الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«روزاليوسف» ترصد لحظات الموت لسكان العقارات الآيلة للسقوط

«روزاليوسف» ترصد لحظات الموت لسكان العقارات الآيلة للسقوط
«روزاليوسف» ترصد لحظات الموت لسكان العقارات الآيلة للسقوط




كتبت - مروة عمارة


لم يعد يمر فترة زمنية قصيرة، حتى تطالعنا وسائل الاعلام بأخبار العقارات المنهارة فوق رؤوس أصحابها، وكان أهمها عقار بمنطقة جاردن سيتى بشارع أبوالمحاسن، والذى نتج عنه إصابة 7 أشخاص -وفقا لبيان صادر عن وزارة الصحة، وشهد أحد العقارات بمنطقة السيدة زينب انهيار كلياً، وتم إخلاؤه من السكان وهو من العقارات القديمة، وكان يسكن بداخله 6 أسر بإجمالى 34 شخصًا، وجميعهم دون مأوى.
ومن «جاردن سيتي» إلى السيدة زينب ثم إلى منطقة «بولاق أبو العلا»،  والتى حدث فيها انهيار فى 3 عقارات سكنية، أصبحت مصر محاصرة بكابوس انهيار العقارات، للحد الذى وصلت فيه أعداد العقارات المنهارة خلال العامين الماضيين 661 عقاراً.
وبحسب الإحصائيات التى أعدّتها الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان، فإن نسبة مخالفات المبانى فى مصر بلغت حوالى 90% من إجمالى العقارات الموجودة، والتى قدّرتها إحصائيات وزارة الإسكان بـ 4٫9 مليون مبنى.
ووصل إجمالى العقارات المقامة بدون تراخيص 317 ألفاً و948 عقاراً. وصدَر لها 356 ألفاً و507 قرارات إزالة من المحافظين، ولم يتم تنفيذ أى منها.
معاناة السكان
ومن ضمن تلك العقارات الصادر لها قرارات إزالة لم تنفذ، ويعيش سكانها، عقار «أم ناصر» المقيمة بعزبة بلال، حى الشرابية، والتى تعلم أنها تنتظر الموت هى وأبناؤها فى أى لحظة، فالعقار المقيمة به عمره يتعدى 90 عاماً، وانهارت أجزاء منه  وتشعر باهتزاز أركانه عند مرور أى عربة بجواره، حتى ان الغرفة التى اضطرت لبنائها أعلى الدور الثالث، زادت من احتمالية انهياره فى أى وقت، ولكنها أضطرت لبنائها لأبنها ليتزوج بها، فقد تجاوز الثلاثين ولا يملك مالا ليشترى شقة سكنية، كما أدى انهيار الصرف الصحى للعقار بسرعة تدهور حالته.
«أم ناصر» تلقت بلاغات من حى الشرابية يفيد بضرورة إخلاء العقار منذ عامين، وعدم صلاحيته لقرار الترميم والتجديد، ورغم ذلك لم تقم بترك العقار، فحسب حديثها» أروح فين بولادى الستة وعندنا جار بالدور الارضى هو وزوجته وأولاده الثلاثة، وإيجاره 6 جنيهات، ولانملك المال لشراء شقة سكنيه، فزوجى موظف بالمترو، ولا نملك الا الراتب لتغطية نفقات المعيشة، والبيت ساترنا من الإيجارات المرتفعة والأسعار الغالية للشقق».
وتابعت» الحى موفرش لنا شقة وقالنا روحوا عيشوا فيها، عاوزنا نخلى العقار ونترمى فالشارع، وولادى فالجامعة وأبنى متجوز وزوجته حامل، ولو متنا افضل من الرمية بالشارع».
«أم ناصر» ليس لوحدها، ملايين الأسر تعيش داخل عقارات آيلة للسقوط، وصدر ضدها قرارات إزالة لم تنفذ، وقرارات ترميم لم يتم الاستجابة، وعدم متابعة الاحياء، ادى لاستمرار تدهور تلك العقارات واحتمالية سقوطها خلال أى لحظة، أو سقوطها بالفعل فوق رؤوس سكانها».
