السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

دين حسن الصباح.. ودين حسن البنا

دين حسن الصباح.. ودين حسن البنا
دين حسن الصباح.. ودين حسن البنا




أسامة رمضان يكتب:


قبل أن نبدأ فى تعريف وتحليل شخصية من هو حسن الصباح، لا بد أن نجتاز أولا مجادلة علمية دائمًا ما اكتظت بها رفوف مكتبات الجامعات من فرط ما قدم فيها من أبحاث نال من خلالها عدد وفير من الطلاب درجات علمية متنوعة، فليس خفيا الخلاف الدائم بين معنيين هما الولاء والانتماء، وأيهما يسبق الآخر؟ ومَن هو صاحب السلطة الأعلى فيهما؟
الأكيد أن لكل منهما، فى رأيي، معنى مستقلا لا لبس بينهما ولا تقاطع، فكل كلمة لها درب تسلكه، ومريدون ينسحبون تحت لوائها، وللكلمتان معنى فى أصل اللغة، فالانتماء يفيد فى اللغة معنى الانتساب لجهة أو مؤسسة أو فكرة أو دولة، أما الولاء فيشير إلى القرب والمحبة والصداقة، أى أنها رابطة عاطفية تربط الفرد أيضا بفئة أو جهة أو فكرة، لكن الأصل فيها أن تنشأ عن رضا واختيار وقناعة، بخلاف الانتماء، الذى يقوم على أسباب ووقائع محددة ومعروفة قد تكون بحكم النشأة والميلاد أو العمل، وهى أمور لا يشترط فيها الرضا عن هذا الواقع الذى يحياه الفرد.
كل هذا السرد كان أساسيًا فى بداية حديثنا لتأصيل معنى مهم، أن الولاء أعمق كثيرا من الانتماء، لأن الاختيار والرضا فيه هو الأساس الذى يحرك الفرد ويصل إلى أقصى نقطة بأعماقه، فتكون تحركاته وتصرفاته مفعمة دائما بصبغة الإتقان، قدر طاقته أو ربما أكثر مما تملك قدراته، هذا هو ما نجح فيه حسن الصباح مؤسس مفهوم الاغتيالات السياسية والإسلام السياسى بمعنى التنظيم والجماعة، اسمه بالكامل هو حسن بن على بن محمد الصبَّاح الحميري، يمنى الأصل، ولد فى العام 1037، فى قم، وعاش فى الريّ. فى زمن السلطان مُلكشاة السلجوقي، رحل إلى إمام الإسماعيلية فى أصبهان عبد الملك بن العطّاش الطبيب وابنه أحمد، فتحول إلى المذهب الإسماعيلي، وكان الصباح ماهراً فى الفلسفة والحساب والهندسة والنجوم، وهو من أبرز مثقفى عصره بشهادة خصومه وأنداده، فأُعجب به معلمه ابن العطاش، وعيّنه نائباً له فى الدعوة.
كانت قناعته بما يفعل سر إعجاب المحيطين به، فتأثروا به حتى أصبحوا من أشد الموالين له، فلو أمر أحد اتباعه بأن يقتل نفسه أو يلقى بها من أعلى قمة لنفذ دون أن ينطق بكلمة، ظل يبحث عن ضالته فى مكان يمكن من خلاله أن يطبق الإيمان والدين الذى يراه، فكان يقطع الطرق ويرسل رسله لتنفيذ اغتيالات للأصدقاء قبل الأعداء، تحصن فى  قلعة إيرانية فى جبال قزوين تسمى «ألموت» التى صار اسمها قلعة الحشاشين، مهجورة اليوم، تقع فى إقليم الديلم على بعد 100 كيلومتر عن طهران.. كانت هى النواة التى أراد من خلالها الصبّاح تطبيق شريعته على العالم الإسلامي.
أورد كثير من الكتب التاريخية أن الصباح كان يسيطر على اتباعه بمحو أدمغتهم وتفكيرهم، نتيجة حبهم له الناتج عن كاريزمته الشخصية، بجانب ما سمى بفردوس الحشاشين ـ نسبة إلى مادة الحشيش التى كان يدخنها اتباع الصباح، الذى كان يمنحهم مغريات لا يجدونها إلا فى أوصاف الجنة ـ فكان كل شيء لهم متاحًا فى فردوس الصباح، النساء والخمر وكل الملذات من الطعام والشراب، فكان رجاله ينفذون ما يؤمرون وهم مقتنعون بأن أرواحهم ستهيم فى الجنة، فلا مانع من أن تذهب فداء لأوامر إمامهم.
هذا المشهد الذى لا يستوعبه العقل فى العصر الحديث، جسده مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا، الذى بنى جماعة لا تقوم إلا على تبجيل وإعلاء مرشد الجماعة ومخلصها ومعلمها وهاديها من الظلمات إلى النور (وفق منظورهم) ولا يمكن أن نتجاهل كلمات سيد قطب منظر جماعة الإخوان والمرجع الأساسى لكل الحركات التكفيرية، وهو العارف بالتاريخ حينما سأل شقيقه محمد وهو عضو بالجماعة: كيف حال حسن الصباح بتاعكم؟ ـ فى إشارة إلى أن الرجل يسير على خطى حسن الصباح، وكان وقتها لم ينضم للجماعة.. ولسنا فى معرض الشرح لحالات الاغتيالات التى نفذها الإخوان فى مصر سواء القاضى أحمد بك الخازندار أو رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى فى نهاية أربعينيات القرن الماضى وصولا إلى هذه الأيام وما  تفعله هذه الجماعة الإرهابية بالتلاعب بعقول الشباب والجنة الموعودة لمن يقتل نفسه فى سبيل أفكارهم.
أمثال الصبّاح يتكاثرون بأسماء مختلفة، وتحت رايات إسلامية متنوعة، وفى أزمان متعددة، فمرة تجده حسن البنا، ومرة أخرى يكون أسامة بن لادن، أو حسن نصرالله، ومرة ثالثة تجده أبو بكر البغدادي، كلهم يتاجرون بالإسلام لإقامة سلطانهم وثرواتهم، مقتنعين أن عقيدتهم هى الصحيحة وما عداها كفر، والضحية فى النهاية هو الإسلام والمسلمون بل الإنسانية كلها.