الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

دساتير التكفير - الحلقة 6 - قُل يا أيها «الإرهابِيون» لا نعبد ما تعبدون!

دساتير التكفير - الحلقة 6 -  قُل يا أيها «الإرهابِيون» لا نعبد ما تعبدون!
دساتير التكفير - الحلقة 6 - قُل يا أيها «الإرهابِيون» لا نعبد ما تعبدون!




تحليل يكتبه: هانى عبدالله

لأسباب مختلفة (تتعلق بـ«البناء المعرفي» لتيار الإسلام السياسى)، فإن أغلب الروافد «المغذية» لمعتقدات التيار، تقف فى موضع «الخصم» من مرتكزات «الدولة الوطنية» (أى دولة) بمفهومها المعاصر؛ إذ تتراجع تلك «المرتكزات» (عند أبناء تيار «الإسلام السياسى») فى مقابل إعلاء فكرة «دولة الخلافة»، وحتمية استعادتها.. ومن ثمَّ.. ينطلق جُل أبناء التيار - غالبًا - فى فهمهم لنموذج «الدولة الحديثة» - بحدودها الجغرافية، المُتعارف عليها - من أنها صنيعة «القوى الاستعمارية»، التى أسقطت «دولة الخلافة» فى عشرينيات القرن الماضي.. من دون الالتفات لعددٍ من الخصوصيات التاريخية، والحضارية، التى تزخر بها العديد من بلدان «الشرق الأوسط».. فالدولة المصرية (على سبيل المثال)، امتلكت – من الناحية التاريخية – حدودًا «مستقرة»، ومعروفة، حتى قبل تأسيس «دولة الخلافة» نفسها بآلاف السنين (باستثناء حقب تاريخية، معدودة).
وإجمالاً.. يؤسس «التيار»، هنا، توجهاته؛ اعتمادًا على رافدين «رئيسيين»: الأول؛ هو «المُنتج الفقهى» (الشرعي)، والثاني؛ هو «توظيف» هذا المُنتج (سياسيًّا، وتنظيميًّا)، فى إطار التخديم على مفهوم استعادة «دولة الخلافة» (المندثرة).. وفى مقابل هذا التأسيس؛ تبدو - فى كثير من الأحيان - الساحة «النقدية»، المتصدية لتفنيد «الدعاوى»، التى يؤسس عليها تيار «الإسلام السياسى» منطلقاته الفكرية، وكأنها تسير فى اتجاهين، لا يلتقيان إلا نادرًا: الأول؛ يتعلق بتفنيد مرتكزات «المنتج الفقهى» للتيار (كتوجه دينى).. وهو دورٌ، كثيرًا ما كانت تتم محاصرة المتصدين له، باتهامات (جاهزة)، مثل أنهم: «فقهاء السلطان»، أو «شيوخ الدولة».. والثاني؛ يتصدى له أنصار «الدولة المدنية الحديثة»، عبر تفنيد آليات «توظيف الخطاب الديني» من أجل إعلاء مصلحة التنظيم (أى تنظيم)، على حساب «كيان الدولة» ذاته، من دون التطرق (بشكل كبير) للجانب «الفقهي»، الذى يُصدّره التيار.
ومن هنا.. تحاول «الحلقات التالية» المقاربة بين الاتجاهين السابقين (نوعًا ما)، عبر التداخل بين ما هو «فقهي» (خصوصًا عندما يُرجح أبناء التيار آراءً بعينها، من دون سواها)، وبين ما هو «سياسي»، بشقيه: «النظري» (ترجيح آراء الغلو، والتشدد). و«التنفيذي» (حمل السلاح، نموذجًا).

بين بطون المصنفات [التراثية]، يبحث – غالبًا – القائلون بـ«الحاكمية»، و«جاهلية المجتمع» عن العديد من المقتطفات، أو الأحداث [الماضوية]؛ لإسقاطها على الواقع المعاصر(!).. ورغم ما تحمله تلك الطريقة من «تحامل» لا يتماشى وتعقيدات نظام الدولة الحديثة (أو «فقه الواقع»)؛ إلا أنّ تلك الطريقة تؤتى أُكلها – فى المقام الأول - عندما تخاطب، من حيث الأصل، «المشاعر الدينية» [المتأججة] عند متلقى الخطاب الجهادي.. إذ يقع – فى الأغلب – متلقى هذا الخطاب [من دون تدبر] فريسة لسلسلة من عمليات التوجيه «التدريجية».
