الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«روزاليوسف» تعايش إشكالية التواصل بين ناطقى «البجى» وناطقى العربية

«روزاليوسف» تعايش إشكالية التواصل بين ناطقى «البجى» وناطقى العربية
«روزاليوسف» تعايش إشكالية التواصل بين ناطقى «البجى» وناطقى العربية




كتب - إسلام أنور


فى الأول من شهر مارس هذا العام، انطلقت جولة جديدة من فعاليات «مسرح الجرن» للتنمية الثقافية، الذى تنظمه الإدارة العامة لثقافة القرية التابعة لهيئة قصور الثقافة فى 8 قرى بمحافظات أسيوط وقنا وجنوب سيناء والإسماعيلية والفيوم والمنوفية والدقهلية والبحر الأحمر «حلايب وشلاتين».
وأشار الأديب حمدى سعيد، مدير عام الإدارة العامة لثقافة القرية، إلى أن مشروع «مسرح الجرن» موجه للقرى الأكثر احتياجًا، ويستهدف تنمية واكتشاف وصقل قدرات تلاميذ المدارس المشاركة، واستخدام الفن كوسيلة للتعبير والتواصل وإدراك الذات والاستمتاع بالحياة، ولذلك يحظى المشروع بدعم مادى كامل من الهيئة العامة لقصور الثقافة، التى تبذل مختلف السبل لأجل إنجاحه، وذلك من خلال التنسيق مع وزارة التربية والتعليم والتى تقدم التسهيلات اللوجستية المختلفة للإيمان بتلاقى الأهداف المشتركة. يتضمن «مسرح الجرن» ثمانى أنشطة رئيسية وهى المسرح والشعر والقصة والحكايات الشعبية والموسيقى والفن التشكيلى والألعاب الشعبية والعرائس، يتم تدريب أطفال المدارس عليها، تحت إشراف المخرج أحمد إسماعيل.
روزاليوسف فى شلاتين
وفى هذا السياق تصحبكم «روزاليوسف» فى جولة للتعرف على أنشطة «مسرح الجرن» فى مدينة «شلاتين»، من واقع مصاحبة «لجنة المتابعة الأولى»، التابعة لهيئة قصور الثقافة والتى تتكون من كل من عمرو حمزة المشرف على النشاط الفنى، ومحمد بركات المشرف على أنشطة الألعاب الشعبية، ومحمود فضيل المشرف على نشاط الحكايات الشعبية.
بعد رحلة سفر طويلة، امتدت لأكثر من 15 ساعة، وصلنا مدينة شلاتين التى تبعد 1200 كيلومتر جنوب القاهرة، تجمع المدينة بين بعض مظاهر الحداثة والحياة العصرية من خلال بعض مبانى الهيئات الحكومية والبنوك، وما بين حياة البدو والصحراء حيث الخيام والرعي، فسكان ينقسون لفئتين وافدون وهم موظفون وتجار وأصحاب بعض الحرف الذين ذهبوا للعمل فى شلاتين، والفئة الأخرى هى القبائل حيث يعيش فى شلاتين ثلاث قبائل رئيسية هم العبابدة والبشارية والرشايدة.
يعتمد سكان المدينة على نشاط تجارة الجمال ما بين مصر والسودان، بالإضافة إلى رعى الأغنام المنتشرة فى قراهم إلى جانب الصيد حيث تطل المدينة على سواحل البحر الأحمر، وهناك بعض الفئات تعمل فى التنقيب عن الذهب والمعادن فى الجبال القريبة حيث يوجد منجم السكرى والعديد من الجبال الغنية الثروة الطبيعة، وهى تجارة غير مشروعة لكنها تحقق ربحاً سريعاً وكبيراً.
هذا التنوع السكانى وفى النشاط الاقتصادى نرى ظلاله فى المدرسة حيث إن جزءاً من الطلبة هم أبناء للوافدين وجزء آخر من أبناء القبائل الذين لهم لغتهم الخاصة وهى لغة «البجى»، ومن أكثر الصعوبات التى تواجهها المدارس فى شلاتين هى تعليمهم اللغة العربية، التى يكتسبها الطلبة من خلال الممارسة والحوار مع المعلمين والمعلمات والطلبة الوافدين لكنهم يظلوا يجدون صعوبة فى كتابتها.
