الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

إنها مصر

إنها مصر
إنها مصر




أحمد عبده طرابيك يكتب:

تتعرض مصر لهجمة شرسة وضربات مؤلمة من الإرهاب الأسود، الذى يظن معه مرتكبوه أنهم ينالون من عزيمتها وقدرتها على أداء دورها، القيادى فى تلك المنطقة الملتهبة والمهمة من العالم، يظن البعض أن مصر بما تعانيه من صعوبات ومشكلات اقتصادية وتحديات أمنية يمكن التأثير عليها وإبعادها عن أداء دورها تجاه أمتها العربية التى تواجه تحديات التفتيت والتقسيم إلى دويلات وكيانات يصعب معها توفير الحماية والأمن والاستقرار لشعوبها.
تواجه مصر تحديات كبيرة باعتبارها مركز الأمن والأمان، والحصن الأخير للشعوب العربية، والركيزة الأساسية للأمة العربية ضد كل التهديدات والتحديات التى تحاك لها، فمصر هى السد المنيع الذى يحفظ للعالم العربى أمنه واستقراره، والذود عنه ضد الأطماع الخارجية طمعا فى خيراته وثرواته، وكيدًا فى حضارته وتراثه، ولذلك فإن الكيد لمصر لن يتوقف، لأن تدميرها وانهيارها يعنى انهيار الأمة العربية كلها، ولولا المواقف المصرية التى تفرضها عليها مكانتها العربية والإسلامية، لما تعرضت لتلك المكائد والتحديات. والدليل على ذلك أن الأخطار التى تتعرض لها الدول صاحبة المواقف بعيدة عن الدول غير المؤثرة فى مجريات الأحداث وصناعة القرارات والمواقف فى المنطقة.
لقد بث أعداء الأمة سموم الفتنة بين السنة والشيعة، التى لم تكن معروفة فى الأمة العربية والإسلامية، فتم تدمير العراق وتأسيس إدارة حكم طائفية بها، وبات تقسيمه وشيكًا بين عشية وضحاها وما يخلفه ذلك التقسيم من قنابل موقوتة بين الدول الجديدة والقديمة، خاصة فى منطقة كركوك المرشحة لأن تكون مركز حرب وعدم استقرار جديدة بين العراق والأكراد. ويتم الآن تدمير سوريا تحت المسميات الطائفية نفسها السنى والشيعى العلوى تمهيدًا لتفتيتها إلى دويلات، رغم تعايش الشعبين العراقى بمكوناته السنية والشيعية والأيزيدية والكردية وغيرها مئات السنين دون أى حوادث طائفية أو دينية تذكر، وكذلك عاش الشعب السورى بمكوناته العلوية والسنية والكردية وغيرها أيضًا فى وئام وسلام على مدى تاريخه.
 بعد تلاشى تأثير القوتين العراقية والسورية، وإبعادهما عن ساحة التأثير فى قرارات المنطقة، وانشغال كل منهما بهمومه ومشكلاته الداخلية، وما تتعرض له شعوبهما من تهجير وتشتيت فى بلاد المهجر، ونهب ثرواته وخيراته، وتدمير بنيته التحتية، لم يبق للأمة العربية سوى مصر، لذلك فإنه باتت كل السهام مصوبة نحوها. لا أميل دائما لتفسير المؤامرة، وأن كل ما يحدث هو من قبيل المؤامرة المبيتة، ولكن قراءة التاريخ، وواقع الأحداث الملتهبة فى المنطقة يشير إلى ذلك، والعبث بالمنطقة ومقدراتها يزداد ضراوة، لصالح العدو الأول للأمة العربية والإسلامية وهو الكيان الصهيونى الذى لا تشغله سوى التفرد بالقوة والهيمنة على الأمة، بغية تحقيق أحلامه المزعومة، وبناء مملكته التى يحلم بها.