.. وهى سلسلة، تبدأ (فى إحدى حلقاتها) باستغلال السلوك «المتدين» للفرد المُستهدف [أو التزامه الطقوسى]، لجذبه نحو أحضان التنظيم (أى تنظيم) بشكل متتابع؛ إذ يتم تبطين هذا الأمر - فى العادة - بدعاوى «الأخوة»، و«الدعوة لله».. وكلما ازداد الاندماج أكثر بين الفرد المستهدف والتنظيم؛ ازدادت - فى المقابل - التغذية العكسية لـ«الفجوة الشعورية» بينه وبين المجتمع الذى يعيش فيه؛ إذ يُصبح التنظيم [بالتبعية]، هو مجتمعه الحقيقى.
.. وعبر تغذية «روح الانعزالية» لدى متلقى الخطاب الجهادى يصبح الحكم بـ«جاهلية المجتمع» الخارجى (أى: المجتمع خارج التنظيم) أكثر اقترابًا من قناعاته الشخصية.. ومن ثمَّ.. يُصبح العنصر المُستهدف أكثر تهيؤًا للاقتناع بمجموعة من «القطعيات» والأحكام الكُلية» المستندة إلى خبرات وأحداث [ماضوية]، وسحبها على الواقع المُعاصر (الموصوف تنظيميًا بـ«الجاهلى»)، من دون النظر إلى الاختلافات (المحورية، والتفصيلية) بين النموذج المستمد من الماضى [التراثي]، والنموذج المعاصر(!)
ومن بين بطون المصنفات [التراثية]، يتوقف «التيار الحاكمي» كثيرًا أمام تفسير «ابن كثير» لقوله تعالى: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ }.. إذ يقول «ابن كثير»(1):
[... يُنكر الله على من خرج عن حكم الله المشتمل على كل خير، الناهى عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التى وضعها الرجال بلا مستند من الشريعة كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم.. وكما يحكم به «التتار» من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم «جنكيزخان»، الذى وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه.. فصارت فى بنيه شرعًا متبعًا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله... فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله].
وفى سياق «التوظيفى الحاكمى» للنص (أى: نص «ابن كثير»)، كان أن أورده - كذلك -  الأمير الضرير «عمر عبدالرحمن» فى كتابه: [أصناف الحكام وأحكامهم]؛ كى يقول لأتباعه - فى النهاية -  إنّ ما يحدث من عمليات تشريعية داخل نموذج «الدولة الحديثة»، لا يختلف كثيرًا عما فعله «جنكيز خان» وأبناؤه (!).. وإن أشنع صور استبدال شرع الله [إن يُجعل مرد الأمر للدستور بدلاً من القرآن والسنة].. وإنّ القوانين الوضعية [كُفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة].. وإن الحاكم المُستبدل [كافرٌ يجب قتاله](2).
■ ■ ■
وترسيخًا لتلك القناعة لدى مريديه؛ حشد الشيخ «الجهادى» جملة من الأقوال التى تؤيد موقفه، بدأها بتعليق الشيخ «أحمد شاكر» على كلام «ابن كثير» السابق.. إذ قال الشيخ شاكر:
[أفيجوز مع هذا فى شرع الله أن يُحكم المسلمون فى بلادهم بتشريع مقتبس عن تشريعات أوروبا (كتبها هكذا: أوربة) الوثنية الملحدة؟ بل تشريع تدخله الأهواء والآراء الباطلة، يغيرونه ويبدلونه كما يشاءون](3).
..وعن الشيخ السلفى «محمد حامد الفقى» [مؤسس جماعة أنصار السنة المحمدية] تعليقه على الكلام نفسه:
[ومثل هذا وشر منه: من اتخذ من كلام الفرنجة قوانين يتحاكم إليها فى الدماء والفروج والأموال ويقدمها على ما علم وتبين له من كتاب الله وسنة رسوله (ص)، فهو بلا شك كافر مرتد](4).
..وعن القيادى الإخوانى «يوسف العظم» [أردنى الجنسية، وهو من تلاميذ «سيد قطب» الخلصاء] تعليقه على كلام «ابن كثير» ذاته:
[ألا يصور هذا واقع ديار الإسلام اليوم؟!
فكم من «ياسق» فيها، وكم من «جنكيز خان»](5).
..وعن القيادى الإخوانى «عبدالقادر عودة» قوله:
[..ومن الأمثلة الظاهرة على الكفر بالامتناع فى عصرنا الحالى: الامتناع عن الحكم بالشريعة الإسلامية، وتطبيق القوانين الوضعية بدلاً منها](6).
