الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

سيناء وسنوات الإهمال

سيناء وسنوات الإهمال
سيناء وسنوات الإهمال




إلهام رفعت تكتب:

لا يمكن بأى حال أن ننكر أنّ ما حدث ومازال يحدث فى سيناء الحبيبة هو محصلة سنوات طويلة من الإهمال، لقطعة غالية على كل المصريين، رويت بدماء أبنائنا ومازالت.
سنوات طويلة اكتفينا خلالها بالاحتفال والتغنى بغلاوة تلك البقعة من أرض الوطن، فى يوم اعتبر عيدا قوميا وإجازة رسمية لجميع العاملين فى الدولة، وتصريحات بضرورة البناء والتعمير والتنمية، فقط، ثم تعود «ريما» لعادتها القديمة وتبقى آفة حارتنا النسيان  ونلقاكم فى العام المقبل للاحتفال بنفس الطريقة، وهكذا أكثر من ثلاثين عامًا من الإهمال والتجاهل اللذين أنتجا إرهابا غير مسبوقا، راح ضحيته شهداء من الجنود والمدنيين، وخاصة الاقباط، لإثارة الرعب والفزع.
ويرى كريم كمال، الباحث فى الشأن السياسى والقبطى، أن الإرهاب يستهدف الوطن ولا يفرق بين مسلم ومسيحى، لأن هدفه هدم الأوطان وأن ما يتعرض له الأقباط فى العريش جزء من مخطط الجماعات الإرهابية لإحداث حالة من السخط بين الأقباط على الدولة، من خلال استهداف الأقباط والقيام بعمليات قتل بشعة ضد عدد منهم فى العريش، والتى أدت إلى استشهاد عدد من الأقباط، مؤكدا أن الإرهاب لن يستطيع الانتصار على الشعب المصرى الذى يعرف عدوه الحقيقى ويقف على قلب رجل واحد ضد هذا العدو.
وحول مطالبة البعض بتأمين الأقباط فى العريش قال «كمال»: «من المستحيل ان يتم تأمين كل مواطن فى شمال سيناء، فى ظل حالة الحرب ضد الارهاب، والتى قدّم ايضا الجيش المصرى العظيم عددًا كبيرًا من الشهداء خلالها من أجل تطهير هذه البقعة الغالية من أرض مصر من الإرهاب والإرهابين، من خلال عمليات ناجحة استطاعت القضاء على أغلب البؤر الإرهابية فى سيناء حتى الآن».
وأضاف «كمال» أنه ضد التهجير، ولكنه مع الانتقال المؤقت لمن يريد من الاقباط الى احدى المحافظات المجاورة حتى تنتهى الحرب الدائرة على الإرهاب فى شمال سيناء، والتى ستنتهى فى القريب العاجل.
ومن زاوية أخرى يرى عبدالرحمن محمود عبدالرازق، الباحث الإسلامى، ان ما يحدث فى سيناء مخالف للأديان السماوية، وضد حقوق الإنسان، فالإسلام قد كفل الحرية لغير المسلمين فى التعبير عن دينهم من ضوابط الحرية الدينية، وكذلك عدم الاعتداء على النفس والأموال وأماكن العبادة، كما ترك الإسلام الحرية لهم فيما أباح لهم دينهم من حرية فى المأكل والملبس فيما يتناسب مع قواعد المجتمع والنبى (صلى الله عليه وسلم) ترك مسجده عندما أتى له وفد نصارى نجران، وحان وقت صلاتهم ترك لهم المسجد لإقامة صلاتهم. ويضيف «عبد الرازق» أن سبب نزول قوله تعالى فى سورة البقرة «لا إكراه فى الدين» أن رجلا من الانصار من بنى سالم بن عوف يقال له الحصينى، كان له ابنان نصرانيان وكان رجلاً مسلمًا فقال للنبى (صلى الله عليه وسلم) ألا استكرهتهما فقد أبا إلا النصرانية، فانزل الله فيه ذلك وقوله تعالى فى سورة الممتحنة «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم» والمعنى أن الله سبحانه وتعالى نهى المسلمين الا يعتدوا على غير المسلمين وهم يسكنون معهم ويبادلونهم السلم والسلام، بل أمرنا أن نقسط إليهم ونبرهم ونودهم بالتراحم والرحمة.
ويقول الأسقف يوحنا أسقف نقيوس، فى كتاب له عن تاريخ الكنيسة، إن عمرو بن العاص لم يضع يده على شىء من ملك الكنائس، بل انه حفظ الكنائس وحماها إلى آخر مدة من حياته، وقال البطريرك عيشوبانة المتولى من سنة ٦٤٧م إلى سنة ٦٥٧م ما نصه، ان العرب المسلمين الذين مكنهم الرب من الأرض يعاملوننا كما تعرفون، فانهم ليسوا أعداء النصرانية بل يمتدحون ملتنا ويوقرون قديسنا ويمدون يد العون إلى كنائسنا.
ويؤكد «عبدالرازق» أن النقطة المهمة أن النبى عندما هاجر من مكة إلى المدينة أقام مع اليهود معاهدة تسمى بالصحيفة، وذلك مع اليهود الذين أنكروا رسالته وشروطها أن يهود بنى عوف أمة من المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصح والنصيحة وأن من خرج منه فهو آمن، ومن قعد بالمدينة فهو آمن، والنقطة المهمة التى يجب أن يعلمها الجميع كما يرى الباحث عبدالرحمن عبدالرازق أنه لا توجد جماعات فى الإسلام، بل الإسلام دين الأمة الواحدة، والجماعة الواحدة، وهذا كان واضحا فى قوله تعالى «واعتصموا بحبل الله جميعا».
 ويختم عبدالرازق كلامه بمقولة  لعالم الاجتماع الفرنسى جوستاف لوبون: «إن العرب المسلمين هم أول من علموا العالم كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين».
من المؤكد أن ما حدث ويحدث فى سيناء هو حصاد سنوات الإهمال بعد أن سال الدم المصرى من أجل تحرير ترابها، نسيها مبارك ونظامه أو تناساها وأهلها، ليعشعش فيها الإرهاب والتطرف، بعيدا عن سطوة الدولة، وما يحدث الآن هو المعركة الأخيرة بين الدولة والإرهاب، الذى آن أوان اقتلاعه من جذوره، فهل نحن جادون؟