الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مشوه نفسياً

مشوه نفسياً
مشوه نفسياً




أحمد عبدالعليم يكتب:

فتحت عينى فى التاسعة صباحاً على رسالة من شخص يخبرنى بأنه لا يريد أن يعرفنى مجدداً، واختتمها بوصفى بـ«المشوه نفسياً»!
أغلقت شاشة المحمول ونظرت لانعكاس صورتى لم أجد شيئاً مختلفاً بوجهى، والوقت متأخر قليلاً على كذبة إبريل.
أخبرنى أحد الأصدقاء أن التشوه النفسى مرض خطير لا يرى بالعين المجردة وسأحتاج لزيارة طبيب نفسى، لكن مجتمعاتنا العربية تنظر لمقابلة الطبيب النفسى كالاعتراف بالإصابة بالإيدز.
جمعت عدداً لا بأس به من كتب الطب النفسى وعكفت على قراءتها حتى أدركنى الإرهاق الشديد، وفقدت القدرة على التمييز بين النهار والليل، فأغفو ثوان ليصطدم وجهى بالكتاب وأوصل قراءته، أصيب بصرى بالضعف فأرى دخانًا كثيفًا الآن، لكن الغريب أنى أشم رائحته أيضاً، فناديت: «أبى، أخبرتك أننى لا أحب رائحة الدخان من فضلك أطفئ السيجارة».. فجائنى صوت من جوارى: «سأتوقف عندما انتهى».. نظرت لمصدر الصوت وجدت رجلًا عجُوزًا بشعر رمادى أصلع من منتصف الجبهة، ذا لحية مهذبة، يرتدى بذلة إنجليزية ويضع سيجارًا فى فمه، ويجلس على المقعد الذى ألقى بملابسى عليه، فسألته: من أنت؟ وماذا تفعل هنا؟ وأين ذهبت ملابسى؟ فأجابنى: هذا يتوقف على أمراً هل أدينك بنقود؟
- أنا لا أعرفك، أعتقد لا.
* هذا جيد، أنا فرويد، سيجموند فرويد، مؤسس علم التحليل النفسى.
- رائع، لقد قرأت عنك كثيراً، لكنك لا تبدو كالصور، وأيضاً أنت.. ميت.
* ميت؟ من قال أنى موجود على الإطلاق؟ ارتدى آخر ثياب كانت لى فى لندن، وغرفتك مرتبة على غير العادة، ألم تلاحظ أننا فى حلم؟
- لا، لم أنم منذ وقتاً طويلا، لم أعد ألحظ العديد من الأشياء.
* يبدو أن هناك ما يقلقك صديقى الصغير.
- صديق فرويد؟ هذا شىء يدعو للفخر، نعم هناك ما يشغل بالى هذه الأيام.
* لا تغتر يا عزيزى، أقول هذا لجميع مرضاى، أخبرنى هل مشكلتك من الصغر؟ هل قام أخوانك بتعذيبك؟ هل تم اغتصابك وأعجبك الأمر؟
فقاطعته: لا لا لا توقف، لماذا تنحصر كل أفكارك على اللبيدو؟ سلوكى الجنسى بخير شكراً لاهتمامك، فقط احتاج لتفسير «التشوه النفسى»، احدهم نعتنى بها، وحقيقة الأمر لم أفهم كلمة من كتبك المترجمة.
* تشوه نفسى؟ دعنا نرى.. هذه كلمة كبيرة.. ما الذى فعلته، هل أنت متحرش أو شهوانى مغتصب؟
- ماذا الذى تتحدث عنه؟ اسمع، أنت هنا لتفسر لى معنى الكلمة لا لتسبنى وتتهمنى بجرائم مخلة بالشرف.
* إنه لتدريب جيد أن يكون المرء صادقا تماما مع نفسه، وأنصحك أن تهدأ قليلاً وتمنحنى إجابات واضحة، فسواء كان حلم أم حقيقة، فلازلت أنا سيجيسموند شلومو فرويد، التشوه النفسى ليس بالشىء الهين فالمصاب ليس بمجنون ولكنه يتصرف كذلك ولا يمتلك مرجعاً أخلاقياً.
- ولكنى لست كذلك، أنا شخص جيد ولدى العديد من الأصدقاء.
* أين تعيش؟
- فى بلدى مصر، لكن ما العلاقة؟
* كل التفاصيل مهمة، أتدرى أنه طالما وودت زيارة بلدك، فقد كانت فى أيامى من رواد الحضارة الفكرية، ومجتمعك الشرقى فى السابق كان منارة العلم لأوروبا التى غاب عنها العدل.. لا أحب أن أقول أنى استفدت من علوم بعض الشرقيين القدامى فى تأسيس نظريات علم النفس الحديث، لكن ابن سينا كان جيد جداً، لقد عالج رجلًا أعتقد أنه بقرة، هل تتخيل؟
- هذا كان فى الماضى، وبالكاد اهتم، من فضلك قليل من التركيز هنا، أريدك أن تفيدنى حالياً، لا أن تحدثنى عما حدث قبل وصولى الحياة.
* قليل الصبر دائماً فى هذا العمر أيها الفتى، دعنى أخبرك شيئاً، إذا افترضنا أنك وأصدقاءك تشكلون جزءًا صغيرًا من مجتمع كبير، وقانونكم اليومى «الفهلوة» وهو ما يتضمن الرشوة والغش والكذب والسرقة والتهرب من المسئولية والانبطاح للظلم وكراهية العدل وتسبون بعضكم على سبيل المزاح، وعندما يعتدى رجل على سيدة تلومون ملابسها ومشيتها، وفى وفاة من يختلف معكم ترقصون على دمائه وترسلون نساءكم للتعزية فى ثيابً مبهجة، ما الذى يصلح لوصف مجتمعكم الكبير فى هذه الحالة؟ نعم يا صديقى، البشر أقل أخلاقية مما يعتقدون وأكثر، فسوقا بكثير مما يمكنهم تخيله، لقد أخبرتك أننى كنت أريد زيارة القاهرة لكن لحسن حظى أن جسدى أصابه الفناء فى خريف الثلاثينات.
- لكن أنا لا أفهم، لماذا لم تجبنى بعد؟ هل أنا مشوه نفسياً؟ فرويد أين تذهب؟ لا تتركنى الآن، انتظر فرويد أرجوك.
«أنت تحلم بالرجال الآن؟ قلت لك إنك بحاجة للزواج، حالتك تزداد سوءاً» قالها أبى وهو يرفع الكتاب من على وجهى، ربما لم أجد وقتاً لأخبره بحلمى فكالعادة أنا متأخر عن موعد عملى، سحبت ملابسى من على الكرسى ووقفت أصفف شعرى أمام المرآة ولامست بأصابعى انعكاس صورتى وابتسمت، وغمزت بعينى وقلت هامساً: هل هذا الشخص يبدو كمشوه نفسياً؟ لا أظن ذلك.

Fb.com/Limo20New