السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

شركات النظافة الأجنبية «معضلة» الحكومة بعد الثورة





بلغت مكونات القمامة فى شوارع مصر بحسب دراسة علمية ما يتيح لإنتاج 336 ألف طن حديد خام و348 ألف طن زجاج بالإضافة لإنتاج سماد يكفى لزراعة 2.8مليون فدان من البرسيم بواقع 9 ملايين طن تكفى لتغذية 8 ملايين رأس ماشية، كما تنتج 3 ملايين طن ورق تكفى لتشغيل 3 مصانع، ومن المتوقع أن تبلغ كمية القمامة فى مصر بحلول عام 2016 إلى 30.2 مليون طن بزيادة قدرها 10 ملايين طن عن عام 2000، وكشفت الدراسة أن قمامة القاهرة من أغلى القمامة فى العالم حيث يصل طن القمامة فى القاهرة إلى 6 آلاف جنيه، كما توفر للعمل بكل طن قمامة 8 عمال.

وتصل كمية القمامة اليومية بالقاهرة 20 ألف طن من القمامة وحدها، فى الوقت الذى يسجل فىه حى البساتين وحده 5 آلاف طن و250 طنًا يوميًا من حى دار السلام، وتنعدم فى أحياء المنطقة الغربية المتمثلة فى الزمالك وجاردن سيتى ووسط العاصمة باستثناء حى منشأة ناصر الذى انضم للمنطقة مؤخرًا، أما حى وسط القاهرة فجمع فى ليلة واحدة 110 أطنان من شارع الأزهر والدرب الأحمر والجمالية، وهذا كله بخلاف المخلفات الناتجة عن الهدم.

ومع انطلاق حملة وطن نظيف التى أعلن عنها الرئيس محمد مرسى حاولت القاهرة بذل ما لديها خلال تلك الدعوة التى تم خلالها توزيع 10 آلاف كيس كبديل عن إلقاء القمامة بالطرق والشوارع، فى الوقت الذى قام فىه البعض بالفعل بالمشاركة فىها ولكن لم تلق الشوارع الخلفىة الاهتمام بالكامل كان التركيز على الشوارع الرئيسية.

وعلى الرغم من أن هيئة النظافة وتجميل القاهرة كانت هى المنوط بها أعمال إزالة القمامة من شوارع القاهرة وتجميلها أيضًا، إلا أن الحكومة لجأت إلى استبدال الهيئة بكل ما لها من طاقات وموارد بشرية دون تقصير بالشركات الأجنبية التى تحددت فى القاهرة بالشركة الإسبانية التى تعمل فى المنطقة الشرقية والإيطالية والتى تعمل فى المنطقتين الغربية والشمالية، وتم توقيع العقود مع تلك الشركات لتعمل لمدة 15 سنة بدأت فى 2002، بقيمة قدرها 260 مليون جنيه وصلت الآن إلى 480 مليون جنيه، فضلا عن فرض غرامات على تلك الشركات فى حالة إهمالها، إلا أن البنود جاءت مجحفة لتمنح الشركة التكاسل مع المساندة الكاملة التى تمت من جانب وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالى لإلغاء الغرامات على الشركات وردها وتدعيمها بمليار جنيه من موازنة الدولة.

وجاءت العقود لتضع مصر فى دائرة مغلقة لتمنح مليارات دون أن تأخذ، ومع كل محاولة للحكومة لفسخ التعاقدات تلوح تلك الشركات باللجوء للتحكيم الدولى للاحتكام إلى بنود العقود التى من شأنها بحسب تصريح نائب محافظ القاهرة والقائم بأعماله اللواء تيسير مكرم بعثور الشئون القانونية بالمحافظة على ثغرة فى العقد المبرم مع شركات النظافة الأجنبية تمنع اللجوء للتحكيم الدولى، وإلغاء التعاقدات معها واستبدالها بشركات وطنية تقوم بنفس أعمالها، حيث إن المحافظة كان ملجأها الوحيد للتأثير على تلك الشركات فرض الغرامات اليومية عليها وتقييم رؤساء الأحياء لأدائها اليومى وتطبيقه على النصوص المحددة فى العقود.

لعبة العقود

بنود العقد الذى تم إبرامه مع شركات النظافة الأجنبية والتى وصفها مصدر مسئول بمحافظة القاهرة بالمجحفة وأنها جاءت لتدفع مصر أموال دون أن تحصل على شىء، حيث كان تركيز الحكومة على أن تمنح ولا تأخذ وتبيع ولا تشترى، فجاءت بنود العقد متضمنة تسعة بنود رئيسية، ثم ألحقت ببنود خاصة بفرض غرامات على الشركات فى حالة عدم تنفىذ المهام المنوطة بها، إلا أنها جاءت أيضًا على حسب توصيف المصدر بالأكثر إجحافا.