..وعن القيادى الإخوانى «على جريشة» قوله:
[ومن صور الشرك الذى هو أعظم الظلم وفى مقدمتها: شرع من لم يأذن به الله: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}.. كذلك الحكم بغير ما أنزل الله.. وصف القرآن الحاكمين بأنهم ظالمون وفاسقون وكافرون.. وإذا انصرف الحكم إلى التشريع فإن الكفر والظلم يلتقيان.. وإذا انصرف إلى التنفيذ فإن الصور الثلاث بمعانيها المختلفة تكون واردة](7).
■ ■ ■
تحليلاً لجملة «الاقتباسات» السابقة، لنا [فى المقابل] أكثر من ملاحظة «محورية» على عمليات توظيف الخطاب الدينى داخل «الاتجاه الحاكمى» [بشكل خاص]، وتيار «الإسلام السياسى» [بشكل عام]:
أولاً:  يتحصن العديد من فصائل التيار (بمختلف روافده) عبر إطلاق أحكام «كليّة»، لا تتعرض للتفصيلات «التعريفية» المختلفة (قانونًا، وشرعًا).. إذ لنا، هنا، أن نستدعى ما نبهنا إليه – بحلقة سابقة – حول المحاولات «الدءوبة» لوضع مصطلح «القانون الوضعى» فى مواجهة مفهوم «الشريعة»، والإيحاء بأنهما على طرفى نقيض.. وهو ما يتنافى (قطعًا) مع التعريف القانونى للمصطلح (8).
ثانيًا: تنويعًا على النقطة السابقة؛ تم حشد جملة من العبارات «الوصفية»، مثل: «قوانين وثنية»، و«تشريعات الإلحاد»، و«كلام الفرنجة» بين ثنايا الخطاب الحاكمى؛ للإشارة إلى قوانين الدولة الحديثة.. وذلك من أجل إقامة «حواجز نفسية» بين متلقى الخطاب، وما يُنتجه هذا النموذج من تشريعات.. الأمر الذى ينعكس – بالتبعية – على ترسيخ حالة «العزلة الاجتماعية» للفرد المُستهدف بالخطاب، فى مقابل تمركزه حول «مجتمع التنظيم» (أى تنظيم) بشكل أعمق، وأكبر.
ثالثًا: لا يُميز التيار، هنا [عن جهلٍ]، أو [عن قصد] بين «الوسائل التشريعية» المعمول بها فى النظم التشريعية الحديثة، والمُنتج التشريعى نفسه (أى: القانون).. فإن كان ثمة إفادة من المنتج الإنسانى (لا الأوروبى، فقط) فى تطوير الوسائل والآليات التشريعية [ومبادئ القانون العام]، بما يُلبى تعقيدات الواقع المعاصر؛ فإنّ مضمون المنتج التشريعى (القانون) تحكمه – فى المقام الأول – الروافد الثقافية للمجتمع القائم بالتشريع [ومنها، بالتأكيد، الرافد «الدينى»].. وبالتالى.. فحتّى إن تقاربت الوسائل و«الآليات التشريعية» بين العديد من الدول؛ فإن مضمون ما يُسن من «قوانين» يختلف من دولة لأخرى، تأسيسًا على الاختلافات «الثقافية»، و«العقائدية»، ومنظومة العادات والتقاليد.. إذ لو كان الأمر كما [يتوهمه] أبناء التيار، لكنّا – الآن – أمام جملة من «القوانين الموحدة» بتلك البلدان كافة (!)
رابعًا: بمزيد من التوضيح لما أجملناه فى «النقطة ثالثًا»؛ ربما يصبح من المجدى «المقارنة» بين القانون الوضعى [المطبق فى مصر]، و«الأحكام الفقهية العملية» [بالشريعة الإسلامية].. لا للوقوف على مدى التقاطع بينهما؛ بل للوقوف، فى المقام الأول، على [تهافت] مزاعم «القائلين بالحاكمية» حول أنّ أحكام الله هُجرت بالجملة.. إذ تنقسم «الأحكام العملية» [الفقهية] إلى نحو ثمانية أفرع، كالآتى :
(أ)ــ أحكام العبادات: وهى الأحكام العملية «المُنظمة» لعلاقة الإنسان بالله (عز وجل) [الصلاة/ الصيام/ الزكاة/ الحج...]، وما يتصل بها.. وهى مُطبقة [بكاملها] من دون إنكار، أو تعطيل (ولا يقابله أى أحكام بالقوانين الوضعية).