جارة «أم ناصر» بالعقار المجاور لها المكون من خمسة طوابق، تبدو متهالكة  للغاية،  حتى أن الدور الارضى للعقار إاانخفض مستواه عن الارض عدة امتار، وتساقطت وجهته وانهارت شبكة المياة والصرف به، وتستيقظ «نجاة» يوميا على كابوس الموت تحت أنقاض منزلها، فهى تعلم جيدا أنه لا يصلح للإقامة، ورغم عدم صدور قرار إزالة له، إلا انه معرض للانهيار بين لحظة وأخرى.
استكمال المعاناة
تحكى «نجاة» أن هناك دورين تم إنشاؤهما بشكل مخالف دون معرفة الحى، والعقار ليس ملكا  لها، ويملكه شخص كان يحصل على ايجار ضئيل منهم، واضطر لبناء دورين «مخالفين» من اجل الحصول على عائد 700 جنيه لكل شقة مخالف، وهو الامر الذى هدد باحتمالية سقوط العقار فوق رؤوس 6 أسر تقيم بهذا العقار .
تابعت: لا نملك المال لإيجار شقة سكنية، ورغم التصدعات والشقوق التى انتشرت بأركانه، حتى أن دورات المياه انهارت وبعضها لم يعد مستخدم، لتسرب المياه منها، إلا أننا نضطر لاستخدام دورات المياة بالمسجد القريب لنا.
وعندما سألناه لماذا لم تسعوا لترميم العقار شرحت «العقار يحتاج فوق المائة ألف للترميم ولا تملك الأسر تلك الأموال، كما أن المهندسين أخطرونا أن الترميم لن يفيد المنزل، والأفضل مغادرته، ومازالنا فى انتظار الموت».
خريطة العقارات المنهارة
عقارات عديدة تعدى عمرها السبعين والتسعين عاما، ويقيم سكانها فى انتظار الموت فى أى لحظة وليس فقط بحى الشرابية وعزبة بلال، من  بين العقارات شديدة الخطورة بحى وسط القاهرة مناطق «الحسين والجمالية والدرب الأحمر والحمزاوى والأزهر والباطنية وباب الخلق»، وتضم هذه المناطق 38 ألف عقار، منها عقارات أثرية يقع أسفلها 55 ألف محل، وصنف منها 433 عقاراً تحت بند الخطورة الشديدة.
وحدد تقرير صندوق تطوير العشوائيات أن القاهرة بمفردها يوجد بها 189 مدينة بها عشوائيات تم حصر 304 مناطق غير آمنة، منها 31 منطقة خطيرة يجب هدمها، 186 منطقة خطرة بدرجة أقل، و54 منطقة خطيرة بدرجة ثالثة.
وفى تقرير لمحافظة القاهرة، احتلت أحياء وسط القاهرة النصيب الأكبر من قرارات الإزالة بعدد 2700 عقار، فيما بلغ إجمالى القرارات بالمحافظة 8800 عقار تليها المنطقة الجنوبية 2500 عقار.
و تحتل الجيزة المرتبة الثانية فى مخالفات البناء، حيث وصل عدد العقارات المخالفة 60 ألف عقار، وبلع عدد قرارات الإزالة بالمحافظة 52.588 ألف قرار، تم تنفيذ حوالى 2859 قراراً بنسبة 5.4، ولم يتم تنفيذ 49.729 قرار.
أما محافظة القليوبية فتضم 9712 عقاراً بدون ترخيص، صدر لها 1098 قرار إزالة، بينما وصل عدد العقارات المخالفة للترخيص 409 عقارات، وذلك طبقاً لجهاز التفتيش الفنى على أعمال البناء.
وفى دراسة أجرتها جامعة القاهرة، قد أشارت إلى أن 90% من عقارات مصر مخالفة وأن 50% منها فى حاجة إلى صيانة، ويبلغ عدد العقارات الآيلة للسقوط على مستوى الجمهورية نحو مليونَى عقار آيل للسقوط و132 ألف قرار إزالة مجمّد.
