم إلى حين. أما على أرض الواقع، وبعد ثورة 25 يناير، فلم يتضح بعد ماذا سيفعل النظام الجديد برموز النظام السابق. هل سيتخلص منهم بمحاكمات ثورية، أم سيتركهم فى ظلام المشرحة أم يتصالح معهم، لكن الحقيقة هى أن كل من أخطأ فى حق الشعب والوطن سيدخل مشرحة التاريخ فى نهاية المطاف.

■ فى وجهة نظرك كروائي، أين الخلل فى هذه الثورة؟

- أعتقد أن الخلل يكمن فى البدايات.. لم يكن هناك مجلس مدنى للثورة.. كان من الخطأ الكبير ترك الأمور لمجلس عسكرى لا يتقن ألاعيب السياسة والسياسيين. لم تكن المواقف حاسمة، انقسم الثوار إلى فرق.. كل فريق يريد أن يحقق الغلبة والانتصار لنفسه، لم يكن هناك عقد اجتماعى يتفق عليه الجميع قبل إدارة العجلة السياسية. الآن العجلة تدور دون وجود أى معايير، لا دستور ولا مجلس تشريعى والرؤية بشكل عام ضبابية.

■ برأيك.. هل ساهم الإبداع فى الثورات العربية أم أن ما حدث فوق طاقة الخيال؟

- للإبداع بكل أشكاله وقوالبه دور كبير فى تهيئة الظروف للانفجار الشعبى الذى هز المنطقة العربية، لكنه دور غير مباشر.. عندك الأدبيات والكتابات والأفلام وغيرها من الأعمال الإبداعية العربية والأجنبية التى عملت طيلة عقود على تعرية النظم الغاشمة وتشجيع الناس على مواجهتها، وأسهمت وسائل التواصل الحديثة فى نشر ثقافة التمرد على الواقع.
 لا يخفى عليك أن الشعوب العربية لا تقرأ الكتب إلا على نطاق ضيق، لكن انتشار القنوات التليفزيونية الفضائية فى العشرين سنة الأخيرة وكذا انتشار الإنترنت والهواتف المحمولة على نطاق واسع خاصة فى السنوات العشر الماضية، وانفتاح المجتمعات العربية على العالم.. كل هذا أعتقد أنه عوض الفارق المعرفى وعوض غياب عادة الاطلاع والمعرفة، لكنه فى نفس الوقت أنتج ثقافة سياسية هشة ربما كانت السبب فى العنف والعشوائية فى مرحلة بناء النظم الجديدة. أعنى أن تأثير الإبداع بمعناه الحرفى لم يكن كبيرا، لكنه كان حاضرا فى الخلفية بطريقة أو بأخرى.

■ تنقلت ما بين السودان والمغرب وإيران وليبيا وفرنسا.. هذا التنقل ماذا أفادك إبداعيا؟

- طبعا كما يقولون للسفر فوائد كثيرة، والثقافة العربية وغيرها فيها ما يشجع على كثرة الترحال، وأنا رجل بدوى بالأساس وحقيبتى على كتفي، فى كل مرة، وفى كل بلد، ترى آفاقا جديدة وسماوات ملونة وليال لها طعم مختلف، لم يكن السبب وراء كتابة رواية المشرحة يتعلق بالوضع المتردى فى مصر فقط، لكن الرواية تتحدث عن دول العالم الثالث، بناء على ما رأيته بالفعل فى بلدان أخرى مثل السودان واليمن والمغرب، هذا موجود أيضا فى بعض الكتابات التى أجزتها فى السنوات الأخيرة.. مثلا فى رواية “استراحة الشيخ نبيل” التى تدور أحداثها عبر عدة بلدان فى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، وموجود كذلك فى القصة القصيرة الطويلة “جبار القائد” التى تتناول جانبا من الأيام الأخيرة للحرب بين ليبيا وتشاد فى ثمانينيات القرن الماضي، السفر يجعلك أكثر إنسانية وأكثر تقبلا للآخرين المختلفين عنك

■ هل لك مرجعية فى الكتابة.. وما هى؟

- المرجعية الوحيدة والتى يمكن أن أطلق عليها هنا “النواة الداخلية الدافعة لفعل الكتابة”، هى أهازيج الرعاة فى البرارى، أنا كما قلت بدوى عشت أرعى غنم القبيلة لسنوات، ومهما قرأت ومهما تفاعلت مع كتابات لمبدعين مصريين وعرب وأجانب، ومهما دخلت وخرجت عبر مجتمعات وثقافات، إلا أن صوت غناء الرعاة فى الفلاة يتردد داخلى ويدفعنى دائما لكى أحاول إعادة خلق عوالم خاصة فى قصص وروايات.

■ لماذا طبعت “المشرحة” فى بيروت؟

- الأمر شخصى. حين تم طبع روايتى الأولى “ليلة فى سجن المالكي” عام 2000 عن طريق الهيئة العامة لقصور الثقافة شعرت بالإهانة بسبب طريقة تعامل موظفى النشر مع الكاتب سواء كنت أنا أو غيري، كانت المعاملة غير جيدة رغم أن الرواية كانت فائزة بالمركز الأول فى المسابقة المركزية للرواية فى ذلك الوقت، وحين تم طبع روايتى الثانية “استراحة الشيخ نبيل” عام 2008 عن طريق دار نشر خاصة بمصر، فوجئت باختفاء الرواية من السوق لأسباب غير مفهومة، ثم من الذى لا يحب التقدير والوضوح والصراحة والعائد المادى أيضا، هذه الصفات وجدتها فى دار النشر ببيروت.

■ فى رأيك ما المخرج لما نحن فيه من أزمة؟

- إذا كنا نريد الاستقرار لمصر، فإن كل الأطراف لا بد أن تجلس حول مائدة واحدة وتكون مشاركة فى الحكم وإدارة شئون الدولة بطريقة أو بأخرى.

ومن داخل كتالوج المعرض تعبر الفنانة مى النورى عن رؤيتها وقالت: كل العواصم والمدن تربطنى بها وشائج حب وود، لكنى حلمت بالقاهرة، وحلمت أن أرى أعمالى تحتضن جدرانها ومبانيها، تعلقت بشوارعها، وميادينها وحواريها، تأملت كثيرًا أناسها فى المقاهى والمحال  والطرقات، ورغم حبى لمعالم القاهرة التراثية، فرعونية وقبطية ورومانية وإسلامية، لم تكن مفاتيح القاهرة السياحية تستهويني، فقد أخذ الفن المصرى بشغاف قلوبنا، وبهرتنا الشاشة الساحرة للسينما، وكذلك الشاشة الفضية أيضا، لأن أهم ما فى مصر هم المصريون، فتأثر وجدانى بأدبائها، ورددت موسيقى شعرائها، وحلقت مع فنانيها فى سماء الإبداع.

وعن عشقها للقاهرة تقول الفنانة: تعلقت بفضاء الأوبرا وأبنائها، وأروقة المتاحف، وفرسان الفن الحديث والمعاصر، وطربت فى الأمسيات للغناء والحكايات، رأيت المثقفون فى تجمعاتهم بوسط المدينة الملهمة، اقتربت من مناجم الإلهام لدى المبدعين، فى دوائرهم عرفت مصر ميادين لعشق الأوطان، وجذبنى ميدان التحرير أيام ثورة يناير، لأستمد منه طاقة روحية هائلة، كانت كفيلة أن أعرف معنى التقدم خطوة للأمام، فتغير أسلوبى، إلى فضاء جديد أتمنى أن يحوز رضاكم.