(ب)ــ أحكام الأحوال الشخصية: وهى الأحكام «المنظمة» للعلاقات الأسرية [عقود الزواج/ الطلاق/ أحكام النفقات/ النسب/ المواريث الشرعية/ أحكام الوصية...]، وهى مُقننة – بشكلٍ كامل – فى «القانون الوضعى»، تأسيسًا على أحكام الفقه الإسلامى (اتفاقًا، أو ترجيحًا عند الاختلاف).
(ج)ــ أحكام التحليل والتحريم: وهى الأحكام «المُنظمة» للأمور الحياتية [الأشربة/ الأطعمة/ الملبس...]، وهى أمور تتركها الدولة لـ«رجال الدين»؛ للفصل فيها من دون تدخل.. وهى مُطبقة [بكاملها] من دون اعتراض أو تعطيل.. ولا يقابلها فرعٌ محدد بـ«القانون الوضعى».
(د)ــ أحكام المعاملات المالية: وهى الأحكام المُتعلقة بممارسات الأشخاص (الطبيعيين، أو الاعتباريين) فيما يختص بالأعمال التجارية، أو الاقتصادية [أحكام البيع/ الشراء/ الرهن/ الإيجار/ العارية...]، ويقابلها فى القانون الوضعى: «القانون المدنى»، و«القانون التجارى».. ومعظم أصولها تتفق و«الشريعة الإسلامية».. كما أن أغلب أدلتها «عقلية»، تترك للاجتهاد وفقًا للمستجدات الحياتية.. فضلاً عن أن العديد من أحكامها، أيضًا، يدخل فيما يُسمى فقهيًّا بـ[العفو] (أى: المسكوت عنه).. وبالتالى.. فإنّ قابليتها للاجتهاد، يجعلها قابلة للتغيير بتغير الظروف والأحوال [حيثما كانت «المصلحة» فثمّ شرع الله].
(هـ) ــ أحكام الحرب والسلم والمعاهدات: وهى الأحكام «المُنظمة» لعلاقة الدول بالدول الأخرى، إذ يقابلها فى القانون الوضعى [القانون الدولى].. وأغلبها متروك فقهيًّا للعرف والمصلحة والاجتهاد (أنتم أدرى بشئون دنياكم).. والأصول «العامة» الواردة فى هذا الباب لا تتعارض والعديد من المبادئ المطبقة.
(و)ــ أحكام السياسة الشرعية: وهى الأحكام المنظمة لعلاقات مؤسسات الدولة بمواطنيها، ويقابلها فى القانون الوضعى: «القانون الدستورى»، و«القانون الإدارى».. وفى التاريخ الإسلامى وجدت [خلافة من دون سلطة!]، و[سلطة من دون خلافة!].. وما أنتجه الفقه خلال تلك الحقب الزمنية، لا يزال محل اجتهاد، ونظر، ومراجعة.. ومن ثمّ؛ فإنها مرتهنة بالظروف، والأحوال [حيثما كانت «المصلحة» فثمّ شرع الله].
(ز)ــ أحكام التقاضى: وهى الأحكام المنظمة لعمل المؤسسات القضائية فيما يتعلق بـ«آليات التقاضى»، و«فض المُنازعات»، وطبيعة عمل «الهيئات القضائية».. ويقابلها فى القانون الوضعى، قوانين: «الإجراءات»، و«المرافعات».. ولا تتعارض – بشكلٍ عام – مع المبادئ والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية.
(ح)ــ التشريع الجنائى: ويشمل الأحكام المُتعلقة بجرائم لها عقوبات «مُقدرة» فى الشريعة الإسلامية (ويقابلها: قانون العقوبات).. وتنقسم هذه الأحكام، بحسب التقسيم الفقهى، إلى: [الجنايات على الأبدان]، و[الجرائم الموجبة للحد].. كما تنقسم [الجنايات على الأبدان] إلى: جنايات «عمديّة» (وتستوجب القصاص)، وخطأ (أحكام الدية نموذجًا).. بينما «جرائم الحدود»، هى: [الزنى/ السرقة/ القذف/ الحرابة ... إلى آخره].. وفيما يُعطل النوع الثانى من عقوبات «التشريع الجنائي» فى الوقت الحالى، فإنّ القانون المعاصر يتسع ليشمل العديد من الجرائم «التعزيرية» التى يقدرها القاضى، وهذا لا يتعارض والشريعة.. كما أنّ بعض «الجنايات العمدية»، مثل القتل عدوانًا – غالبًا – ما تصدر فيها أحكام الإعدام على الجانى (القصاص الشرعى).. و«الجنايات الخطأ» يصدر فيها حق طلب «التعويض» (الدية الشرعية)، إلى جانب عقوبات أخرى، مثل: الحبس، أو السجن بمدد تختلف من جناية إلى أخرى (9).
