الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

العلم.. والهوية الوطنية فى مزاد علنى

العلم.. والهوية الوطنية فى مزاد علنى
العلم.. والهوية الوطنية فى مزاد علنى




فليس الغرض من التعليم هو إعداد  أجيال من المهنيين ومديرى الدولة قدر ما هو بناء شخصية قادرة على الابتكار والقيادة والحفاظ على الأمة وتماسك بنيانها وسلامة مستقبلها
 لذلك فإن قيام الدولة «أى دولة من دول العالم )  بوضع استراتيجيات خاصة بالتعليم وتوجهه هو أمر حتمى وأساسى ولاشك أن  تحصين تلك الاستراتيجيات بقوانين تحمى هذه الاستراتيجيات هو أمر حتمى أيضا..
ولعل من أهم القوانين التى  صدرت فى مصر هى قوانين تنظيم الجامعات والذى لحقه أيضا قانون تنظيم الجامعات الخاصة وهى قوانين قديمة وليست بمستحدثه وهو ما يؤكد فطنة الحكومات المصرية المتعاقبة وإدراكها لدى أهمية العملية التعليمية وأبعادها..
 وليس بخاف على أحد أن التعليم هو من يشكل فكر وجدان الأمة وعناصرها لذا فإن القانون كان حريصا أشد الحرص على أن تكون الملكية للجامعات بشكل لمؤسسات لا تهدف للربح وألا تكون هذه المؤسسات شركات مساهمة أو ما على شاكلتها لأن هناك الكثير والكثير.
 فالعلم هو صانع المستقبل ومن ينظر الآن إلى ما يحدث فى مصرنا .
 مصر تمر بمرحلة هامة من تاريخها.. مرحلة أقل ما يقال عنها أن نتائج ما يحدث على أرضها الآن هو مقدمة لمستقبل  تصنعه الأحداث الحالية وهو ما يعنى أن ما وصلنا إليه الآن من تداعيات وأحداث وحوادث هو من صنع ماض ليس ببعيد..

فما يحدث  من تجاوزات على المستوى الوطنى والقومى والأخلاقى والاجتماعى هو نتاج العمل فى مرحلة من المراحل التى عاشها الوطن..
 فلو كانت (وآه من لو التى فتحت أبوابا لعمل الشيطان) منظومة التعليم لدينا منتظمة مهذبة القوام وأسس التربية تمت مراعاتها لما رأينا هذا الحشد من الإرهابيين ولا رأينا الخروج الأخلاقى فى الشارع ومواقع العمل وغيرهما..
 فالتعليم هو الأساس ومن خلاله تبنى الأفكار وترسخ القيم ويتم الحفاظ على هوية الوطن والمواطن..
 ذلك هو الأساس الذى تبنى عليه فلسفة التعليم فى مصر.. الحفاظ على قيم المجتمع وهويته لأن ذلك هو لب الأمن القومى الذى نسعى جميعا للحفاظ عليه، ولكن ما يحدث الآن فى عالم التعليم الجامعى الخاص هو اختراق صريح والتفاف حول القوانين وإهدار لأمن مصر القومى والوطنى
 القانون صريح
 فما حدث من بيع لثلاث جامعات خاصة لمستثمرين أجانب أو تحويلها لشركات مساهمة يتم تداول أسهمها فى بورصة الأوراق المالية هو اختراق للقانون المصرى وإهدار له.
 فالقانون صريح ويرفض تماما أن تتحول الجامعات لشركات مساهمة وفقا للقانون رقم 12 للعام 2009 الذى ينص على أن الجامعات يتم إنشائها بشكل عام كهيئات تعليمية غير هادفة للربح بعكس الشركات التى تهدف للربح ولها مدة قانونية معينة يتم بعدها تصفيتها أو الاستفتاء بين ملاكها على استمرارها أو تغيير نشاطها وهكذا وهو ما لا يتفق مع طبيعة عمل وكيان الجامعات التى تهدف إلى البحث العلمى وبناء وتنمية المجتمع..
 ولم يكن القانون رقم 12 لعام 2009 هو الأول من نوعه فى تاريخ التشريع المصرى..
 (فقد أكد مجلس الدولة فى فتواه الصادرة فى 2005/12/28أن القانون 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات قد أكد أن الجامعات تختص بكل ما يتعلق بالتعليم الجامعى والبحث العلمى الذى تقوم به كلياتها ومعاهدها فى سبيل خدمة المجتمع والارتقاء به حضاريا.
 وهكذا نرى بوضوح أن الغرض هو البحث العلمى وخدمة المجتمع والارتقاء به حضاريا.
 أما القانون رقم 101 لعام 1992 بشأن الجامعات الخاصة فقد نص صراحة وفى المادة الأولى منه على إنه :
 (يجوز إنشاء جامعات خاصة تكون أغلبية الأموال المشاركة فى رأس مالها مملوكة لمصريين ولا يكون غرضها الأساسى تحقيق الربح ويصدر بإنشاء الجامعات الخاصة وتحديد نظامها قرار من رئيس الجمهورية بناء على طلب جماعة المؤسسن وعرض وزير التعليم وموافقة مجلس الوزراء..)