جاء البند الأول يلزم الشركات بوضع صناديق قمامة من البلاستيك أو الحديد فى كل الشوارع الرئيسية والفرعية بالقاهرة على السواء، وبالفعل تم تدعيم الشوارع بـ10 آلاف صندوق قمامة تم سرقتها، وكان يجب على الشركات أن تقوم بالإحلال والتجديد لتلك الصناديق.

وجاء فى البند الثانى أن تقوم الشركات بكنس الشوارع الرئيسية يوميًا والفرعية 3 مرات فقط أسبوعيا خلال وردية واحدة، وبحسب المصدر أكد أنه كان يجب أن يكون العمل خلال 3 ورديات لتفريغ الشوارع أولا بأول، حيث يترتب على ذلك تراكم القمامة لحين قيام وردية العمل باستئناف عملها، ثم جاء البند الثالث يلزم الشركات بكنس الشوارع يوميا آليا، وفى البند الرابع غسيل ورش الكبارى والأنفاق ولافتات الإعلانات والإنارة، والخامس لجمع القمامة يوميًا من المساكن ونقلها لعربات مجهزة إلى المقالب العمومية والمدافن الصحية، والسادس بإنشاء وتجهيز مدافن صحية لدفن القمامة، والسابع بإنشاء مصنع لتدوير المخلفات العضوية وتحويلها لسماد عضوى، والثامن بإنشاء وحدات معالجة للمخلفات الطبية الخطرة، والتاسع يلزم تلك الشركات بغسل صناديق القمامة والعربات حتى لا تترك رائحة.

وتم تحديد قيمة العقود بـ260 مليون جنيه سنويا على أن يكون ذلك لمدة 15 سنة من عام 2002 وزادت مع مرور السنوات مع ارتفاع قيمة البنزين والسولار، حيث ألزمت الشركات الحكومة بتحمل أية زيادات طارئة إلى أن وصلت إلى 480 مليون جنيه سنويا.

فضيحة الغرامات

التناقض الذى كشفته العقود من فرض غرامات وهمية على الشركات مقابل عدم تنفىذ الأعمال الموكلة إليها لا تجعل الشركات لديها الحماس لتلاشى تلك الغرامات فى ظل ضآلتها مما يمكن معه على حد قول المصدر دفع الغرامات ولا داعى للعمل، مع الحصول على قيمة العقود كاملة دون انتقاص.

 
وجاءت الغرامات لتؤكد أن هناك معضلة تحتاج لوقفة واتخاذ قرار فى ظل تلاعب الشركات وعدم القيام حتى بالعمل الذى حدده العقد، فبلغت غرامة عدم كنس الشارع 200 جنيه فقط، ومثلها لعدم الكنس الآلى ومثله أيضًا لعدم تغطية سيارات نقل القمامة.

وأكد المصدر أن هذه الغرامات لم يتم تطبيقها فى عهد محافظ القاهرة الأسبق د. عبدالرحيم شحاتة، حيث ألزمت العقود المحافظة بإبلاغ الشركات عن أى تقصير أولا، على أن تتم إزالة سبب الشكوى خلال 24 ساعة أو تطبيق الغرامة فى حالة عدم إزالة القمامة التى تم الإبلاغ عنها، فىما رفضت الشركات اقتراح الحكومة بتخفىض عدد ساعات إزالة القمامة إلى 6 ساعات وخضعت الحكومة.

وكشف المصدر عن تلاعب الشركات بالحكومة وإرغامها على قبول تراكم القمامة دون موقف منها، حيث أنه بمرور 24 ساعة يكون هو الوقت الطبيعى للقيام بوردية العمل بعملها الطبيعى دون أن تقوم الشركات بأية إضافات أو تكلفة إضافىة عليها.

تنازلات بطرس غالى

وعلى نفس الطريق لم يكن محافظ القاهرة الأسبق د. عبدالعظيم وزير فى حالة رضا عن حال النظافة فى القاهرة فأقام الدعاوى القضائية ضد الشركات الأجنبية وفرض الغرامات عليها بحسب ما هو منصوص عليه فى العقود فى حالة التراخى والإهمال من جانب الشركات، حتى بلغت نسبة إهمال الشركات بما يسمح بالتقاضى وفسخ التعاقدات وكذلك تحصيل تلك الغرامات، إلا أن يوسف بطرس غالى وزر المالية الأسبق تمكن من الحصول على التنازلات القانونية عن القضايا المقامة ضد الشركات وكذلك رد الغرامات التى تم تسجيلها لإهمالهم فى العمل.

تسهيلات لنهب أموال مصر

وكشف تقرير للجهاز المركزى للمحاسبات عام 2011 من خلال رصده لسير العمل بشركات النظافة الأجنبية والأموال التى تم دفعها لهم من وزارة المالية خلال حكومة نظيف وتولى غالى مهام وزارة المالية، وكذلك مستشار وزير المالية ومساعديه بتسهيل استيلاء شركات النظافة الأجنبية على أموال الدولة خلال ست سنوات وأن ما أمكن حصره بلغ مليار جنيه.
كما تجاهل غالى رفض هيئة التحكيم فى القضية 394 لسنة 2004 لعدم أحقية الشركة المنفذة لأعمال النظافة بالمنطقة الشرقية بالقاهرة، وما ترتب على الحكم من تحميل لموازنة هيئة النظافة بمبالغ لم يتمكن الجهاز من حصرها، وأن ما أمكن حصره حوالى 24 مليون جنيه.
كما كشف التقرير حرمان الخزانة العامة للدولة من جميع أنواع الضرائب المستحقة والواجب خصمها من المبالغ التى تقاضتها الشركة الإيطالية للنظافة ولم يتمكن الجهاز أيضًا من حصر المبالغ، وأن ما أمكن حصره حوالى 6 ملايين جنيه.