■ ■ ■
تأسيسًا على «المقارنة» السابقة؛ فإن 7 فروع [من أصل 8 فروع] من الأحكام الفقهية «العملية»، إما تتطابق فى مضمونها وأحكام الشريعة الإسلامية، وإما تدخل فى نطاق [العفو التشريعى] القابل للاجتهاد «البشرى» بالجملة.. بينما ينتصف «الفرع الثامن» تقريبًا، من الناحية التطبيقية.. وهو ما يعنى أنّ ما يقترب من 94 % من القوانين الوضعية [المعاصرة]، المطبقة فى مصر، لا يتعارض فى مضمونه (عمليًّا) وأحكام الشريعة الإسلامية.. ومن ثمَّ.. فإن الدعاوى التى يستند إليها «التوجه الحاكمى» حول تعارض «القانون الوضعى» مع الشريعة، وأن ما حدث هو هجرٌ لـ«شرع الله» بالكلية فى مقابل تطبيق [قوانين وثنية!]، أمرٌ لا محل له على الإطلاق (10).. إذ غالبًا ما يختزل التيار (لأسباب تنظيمية) أمر تطبيق الشريعة فى عددٍ من العقوبات الحدّيّة (نسبة إلى الحد الشرعى) من أصل أحكام الشريعة (أى: نصف الفرع الثامن، فقط).
وفيما يسعى تيار «الإسلام السياسى» (بشكل عام) إلى «توظيف» تلك النقطة [من الناحية السياسية]، فى خضم معركته للوصول والاستحواذ على «السلطة».. يُمكننا - كذلك – ملاحظة تغاضى العديد من جوانب المنتج الفقهى للتيار عن العديد من السياقات التعريفية للحد الشرعى (وشروطه)، من حيث الأصل.. فضلاً عن إغلاق أى محاولات اجتهادية، حول ما ثبت من تلك الحدود [نصًا]، أو ما تم استحداثه منها [اجتهادًا] فى عصر ما بعد الرسالة.. إذ - غالبًا - ما تصطدم «القراءات المعاصرة» لمثل تلك الأمور (أحكام «الردّة»، نموذجًا) بمحاولات إجهاضية «عنيفة» من قبل أبناء التيار؛ لغلق «باب الاجتهاد» فى وجه طارقيه (حتى لو كان من بينهم ذوو اعتبار ورسوخ، من الناحية الشرعيّة!).. وعادة.. ما يتهم أبناء التيار تلك الاجتهادات، بأنها «ابتداع» غير موجود بين بطون مصنفات المذاهب الفقهية [التقليدية].
وعلى ذكر [أحكام الردة] على وجه الخصوص؛ يُمكننا إدراك لماذا يُجابه - غالبًا - الاقتراب من هذا «الحد» [الشائع فقهيًا] بالعديد من عمليات الهجوم «المتتابعة» [ومن دون مناقشة تقريبًا]، من قبل أبناء التيار.. إذ من شأن هذا الأمر أن يُجرد منظرى «الإسلام السياسى» من إحدى أسلحتهم «الرئيسية» التى يشهرونها فى وجه خصومهم (صباح مساء).. فمن حكموا بـ«جاهلية المُجتمع»، زعمًا بأنه لا يحكم بما أنزل الله، لا يترددون للحظة فى أن ينسبوا للدين ما ليس منه (!).. وهو ما سيكون لنا معه وقفة تالية

    هوامش

(1) تفسير القرآن العظيم: (2/ 67).
(2) عمر عبدالرحمن، «أصناف الحكام وأحكامهم»، ص: 92.
(3) عمدة التفاسير: (4/ 171).
(4) فتح المجيد شرح كتاب التوحيد: (396).
(5) فصل الدين عن الدولة ضلالة مستوردة : (234).
(6) التشريع الجنائى الإسلامى: (2/ 708 – 710).
(7) أصول الشرعية الإسلامية: (99).
(8) راجع – على سبيل المثال – الحلقة الرابعة.
(9) د.أحمد كريمة، «الإسلام وظاهرة العنف المعاصر»،(القاهرة: دلتا للنشر والتوزيع، 2015م)، ص:99 – 101 [بتصرف].
(10) راجع، أيضًا، الحلقة السابقة (الحلقة الخامسة).