دراسة القومى للإسكان
وكشفت دراسة أجراها الدكتور سامح عبد العزيز البيطار، أستاذ باحث مساعد، المركز القومى لبحوث الإسكان والبناء، تحت عنوان «تقييم الخطورة الإنشائية للمبانى القائمة فى مصر» وجود مليون و425 ألف مبنى معرض للانهيار فى مصر، أى أن 18% من العقارات فى مصر آيلة للسقوط، بالإضافة إلى حوالى 50 % من العقارات فى مصر تحتاج للترميم.
«عامل الزمن وسوء الصيانة معا مسئولان عن نصف حالات انهيار المبانى، كما أن أغلب المبانى الايلة للسقوط غير مرخصة ولا تخضع لقواعد البناء الصحيحة، وغياب دور لجان المتابعة ومراقبة المحليات سبب رئيسى فى الكارثة».. حسبما اشارت الدراسة.
أسباب وجود العقارات الآيلة للسقوط
ويشير دكتور محمود عبد الحى، رئيس معهد التخطيط العمرانى سابقا،  إلى أن السبب فى انهيار المبانى يرجع لفساد المحليات والتعقيدات فى إصدار التراخيص، مما يتيح الفرصة لضعاف النفوس بصدور مخالفات فى التراخيص والبناء، كماأن هناك 130 قانوناً وأمراً إدارياً تحكم المنظومة العقارية، ونتيجة التلاعب فى القوانين واختلافها فإنه يسهل اختراقها، ومشتتة بين وزارة الإسكان ووزارة التنمية المحلية ووزارة الاستثمار ووزارة المالية، وجزء منها فى الزراعة والرى.
 وتابع: «لابد من نشر ثقافة الترميم وتطبيق القانون والكشف الدورى على العقارات من قبل مهندسى الاحياء وكذلك المتابعة من قبل وزارة الاسكان، وعمل لجان للمرور، وتشكيل لجان تشرف على جميع الأحياء لمراجعة العقارات الموجودة بها، كما أن جزءاً من المشكلة يرجع إلى جشع التجار واستخدامهم مواد بناء مغشوشة، وكذلك الانفلات الأمنى الذى أعقب ثورة يناير وتضارب التشريعات».
الحق فى السكن
وأفاد يحيى شوكت، عضو مبادرة الحق فى السكن بأن«قانون البناء نص على إنشاء صندوق لتوفير قروض لتيسير ترميم العقارات، ويسمح للمحليات التنفيذ بالقوة الجبرية لو امتنع المواطن عن التنفيذ، وبالتالى لابد من تنفيذ القانون وتفعيل الصندوق».
كما أكدت منال الطيبى، مدير مركز الحق فى السكن، أن «الامر الذى جعل المواطنين يفضلون الموت بكرامتهم أسفل الانقاض على الحياة بالشوارع بلا كرامة، ولهذالابد من استغلال المخزون العقارى المتمثل فى حوالى 5.8 مليون وحدة سكنية غير مشغولة، و تأجيرها للراغبين، وهناك 2 مليون وحدة سكنية مغلقة أيضا، مع ضرورة السعى لاعادة تطبيق نظام سكن الإيواء».
خبير المحليات
ويشرح دكتور حمدى عرفة، خبير المحليات، أن «التلاعب فى تراخيص البناء والهدم سيستمر إن لم يحدث تعديل للقوانين، ولابد من قيام وزارة التنمية المحلية بتشديد الرقابة وتطبيق القوانين الرادعة تجاه المخالف فور وقوع المخالفة، فالأحياء والمراكز والمدن بها أكثر من ٦٠٠٠ قيادة فاسدة، ومنح الضبطية القضائية لـ٦ وزارات لكى تفتش على الإدارات الهندسية مطلب أساسى، لان تلك الجهات تقوم على الشللية».
«العوار القانونى فى قانون الإدارة المحلية يسمح لبعض ضعاف النفوس من موظفى الأحياء بوقف تنفيذ قرار الإزالة بمجرد توقيع صاحب أو سكان العقار على إقرار ينص على تحملهم المسئولية القانونية فى حال انهيار العقار، ولابد من تعديل قانون الإدارة المحلية».