أمراض بيولوجية

كما أثبتت نتائج تحاليل جهاز شئون البيئة من خلال تحليل عينات لمياه الرشح الموجودة بجوار مدفن الوفاء والأمل بشرق القاهرة والذي أنشأته الشركة الأسبانية للنظافة، أن جميع المؤشرات تعدت الحدود القصوى بالإضافة إلى أن تحليل المعادن أيضا تعدت الحدود القصوى مما يؤكد أن العينات التي تم الحصول عليها ملوثة بيولوجيا.

وسجلت نتائج معاينة المدفن وجود مخلفات غير مغطاة مما يؤدى إلى تعرض بعض الأجزاء من طبقات المخلفات للعوامل الجوية كما يؤدى إلى وجود كثير من الحيوانات الضالة والطيور الجارحة، كما أنه لا توجد الرشاشات التي تستخدم فى رش سوائل الرشح على المدفن، كما كشف تقرير جهاز شئون البيئة إلى عدم مطابقة الشركة لاشتراطات إقامة المدافن.

وأشار التقرير إلى مخالفة شركة النظافة FCC بالاشتراطات اللازمة الواردة فى الموافقة على مشروع إنشاء وتجهيز مدفن صحي بمنطقة الوفاء والأمل والذي تقدمت به الشركة، الأمر الذي تسبب معه أيضا انتشار الحيوانات الضالة لعدم قيام الشركة بتغطية سطح المدفن بكامل مساحته، وكذلك مخالفتها لبند العرض المقدم منها بعدم استلام النفايات الطبية الخطرة من المراكز الطبية بأوزان رغم توافر الميزان بالموقع وعدم استخدام وسائل التطهير الآمنة المقررة فى تنظيف الحاويات بعد تفريغها من تلك النفايات، بالإضافة إلى دفن النفايات الخطرة مع المخلفات الصلبة دون تفتيتها أو فرمها، مع عدم القيام باختبارات بيولوجية دورية من جهات رسمية للتأكد من عملية التعقيم، وإهمال وجود الأجهزة التي تقضى على الروائح الكريهة.

 
كما استولت شركات النظافة الأجنبية على رسوم تكاليف إصدار فواتير برسوم النظافة رغم تحصيل تلك المبالغ من المشتركين، وتحميل موازنة صندوق النظافة تكاليف إصدارها.
وعلى الرغم أنه تم تعديل فى بنود العقود مع الشركات من خلال المحافظ الأسبق للقاهرة د. عبدالعظيم وزير بحيث يتم توزيع العمل بين الشوارع الجانبية والشوارع الرئيسية من خلال جدول عمل لتلك الشوارع، على أن يتم رصد كافة الأعمال وتقييمها من خلال وحدات الرصد البيئى التى سجلت ملاحظاتها بعدم تقدم المستوى وعدم رضاء الأهالى عن ذلك، وكان المبرر الوحيد لدى الشركات عدم تسديد المديونية المقررة لها لدى الحكومة، إلا أن وزارة المالية لم تتوان فى صرف المستحقات والمديونيات، مع استخدام الشركات عمالها وسيلة للضغط على المحافظة بالتظاهر أمام المحافظة بإيهامهم بأن أرزاقهم ستقطع.
حل المشكلة فى الهيئة

 
وعلق رئيس هيئة النظافة والتجميل بالقاهرة المهندس حافظ السعيد أن الهيئة قادرة على القيام بالعمل التى تقوم به الشركات مجتمعة دون انقاص وبشكل أفضل وبأداء كامل إذا ما توفرت لها آليات العمل وقليل مما تحصل عليه الشركات وقد لا يزيد على 25% من المخصص لها، حيث تعمل الهيئة بلا إمكانيات، وتقوم الهيئة بإمداد الأحياء بالمعدات التى تساهم فى عملها، إلا أنه لا يمكن إمداد الأحياء كلها فى وقت واحد ويكون بالتنسيق المسبق معهم، مشددا على أن الهيئة لن تفرط فى العمالة التى تعمل بالشركات حال فسخ التعاقدات وأن الهيئة بحاجة لتلك الموارد البشرية، الأمر الذى يستلزم الاستعانة بتلك الخبرات وتشغيلها بالهيئة، إلا أن القائم بأعمال محافظ القاهرة أكد على تشغيلهم بالشركات الوطنية التى ستحل محل الأجنبية.