 إذن عرض  وزير التعليم وموافقة مجلس الوزراء أساسية وتتم بعد الاطلاع على طلب المؤسسين وبحث هويتهم ومعرفة من هم وهل هم فعلا مهتمين بالعملية التعليمية بما لها من أبعاد وطنية أم لا..
 أما المادة الثامنة من نفس القانون (101 لعام 1992) فنصها
 تهدف الجامعة إلى الإسهام فى رفع مستوى التعليم والبحث العلمى وتوفير التخصصات العلمية الحديثة لإعداد المتخصصين والفنيين والخبراء فى شتى المجالات بما يحقق الربط بين أهداف الجامعة واحتياجات المجتمع المتطورة وأداء الخدمة البحثية للغير وعلى الجامعة أن توفر أحدث الأجهزة المتطورة).
وأوضحت فتوى مجلس الدولة أيضا نصا..
 (أجاز المشرع فى القانون رقم 101 لسنة 1992 إنشاء جامعات خاصة تكون أغلبية الأموال المشاركة فى رأسمالها مملوكة لمصريين ولا يكون غرضها الأساسى تحقيق الربح..).
 الأمر واضح هنا ولا يكون غر ضها الأساسى تحقيق الربح.. والقوانين كثيرة جدا وكلها تصب فى مسألة عدم جواز أن يكون الغرض هو تحقيق الربح حتى لا تتحول الجامعات والمعاهد الى دكاكين تجارية هدفها تعظيم ربحيتها واغتراف المال دون أى وازع أو رادع ضاريين بكل القيم والأعراف عرض الحائط..
 ويصبح التعليم والشهادات والمؤهلات متاحة على أرصفة الجامعات الخاصة لمن يملك مالا وتصبح الدرجات العلمية مجرد سلع يمتلكها من يدفع أكثر ويستعرض بدرجته العلمية دون أن يملك علما وفكرا وتصير فتاويه واجتهاداته محل تقدير العامة.
وربما يعمل  بهذه الفتاوى فتدمر المجتمع.. ناهيك أيضا إن كانت هذه الدرجات متاحة ومباحة فى تخصصات دقيقة كالطب فنجد أن الجاهل الذى يملك مالا يدمر صحة أبنائنا وشبابنا ويدمر  صحة الوطن معه..
 لا يمكن أبدا أن تكون الجامعات خاصة أو عامة حكومية أو أهلية تهدف إلى الربح.. الجامعة ليس لها إلا هدف واحد فقط لا غير..  هو بناء المجتمع)
 جامعات للبيع
 ومع ترسيخ فكرة أن الجامعات يجب ألا تستهدف الربح أصبح لزاما ألا تدخل الشركات أو البنوك (لأنها أيضا شركات مساهمة) فى ملكية الجامعات بأى شكل من الأشكال..
 وقد حاولت بعض الشركات من قبل المساهمة فى بعض الخاصة ولكن تم رفض طلبها ونذكر منها طلب شركة قناة السويس لتوطين التكنولوجيا الإسهام فى إحدى الجامعات الخاصة بمدينة 6 أكتوبر، ولكن طلب الشركة تم رفضه من قبل وزارة التعليم العالى ومجلس الجامعات الخاصة.
 وحسنا فعلت الجهات المسئولة برفضها هذا الطلب حتى لا نفتح بابا لمشاركة الشركات الخاصة والبنوك غير ذلك من الشخصيات الاعتبارية الهادفة للربح..
 ورغم هذا الرفض الذى كان قرارا مشرفا فوجئنا مؤخرا  بمن يهدر القانون ويلتف عليه متحايلا ويقوم ببيع عدد 3 جامعات خاصة لهيئات أجنبية أو مستثمرين أجانب..
 نعم أجانب.. كارثة بكل  المقاييس والأبعاد كيف تترك مقدرات تعليم أبنائنا فى أيدى أجانب وفكر  أجنبى وأجانب لا نعرف هويتهم ولا معتقداتهم ولا أغراضهم..  
 إن التعليم بشكل عام هو خط الدفاع الأول والأخير عن هوية الوطن فمن يضمن لنا أن هؤلاء الأجانب لن يأتونا بمعتقدات وعادات وأفكار غريبة تدمر هوية الوطن والمواطن خاصة وإن كان هذا المواطن شاب فى مرحلة التكوين الذهنى والعقلى..
 خطورة الشركات المساهمة
 وحتى الآن لا نعرف من هو المسئول عن هذا القرار ببيع 3 جامعات خاصة لشركات مساهمة وحتى لو افترضنا حسن نية هذه الشركات ووطنيتها إلا أنها شركات مساهمة ولا يمكن بالطبع أن نغض البصر عن مخالفة القانون والضرب به عرض الحائط فالقانون يمنع الشركات المساهمة والشركات الهادفة إلى الربح من امتلاك جامعات فما بالك أن تكون هذه الشركات شركات مساهمة اى أن أسهمها معروضة للبيع فى البورصة المحلية والعالمية ليتغير هيكل ملكيتها يوما بعد يوم وتصبح مباحة ومتاحة لمن يريد أن يمتلك ويتلاعب بأسعار الأسهم ويرفعها من أجل الاستحواذ على أغلبية تتيح له أن يسيطر على الجامعة من خلال ملكيته ليتحكم فى المناهج ويغير إياها ليدس ما يريد وما يشاء من أفكار هدامة تهدر قيم المجتمع.