 حجم الانهيارات
جدير بالذكر أن «دفتر احوال» المصريين رصد خلال الثلاثة أعوام الأخيرة (2014 حتى 2016)، حوالى 661 حادث انهيار عقارى فى مصر، فى جميع محافظات الجمهورية عدا محافظة واحدة، وذلك عبر 181 دائرة قسم شرطة مختلفة، بينها 214 حادث انهيار كلى و 447 جزئى، ومن حيث الخسائر البشرية كان هناك إجمالى 304 حالات وفاة (200 ذكر و 104 إناث، 207 بالغين و 97 قاصراً)، فيما بلغ عدد الإصابات 717 إصابة، بينما تم تسجيل 1450 أسرة متضررة.
حجم الكارثة
واستكمل «عرفة»، خبير الادارة المحلية أن « بمصر نحو 28 مليون عقار، منها 2 مليون عقار فقط أى ما يعادل 7% لها سجلات وتصاريح رسمية بالدولة، بينما هناك 26 مليون عقار بدون تصاريح أو أى بيانات رسمية، وهو ما يعادل 93% من عقارات مصر غير مسجلة رسمياً بالدولة، وتمت بطريقة عشوائية وبالمخالفة للقانون».
«وبالتالى هناك 2 مليون و184 ألف عقار مخالف للمواصفات منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن طبقاً لأحدث تقرير أعده اللواء عادل لبيب وزير التنمية المحلية السابق، فضلا عن 1.5 مليون عقار مخالف بالأراضى الزراعية».
وأنهى حديثه بضرورة « إزالة جميع المبانى المخالفة حتى يتم وقف الخسائر البشرية التى  تنتج عن انهيار المبانى المخالفة، وازالة تعديات الاراضى الزراعية والعقارات المخالفة تعد من تقارير الاداء للمحافظين ورؤساء المدن فى الترقيات إلى الدرجات الأعلى، وتعديل قانون البناء الموحد لان به ثغرات عديدة تؤدى الى وجود فساد من جميع الاطراف».
إجراءات رسمية
جدير بالذكر أن الدكتور مصطفى مدبولى، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، خاطب وزير التنمية المحلية لوضع الإجراءات والاحتياطات اللازمة والالتزام بأحكام قانون البناء الموحد ولائحته التنفيذية للقضاء على مخالفات البناء بمتابعة الوحدات المحلية لتشجيع المواطنين على الحصول على التراخيص قبل البدء فى أى أعمال، مع اتخاذ الإجراءات القانونية للتصدى لمخالفات المبانى ومحاسبة المقصرين وحفظ حق الدولة والمجتمع.
حجم الخسائر
كما ذكر ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان حجم الأموال المهدرة بسبب الفساد فى المحليات بنحو 494 مليون جنيه، واختلاس 17 مليون جنيه خلال النصف الأول من عام 2016، و، احتلت الوحدات المحلية المركز الأول فيها بنسبة 65%، وقدرحجم الثورة العقارية فى مصر بحوالى 2 تريليون جنيه، والتى تواجه إهداراً بنسبة تصل على الأقل  إلى 0.5% سنويًا أى ما يُعادِل 10 مليارات جنيه بسبب الإهمال فى الصيانة.
حسم شكاوى الإزالات
وأعلن الدكتور أحمد زكى بدر وزير التنمية المحلية السابق، أنه تم خلال عام 2016 حسم 445 ألفاً و925 شكوى بنسبة 89,4% من إجمالى عدد الشكاوى الواردة الى الوزارة والمحافظات، وأكد «استمرار التنسيق بين الوزارة والأجهزة التنفيذية بالمحافظات والأجهزة الأمنية بها لتنفيذ حالات الإزالة للمخالفات، وهو ما  أسفر خلال عام 2016 عن حسم عدد 42 الفاً و46 شكوى خاصة بحالات الإزالة بنسبة 88,7 % وتم حسم شكاوى خاصة بإصدار الرخص بلغت 47 الفاً و583 بنسبة 89,2% وحسم شكاوى تتعلق بالبنية التحتية بلغ عددها 60 الفاً و592 شكوى بنسبة 90,8 % و حسم الشكاوى الخاصة بالتظلمات الإدارية بنسبة 85%».