«ليلة» تجربة جيدة وإبداع منقوص!
هند سلامة
مع بداية هذا العام كان الجمهور المصرى فى انتظار عودة تجارب المسرح الغنائى، والتى أعلن بالفعل عن بدء انطلاقها بأكثر من شكل وفى أكثر من تجربة مسرحية مختلفة، والتى كانت قد اختفت منذ سنوات طويلة أيام سلامة حجازى وسيد درويش وغيرهم من عمالقة الطرب والتلحين الذين قدموا علامات فى هذا المجال مثل أوبريتات «ألف ليلة وليلة»، «يوم القيامة» لبيرم التونسى، «العشرة الطيبة»، «شهرزاد»، «قيس وليلى» للموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب، إذن هذا الإبداع ليس جديدا على المسرح المصرى، لكنه توقف فى السنوات الأخيرة باستثناء محاولة المخرج والمؤلف نادر صلاح الدين تقديم عرض «براكسا» لتوفيق الحكيم على مسرح دار الأوبرا ونجح العمل فنيا لكنه لم ينجح جماهيريا.
اليوم يعيد المسرح المصرى النظر فى فكرة إعادة تقديم المسرح الغنائى بصيغ مختلفة وبدأت بالفعل تجارب جديدة ومتنوعة فى هذا المجال كان منها تجربة «تياترو ميوزيكال» التى أعلنت عنها شركة ايجو ميديا مؤخرا، ثم التجربة التى قدمتها مؤسسة القوى الناعمة للإنتاج الفنى بالاشتراك مع فرقة المسرح الغنائى المصرى وهى تجربة مسرحية «ليلة» للمخرج هانى عفيفى التى تم افتتاحها على مسرح الماركى الإسبوع الماضى بكايرو فيستيفال سيتى ويستمر العرض شهرا كاملا على خشبة مسرح الماركى.
«ليلة» قصة مسرحية بسيطة وليست حكاية درامية معقدة بل هى أشبه بقصص «سندريللا»، «الجميلة والوحش»، «آليس فى بلاد العجائب»، وغيرها من القصص الخيالية بسيطة الطرح الدرامى لكنها معقدة الصنع على المستوى الفنى، فاختار القائمون على العمل تقديم قصة بسيطة فى مقابل تطعيمها بخيال فنى ضخم، تدور قصة العرض حول قصة حب «ليلة» الفتاة الجميلة المحبوبة من الجميع والمكروهة من نظيرتها من الفتيات ونظرا لحقد أصدقائها عليها وعلى حبيبها يحاولون إفشال مشاعر الحب الصافية بينهما وتعكيرها عن طريق اللجوء إلى السحر والشعوذة، ثم ينتهى العرض بإنتصار الحب على أساطير السحر، نسج المخرج ومعه المؤلف والموزع الموسيقى من هذه القصة عمل مسرحى غنائى بمهارة وجودة عالية على مستوى الكتابة الشعرية والألحان والعزف الحى للأوركسترا بقيادة المايسترو محمد سعد باشا، حيث قدموا معا عمل شديد العذوبة والجودة بل والمتعة الفنية فيما يخص الكتابة الغنائية الشعرية والتأليف الموسيقى والذى يعتبر حجر الأساس لنجاح أى عمل مسرحى غنائى، فإذا كان الأساس قويا ضمن العمل نجاحه حتى وإن أخفق فى بعض العناصر.
من البديهى أن الأعمال الموسيقية الغنائية تعتمد بشكل أساسى على جمال وجودة أصوات المشاركين بها بل واستعراض هذه الأصوات كل حسب جودته مثلما يحدث تماما بعروض الأوبرا، وبالتالى قد يصعب مع توافر هذا العنصر بشكل قوى أن يتوافر فى الجميع عنصر الجودة بالتمثيل، وهو ما حدث فى عرض «ليلة» فجميع المشاركون مطربون محترفون، لكن من المهم أن يؤدى الممثل على أقل تقدير حتى لا يفقد العمل متعة إيقاعه والرغبة فى استمرار متابعته، فللأسف انتفى عنصر التمثيل عند الجميع تماما حتى على مستوى الأداء البسيط كان مفتعل وممل من البعض، ولم ينج من هذه الأزمة سوى عمرو كمال بدير وزهرة رامى الصديقان أعداء ليلة وحبيبها، وشادى عبد السلام فى دور عم جاد الله، فكان لزهرة حضور شديد على خشبة المسرح ولم تكن مجرد مؤدية لكنها قدمت شخصيتها على أكمل وجه ومعها بدير وربما ساهما فى ضبط إيقاع العمل كثيرا بالمشاهد التى ظهرا فيها معا، بينما فى المقابل لم يبذل المشاركون أى جهد بالتمثيل وانصب اهتمامهم على الغناء فقط، كما ذكرنا من قبل ليس من المطلوب فى هذه الأعمال مواهب تمثيلية خارقة لكن على الأقل كان من الأولى أن يهتم خاصة بطلى العرض بالأداء التمثيلى ولو على سبيل التجريب.