 هل نترك أولادنا للغريب لتعليمهم ما يريد ومن يكون هذا الغريب ربما هو ألد الأعداء الذين يبنون قتل الإرادة وروح الانتماء للوطن ليصبح مستباحا لمن يشاء واستباحة الأرض والعرض
الأمر أخطر مما نتصور.. أنه أمر جلل.. ويحمل  فى طياته خطورة السيطرة على العقول والنفوس وتدمير القيم الروحية والمجتمعية لشعب لم يكن لديه ما يحمى به نفسه إلا قيمه ومعتقداته التى هى حصنه الحصين..
 من يدرى فربما تأتى شركات ذات توجهات دينية غريبة ومرفوضة أو شركات تديرها الصهيونية العالمية لتنهى تماما كل ما ربينا عليه أجيالنا السابقة بتسميم عقول أبنائنا ومستقبل بلادنا.
 آراء الخبراء
 وباستطلاع آراء بعض  خبراء التعليم الجامعى..
 قال الأستاذ الدكتور عبدالحى عبيد  رئيس المجلس الأعلى للجامعات الأسبق ورئيس جامعة حلوان الأسبق..
 وأحد المساهمين فى صياغة  قانون الجامعات الخاصة والأهلية.. أنه لا يجوز على الإطلاق للشركات المساهمة التى تم إنشائها لأغراض غير تعليمية أن تنشئ أو تساهم فى تأسيس الجامعات الخاصة والأهلية.. لأن غرض الشركات بشكل عام هو تحقيق الربح بشكل أو بآخر أما الجامعات الخاصة والأهلية فهى لا تهدف للربح وطبقا لقانون تنظيم الجامعات 12 لسنة 2009 لا يجوز لها أن تهدف إلى الربح
وأضاف د. عبيد أن شراء شركات أو بنوك للجامعات الخاصة أو المساهمة فى تأسيسها مع أنه مخالف للقانون وتحايل عليه فهو كارثة بكل المقاييس ويهدد  المنظومة التعليمية داخل تلك الجامعات لان المالك قد يتحكم فى الجامعة ومناهجها وسير العملية التعليمية بل وقد يعلى روح الربح على فكر وروح العلم.
 ويستمر فى حديثه قائلا.. الجامعات الخاصة بمجرد إنشائها وبدء الدراسة بها تتحول إلى شخصية اعتبارية مستقلة لا يستطيع ألأحد المساس بوجودها أو أعرقلة أدائها لرسالتها التعليمية ولا أرض نرصد الحراسة عليها فى حالة وجود نزاع قضائى ايا  كان لأن المشرع وضع فى اعتباره أنه فى حالة فرض الحراسة لا أحد يضمن شخصية الحارس القضائى أو توجهاته أو فكرة أو انتمائه لذلك أحتاط وجعل الجامعات الخاصة تدير أمورها المالية بنفسها من خلال مجلس الأمناء.
ومن ناحية أخرى قال الأستاذ الدكتور عز الدين أبوستيت أمين عام مجلس الجامعات الخاصة والأهلية..
أنه بأى حال من الأحوال لا يجوز تدخل الشركات الخاصة أو البنوك لأنها بوضعها القانونى أيضا شركات خاصة.
 وذلك لأن الشركات الخاصة أو المساهمة هدفها الربح ويجوز تصفيتها ويمكن أيضا إشهار إفلاسها لأنها كشركات رأس مالها يقدر  بما يملك من أموال وما لديها من أرباح وفوائض أما الجامعات ترأس مالها العلم والفكر والهدف الأسمى هو بناء  شخصية  المواطن ومستقبل الوطن.
ايضا تغيير شخصيات الملاك والمساهمين يتم بسهولة عبر بورصات الأوراق المالية والبيع والتخارج وإحلال مالك محل مالك وهو ما يعنى أننا لا نعرف هوية الملاك وهل هم وطنيين أم لا.. ولا نعرف لمن ستؤول الملكية مستقبلا وما أخطر هذه  المسألة..
 لذلك فإن لاستعلام يتم بقوة وبحرص شديد حول شخصية ملاك اى جامعة خاصة.
ففكرة ملكية الأجانب فكرة مرفوضة بكل المقاييس وامتلاك الشركات الخاصة والمساهمة لجامعات فكرة أيضا مرفوضة..
انتهى كلام الخبراء ولعل ما دار من حوارات واستعراض للموقف يذكر أننا يجب أن نكون جميعا على قلب رجل واحد من أجل الحفاظ على هوية مصر ومستقبلها وعدم الزج بعقول أبنائنا لتعبث بها أياد وعقول  لا نعرف توجهاتها.