الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«السجاد اليدوى» يرفع الراية البيضاء.. والأطفال يرفضون الاستسلام

«السجاد اليدوى» يرفع الراية البيضاء.. والأطفال يرفضون الاستسلام
«السجاد اليدوى» يرفع الراية البيضاء.. والأطفال يرفضون الاستسلام




بنى سويف ـ مصطفى عرفة

تشتهر قرية «الشناوية» التابعة لمركز ناصر شمال محافظة بنى سويف، بصناعة السجاد اليدوى، التى يتوارثها أبناء القرية جيلا بعد جيل منذ ستينيات القرن الماضى، عندما قرر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، إقامة مصنع للسجاد بالقرية، بعد أن لفت نظره سجادة معلقة فى معرض «بيجوسلافيا السابقة» وعرف أنها إنتاج قرية الشناوية ببنى سويف.
وخلال هذه السنوات الطوال عاصرت تلك الصناعة ازدهارا وانهيارا، إلا أنها صمدت فى النهاية رغم الصعوبات الشديدة التى واجهاتها، فالقرية التى كانت تعج فى الماضى بورش و«أناويل» صناعة السجاد لم يبق منها سوى القليل بسبب قلة العمالة وهجرة الشباب هذه الصناعة.
الأمر الذى دفع أصحاب الورش والأناويل إلى الاستعانة بالصغار من شباب وفتيات لم تتجاوز أعمارهم الرابعة عشر عاما، علاوة على أن أهالى هؤلاء الصغار رحبوا بشدة بعمل أطفالهم للمساهمة فى زيادة دخول الأسر المالية فى مواجهة الهجمة الوحشية للأسعار التى طالت كل شيء ولو على حساب طفولتهم البريئة.
فيما أكد أصحاب الورش «أسطوات الأناويل»، أن مثل هؤلاء الصبية والصبايا هم أمل القرية لمنع اندثار المهنة التى تشتهر بها عن طريق تدريبهم على حرفة يأكلون منها عيشا.
يقول محمود حمدى محمد، عامل بمصنع السجاد اليدوى بالشناوية: أعمل بهذه المهنة منذ 42 عاما وتحديدا عام 1974، بعد أن أنهيت خدمتى العسكرية وبدأت العمل فى الجمعية الصناعية التابعة للمحافظة وقتها، بعد أن قامت وزارة الشئون الاجتماعية بعد حرب 67 بضم المصنع للأسر المنتجة، وتعلمت هذه المهنة وأنا عمرى لم يتعد 24 عاما وذلك للظروف الصعبة وكنت أتقاضى 75 قرشا فى الشهر ونعمل بالإنتاج.
ويتابع: بعد ذلك زادت قيمة الحوافز، ومع مرور كل هذه السنين أصبحت يومية حرفى «صانع» السجاد 30 جنيها فى اليوم، ومع ذلك لا نجد أيدى عاملة بعد أن هجر الشباب المهنة وتكدست الخيوط داخل الأناويل وعجزت الورش عن الوفاء بالتزاماتها من سجاد، بل وعجزت أيضا عن سداد فواتير الكهرباء والمياه والضرائب، ما دفع عشرات الورش إلى إغلاق أبوابها.
ويضيف محمد ناصر عبده، صاحب نول لإنتاج السجاد اليدوى: بعد أن هجر الشباب أعمال السجاد الكليم، خاصة بعد ثورة 25 يناير أصبح الأمل فى الصبية والفتيات «زهور البلد» الذين أقبلوا على تعلم المهنة، حيث بدأ البعض منهم يبرع فى الصناعة التى تحولت إلى فن وابتكار وأغلبهم من أبنائنا وأبناء أخواتنا وأبناء العمومة، لافتا إلى أن الصبى من سن 12 إلى 14 سنة يلتحق بالورشة ويحصل على دورة تدريبية لمدة 6 أشهر قد تكون صعبة بعض الشيء ثم يجلس على النول مع أسطى كبير وشيئا فشيئا يتفوق عليه، والكثير منهم أصبحوا أسطوات، فنحن نسعى لتخريج جيل من العمال مهرة لإنقاذ هذه الصناعة التاريخية من الاندثار.
ويشير سعد عبدالله محمود، عامل بإحدى ورش السجاد، إلى أن غالبية الفتية والفتيات الذين يعملون ويتدربون فى الورش والأناويل من طلاب المدارس الإعدادية والثانوية الصناعية والفنية وهم يعملون لمدة 3 ساعات فقط غالبا تكون من الخامسة حتى الثامنة مساء ويعملون 3 أيام فقط ويبدأ الأجر بـ10 جنيهات خلال فترة التدريب تزيد إلى 30 جنيها فور جلوسه على النول.
وتقول أمال محمد، ربة منزل: «توفى زوجى منذ 3 سنوات وترك لى بنتين وولدين وليس لنا أى مورد رزق وكنت أخرج للعمل فى الحقول وعملت فى أحد مصانع الطوب لتوفير الطعام والكساء ومصاريف المدارس لأولادى وفجأة أصبت بانزلاق غضروفى وعجزت عن العمل فقرر أبنائى العمل فى أنوايل السجاد اليدوى التى تنتشر فى القرية وكل واحد بينزل الشغل يوم ويواصلون الدراسة باقى أيام الأسبوع، والحمد لله أبنائى متفوقين فى دراستهم وكل يوم نحصل على 30 جنيها تكفينا والحمد لله، وخلال إجازة الصيف يعملون يوميا لتوفير مصروفات وملابس والمدارس وأيضا الدروس الخصوصية».
الحاجة مديحة عثمان، بالرغم من سنواتها الأربعين إلا أن الشيب غزا رأسها تماما حيث تعمل ابنتها منى فى إحدى ورش السجاد نظير مبلغ 25 جنيهاً يوميا بعد وفاة زوجها محمد متأثرا بمضاعفات فيروس «سى»، تقول: إن ابنتها لم تتجاوز الثالثة عشر عاما، وأن اللهو واللعب ليسا مقدرين لها وأبنائها، قائلة: «يعنى كنا نعمل إيه جوزى مات وساب لى كوم لحم والحمد لله بنتى بتشتغل فى الورشة بـ25 جنيها فى اليوم ومش بيوكلونا عيش حاف».
«أمينة»، شابة تجاوزت السادسة عشر من عمرها، تعمل بكل همة على أحد الأنوال، قالت بكل فخر: «الحمد لله بشتغل شغلانة شريفة وباخد مرتب كويس بشيله كله لنفسى عشان أجهز نفسى لأنى مخطوبة لابن خالتى، وهو فى الجيش حاليا، وشغله فى أحد مصانع السيراميك بمنطقة كوم أبو راضى الصناعية، واتعلمت حرفة كويسة وبعمل سجاجيد صغيرة وعبايات وأبيعها فى كرداسة، لأن الإيد البطالة نجسة».
من جانبه قال محمد سيد، مدير عام مديرية التضامن ببنى سويف: إن قانون الطفل رقم 1296 يحرم عمالة الأطفال دون سن 14 سنة، مشيرا إلى أنه لم يتلق أى شكاوى ومع ذلك فسوف يتم تشكيل لجنة لمراجعة هذه الورش والأنوال ومن يثبت مخالفتهم للقانون فسنحرر لهم محاضر فورية.