السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مسرح الدولة وأيام الحداد

مسرح الدولة وأيام الحداد
مسرح الدولة وأيام الحداد




«الكلمة فرقان ما بين نبى وبغى.. بالكلمة تنكشف الغمة.. الكلمة نور ودليل تتبعه الأمة» هكذا كان يجادل الحسين خصمه فى المسرحية الأشهر الحسين ثائرا وشهيدا للراحل عبد الرحمن الشرقاوي، وهكذا أصبح حتما أن تواجه الدولة خصومها من الإرهابيين.. بالكلمة، وما المسرح إلا كلمة حق ونور فى وجه الظلمة التى أصبحت تعيش فيها هذه الأمة وبالتالى كان صادما قرار الدولة بإيقاف جميع المسارح والأنشطة الثقافية حدادا على أرواح شهداء أحداث كنيستى طنطا والإسكندرية.
فإذا كنا نأمل فى تغيير الخطاب الدينى والثقافى، كان من الأولى تغيير منطق التعامل فى مواجهة مثل هذه الأحداث الجسيمة فبدلا من أن تتوقف الأنشطة الثقافية التى تعتبر جوهر وأساس تغيير عقيدة وفكر مجتمع بأكمله من العنف إلى اللين ومن الكراهية إلى الحب، كان لا بد أن تستمر المسارح وغيرها من مؤسسات ثقافية فى استكمال دورها التنويرى فى هذه الأوقات الحرجة فنحن فى أمس الحاجة إلى إعلاء صوت وراية الفنون عن أى وقت مضى، خصوصا وأن معظم المسرحيات المعروضة اليوم على خشبات المسارح تتناول موضوعات غاية فى العمق والأهمية،على رأسها مسرحية «المحاكمة» عن نص «ميراث الريح» تأليف جيروم لورانس وروبرت لى على خشبة المسرح القومى للمخرج طارق الدويرى تقدم آلية مواجهة التطرف الفكرى والدينى بالجدل والحجة والمنطق وتواجهة أزمة منطق القطيع الذى يتبعه رجال الدين المتطرفون والمتحجرون فى استعباد متبعيهم فهى من أكثر وأشد الأعمال المسرحية ملاءمة لما تتعرض له البلد من أحداث دامية، وكذلك مسرحية «قواعد العشق الأربعون» للمخرج عادل حسان على خشبة مسرح السلام يتناول العرض علاقة الحب التى جمعت كلا من جلال الدين الرومى وشمس التبريزى فى رحلة البحث عن العشق الإلهى وهو من الأعمال المهمة التى تدعو للتوجه إلى عبادة الله عن طريق الحب وهو خير مثال على تغيير الخطاب الديني، و«يوم أن قتلوا الغناء» للمخرج تامر كرم على خشبة مسرح الطليعة يتناول العرض صراع ما بين أخوين، فى رحلة البحث عن سبب الوجود وسر الكون، والصراع الدائر بين روح التسامح والحب، والتعصب والكراهية، وعرض «شامان» للمخرج سعيد سليمان على مسرح الغد ويتناول العرض الدعوة للبحث عن البراءة والحب فى تجربة مسرحية صوفية، وبالتالى التوجه لإيقاف أعمال مسرحية تساهم فى تشكيل وعى ووجدان الشعب المصرى ليس حلا عمليا، لأن الحل العملى هو ضرورة استمرار هذه الأعمال القوية والمهمة على خشبات مسارحها وكان من الأجدى اتخاذ قرار بالتوقف دقيقية حدادا قبل بدء كل عرض مسرحى لتكون الرسالة أعمق وأقوى بأننا لسنا فى حداد نحن أحياء ومقاتلون وموتانا أحياء عند ربهم يرزقون..
علق رئيس البيت الفنى للمسرح على هذا القرار قائلا.. منذ أن كنت مخرجا ومديرا لمسرح الغد كنت أرفض هذه الفكرة وأرى أن المسرح وسيلة للمواجهة، وكانت لدى فكرة بدلا من إيقاف النشاط تماما أن يخرج كل مخرج أو مدير الفرقة ويقرأ بيانا على الجمهور قبل بداية العرض وبعد عزف السلام الجمهورى والوقوف دقيقة حدادا على أرواح الشهداء، لكن للأسف هى مسألة بروتوكولية كان لابد أن نتبعها لكن خلال الفترة المقبلة سوف أناقش هذا الأمر مع وزير الثقافة وسنطرحها للمناقشة مع مجلس النواب فى الزيارة المقبلة له لأن هذا الموسم على وجه التحديد هو موسم التنوير بالمسرح لم توجد مسرحية ترفيهية سوى مسرحية واحدة لست ضد الترفيه فلدينا أعمال ترفيهية بالطبع ولكن هذا العام معظم المسرحيات طرحت قضايا فكرية ووجدانية عديدة.
وكذلك أضافت الدكتورة إيناس عبد الدايم رئيسة دار الأوبرا مؤكدة.. هو قرار عام من الدولة لكن فى كل الأحوال دار الأوبرا بها أطياف متعددة فلدينا الكثير من المسيحيين العاملين فى الكورال والأوركسترا وبالتالى يجب أن يتوقف النشاط كنوع من المشاركة الوجدانية لزملائنا لأنهم يتعرضون لضغط نفسى وعصبى قد يتعذر معه قدرتهم على مواصلة العمل أثناء هذه الظروف نحن لا نفرق بين مسلم ومسيحى لأن المصاب لنا جميعا لكن احتراما للموقف نفسه توقفنا ثلاثة أيام.
أما المايسترو هشام جبر المسئول عن النشاط الفنى والثقافى بمكتبة الإسكندرية قال: المكتبة تتبع رئاسة الجمهورية وبالتالى هذا ليس قرارى بل هو قرار يخص الدولة بشكل عام، لكن فى رأيى قد تكون فكرة الوقوف دقيقة حدادا قبل العروض تأثيرها أقوى من إيقاف العرض نفسه.
من ناحيته اعترض المخرج المسرحى عصام السيد على هذه القرارات قائلا.. «عيب» أن يغلق مسرح من أجل الحداد لأن المسرح ليس كباريه ففى أيام الحداد لا تغلق المصانع والمسارح مصانع العقول فهذا عيب شديد للغاية قد تغلق المظاهر الاحتفالية المبالغ فيها لكن الموسيقى والمسرح والباليه كيف تتوقف هذه الأشياء، سنة 1967 كنا فى حرب حقيقية مع العدو لم يغلق مسرحا واحدا ولا توقفت سينما أو حفل غنائي، والأهم من وجهة نظرى أن الرئيس عبد الفتاح السيسى يتحدث دائما عن الإعلام فى فترة عبد الناصر، لكن لماذا لم يتكلم عن الثقافة أيام عبد الناصر لأن الثقافة دائما تكون حائط الصد الأول ليس بإقامة عروض تدين الإرهاب فالمسألة تحتاج إلى استراتيجية مختلفة، فى إنجلترا حصل «night club» على وسام الشجاعة لأنه ظل يعمل أثناء الغارات على انجلترا فى الحرب العالمية الثانية.
اتفق معه فى الرأى المايسترو يحيى خليل وقال.. للأسف مازلنا نتعامل على أن الفن عملية ترفيهية وبالتالى يتم إيقاف الأنشطة الفنية على اعتبار أنه ليس لدينا وقت للترفيه، لابد أن يأخذ الفن حقه ويمنح دروه المنوط به حتى يتغير المجتمع لأن الفن الراقى هو الذى يرتقى بالذوق العام ويحارب الإرهاب.