ولأن مصر وشعبها المسلم والمسيحى على حد سواء يعيشون فى نسيج واحد منذ آلاف السنين، لا يشغلهم سوى حبهم لوطنهم، والتفانى فى تقدمه وازدهاره، فإن أعمال الإرهاب تأتى لشق الصف، وبث الفرقة بين المسلمين والأقباط، ولكن من حسن الحظ أن الشعب المصرى يقظ لذلك، ويعى جيدًا بخبراته الطويلة، وبفطرته السوية، أن تلك الأعمال ما هى إلا ضربات تزيد النسيج الاجتماعى والوحدة الوطنية المصرية قوة وتماسكًا ضد العدو، الذى يريد النيل من الجميع.
يعتقد أعداء الأمة أن مصر من الدول الهشة التى يمكن اختراقها وإحداث الفتنة المدمرة لنسيجها الاجتماعى ومكونات شعبها العظيم، ينسى أو يتناسى هؤلاء الأعداء أن النسيج الاجتماعى المصرى عصى على الاختراق، وقد صقلته خبرات وتجارب آلاف السنين، وما زادته المحن التى تعرض لها طوال تلك السنوات إلا قوة وإصرارًا، فقد مرت مصر بتجارب أشد صعوبة وقسوة، وخرجت منها أكثر قوة وتحديًا لتلك المكائد التى تحاك له.
مما يؤسف له أن الأعمال الإرهابية الدنيئة تتم باسم الإسلام، ويحاولون الزج بالدين فى تلك الأعمال الدنيئة التى لا تمت لا لأى دين ولا لمنطق أو عقل بأى صلة، وإنما هى أعمال تدينها كل الشرائع السماوية، فلم يدعو أى دين، أو شريعة دنيوية أو فطرة بشرية سوية إلى قتل إنسان برىء لا ذنب له إلا أنه تصادف تواجده فى المكان الذى قام الإرهاب بفعلته فيه، فالنفس الإنسانية حرم الله قتلها إلا بالحق، بل نهى الإسلام عن مجرد الترويع للآمنين المسالمين دون تفرقة بين مسلم ومسيحى أو غيره، فالدعوة إلى الله لا تكون إلا بالحكمة والموعظة الحسنة، ولكل إنسان الحرية فى معتقده، لأن بكل بساطة تلك سنة الله فى خلقه، ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة، فحجة الإرهاب مردودة عليه، لأنه لا يجوز إكراه الناس حتى يكونوا مسلمين.
يبقى على الأشقاء العرب التيقن بأن ما تتعرض له مصر ليس موجها لها وحدها، وأن تلك الأعمال إنما هى نتيجة وضريبة لمواقفها الوطنية تجاه أمتها العربية والإسلامية، لذلك فإن دعم مصر والاصطفاف العربى خلف مصر فى تلك الفترة، إنما هو اصطفاف واجب ضد خطر يهدد الأمة العربية بأكملها.
 نعم إنها مصر التاريخ والحضارة التى أصقلتها وزادتها خبرة فى مواجهة التحديات، وهى مصر التى ظلت طوال تاريخها العريق عصية على الاختراق الطائفى والدينى، وشعبها بحكم تجاربه على وعى بكل ما يدور حوله، ولكن كل ذلك يجب أن يجعلنا فى يقظة تامة للتحديات الكبيرة، فالاصطفاف الوطنى الآن هو السلاح الفعال ضد كل الأعمال الإرهابية، كما يبقى الدور الأكبر على مصر الدولة بمؤسساتها المختلفة للقيام بدور أكبر نحو وحدة الصف العربى الذى يعتبر حائط الصد المنيع ضد كل الأعمال والتحديات التى تحاك للأمة العربية، ومصر وحدها القادرة على تصفية الأجواء العربية، ولم الشمل العربى فى صف واحد، ومواجهة التحديات الكبرى بما يملكونه من مقومات وثروات وقدرات بشرية ومادية هائلة، تسعى كل القوى للاستحواز عليها ونهبها، فلا تكون تلك القدرات والموارد نقمة على الأمة، بل يجب أن تكون نعمة تحقق لشعوبنا وأمتنا وحدتها وتقدمها وازدهارها.
حفظ الله مصر وشعبها، وأعاد للأمة العربية والإسلامية عزها ومجدها.