بالتأكيد مع جودة الكتابة الشعرية والموسيقى والألحان ثم الغناء لابد أن تجتمع عناصر الإبهار فى العرض المسرحى الغنائى الضخم والتى تتمثل عادة فى الإضاءة والملابس والديكور والتصميم الاستعراضي، وإذا نقص عنصر من هذه العناصر ينخفض حجم الإبهار المرجو فى هذه النوعية من العروض، كانت الملابس لمصصمة الأزياء منى التونسى واختيار ألوانها موفقة للغاية وكذلك كانت الإضاءة والديكور لمصمم الديكور والإضاءة حازم شبل الذى اعتمد على أكثر من منظر منهم الحى الذى تسكنه ليلة، ثم ديكور بروفات المسرحية التى تشارك بالتمثيل فيها، وديكور بيت الساحرة ووفق شبل فى تحقيق هارمونى ومزج عناصر الصورة معا فخرجت وكأنها وحدة واحدة، لكن تبقى أزمة أحدثت خللا فى اكتمال عناصر الإبداع بهذا العرض، وهى أزمة التصميم الاستعراضى لداليا فريد، فإذا كان تراجع الموهبة التمثيلية لمعظم المشاركين خطأ وارد من الممكن تجاوزه إلا أن غلطة الإخفاق فى التصميم الإستعراضى لهذه النوعية من العروض لا تغتفر، لأنه أحد أعمدة وقوام الأعمال المسرحية الغنائية الضخمة، فهذه الأعمال ترتكز فى بنيتها الرئيسية على الإبهار البصرى والاستعراضى وإذا اكتملت الصورة ولم يكتمل الاستعراض أصبح هناك شيئا ناقصا ومتعة مفقودة، فجاء التصميم الاستعراضى فى كل مشاهد العرض ضعيف وهزيل للغاية لا يناسب عمل مسرحى غنائى استعراضى بهذا الحجم، وكان أشبه بإستعراضات الأعمال المسرحية التقليدية، وليس عملا من المفترض أنه كلف صناعه الكثير على المستوى الصناعة الفنية والتكلفة المادية فكان من الأولى الاهتمام بكل عناصره بشكل أدق مما جاء عليه فأنت أمام خطوة جرئية على مستوى الإنتاج والضخامة الفنية، وتجربة مسرحية جادة وجيدة افتقدنها طوال السنوات الماضية كادت أن تكتمل عناصرها لولا ما شابها من نقصان!
شارك فى بطولة العرض فى دور ليلة سالى سامسون ويبادلها نفس الشخصية إيمى فريجة، زياد الشريف حبيبها، ناتالى ميخائيل فى دور الساحرة وتبادلها الدور داليا فريد، زهرة رامي، هنا غنيم، عمرو كمال، عادل زين، سلمى طارق، ايهاب شاوى، شادى عبد السلام، إسماعيل السوخرى، محمد حسن، روبير أمير، طارق نصار، محمد خلف، حسين حجاب، نادين بريمر، قيادة أوراكسترا المايسترو محمد سعد باشا بالاشتراك مع أوركسترا النيل السيمفونى نص وموسيقى وألحان إبراهيم موريس، توزيع موسيقى عمرو شاكر، بالاشتراك مع فرقة المسرح الغنائى التى أسسها إبراهيم موريس عام 2016 بهدف تقديم مسرح غنائى مصرى يجمع بين أصالة هذا الفن فى مصر ويستلهم تجارب سيد درويش، وجدير بالذكر أن مؤسسة القوى الناعمة أسستها الدكتورة منى زكى خبيرة التخطيط الإستراتيجى مع ابنتيها داليا فريد وللى فريد بهدف إحياء الفن الراقى لتفعيل دور المجتمع المدنى فى نشر الفن وتشكيل الوجدان وإثراء الساحة الثقافية والفكرية بالإضافة إلى اكتشاف المواهب الموسيقية والغنائية ودعمهم بإنتاج أعمال متميزة وتطويرها كما تشارك الشركة فى إنتاج الأعمال المسرحية الغنائية لعرضها فى مصر والعالم.