تحتوى المدرسة على ثلاث مبان كبيرة، تتضمن طلبة من كافّة المراحل الدراسية الابتدائى والإعدادى والثانوي، وكجزء من تشجيع الطلبة وعائلتهم على الالتزام بالتعليم يصرف لكل طالب خمسة جنيهات فى اليوم نظير حضوره للمدرسة، يوجد بالمدرسة ملعب جديد من النجيل الصناعي، لكنها تفتقد لأدوات الموسيقى وللأدوات التكنولوجية، بالإضافة لمشكلة كبيرة فى المياه، حيث يضطر الطلبة للشرب من برميل بلاستيك، معرض للأتربة والمكروبات.
على مدار يوم دراسى كامل شارك نحو 60 طالباً وطالبة فى مجموعة من الأنشطة المتنوعة، فى هذا السياق.
ويقول عمرو حمزة، فنان العرائس والمشرف على النشاط الفني: «نهتم فى النشاط الفنى بتقديم مجموعة من الفنون منها فن الحكى والمسرح، فمن خلال حكايات الأطفال وواقعهم المعاش بنعمل على إنتاج نص مسرحي، يقوم الأطفال بالتدريب على كافّةً مراحل إنتاج العرض، بداية من الكتابة والتأليف، مرورًا بالتمثيل والإخراج وعمل الديكور وتوزيع الأدوار بينهم، بالتوازى مع النشاط الفنى يقوم الباحث التراثى محمود عبد الفضيل بتدريب الطلاب على مهارات الحكاية الشعبية، مع الحرص على جمع وتدوين هذه الحكايات ويساعده فى هذه المهمة السيدة آمنة إمام، وهى واحدة من سكان شلاتين إلى تعرف اللغة العربية جيدًا وكذلك لغة «البجي»، وتقوم بترجمة ومساعدة الأطفال فى تدوين معظم قصصهم التراثية التى يرونها بلغة «البجي» إلى اللغة العربية».
وحول مراحل العمل على هذا المشروع أشار محمود عبد الفضيل، إلى أن هدف المشروع هو ربط حاضر الطلاب بماضيهم والحفاظ على تراثهم، خاصة أن لغة «البجي» لغة شفاهية وليست مكتوبة، لذلك نحرص على أن يتواصل الطلاب مع أهاليهم وأجدادهم ويجمعون منهم هذه الحكايات، ثم يتم تدوينها، وتتنوع هذه الحكايات بين حكايات خرافية وحكايات واقعية، ومعظمها تدور حول القيم والمبادئ التى تسعى لتنشئة الأطفال بصورة تربوية جيدة، ومن أبرز هذه القصص قصة «الثلاث أخوات والدجاج» و«أمونه» و«جحا» و«أبو بالين كداب»، وكل واحدة منها تعكس بيئة الأطفال وتظهر فيها مظاهر الحياة وخصوصيتها من فكرة الرعى والترحال والآبار والصحراء مع الحديث عن قيم الصدق والكرم والحب بالإضافة للتحذير من عواقب الظلم والطمع والسرقة.
من جانبه أشار محمد بركات، المشرف على أنشطة الألعاب الشعبية، إلى أن أطفال شلاتين وتلاميذها يعيشون حياة بسيطة لم تنتشر فيها الأجهزة الإلكترونية وألعاب الكمبيوتر كما فى المحافظات الأخرى، فضلًا عن وجود مساحات وأراضى فضاء شاسعه تشجعهم على الجرى وممارسة الألعاب الشعبية، وأوضح بركات أنه تم العمل خلال الجولة مع 27 تلميذاً وتلميذة من مدرسة شلاتين الإعدادية ومارسوا ألعاباً مثل «الجمل جمال» وهى لعبة تمارسها أكثر من فتاة عبر تأدية حركات تشبه طريقة حركة الجمل مع إيقاع موسيقى وغنائي، ومن خلال تلك الحركات يتم صناعة أشكال هندسية عبر تداخل الأجساد وتشابك الأيادي، وهناك العديد من الألعاب الأخرى مثل لعبة «عساكر واقفة»، وهى عبارة عن لعبة تدريب التلاميذ على القفز، بالإضافة إلى لعبة «همبوبتت» وهى لعبة شعبية من شلاتين وتعتمد على التدافع بين التلاميذ لإبراز قوة وقدرة كل منهما على الاتزان.
وعقب انتهاء اليوم الدراسى اختتمت الجولة فى شلاتين بزيارة قصر الثقافة، وحضور ورش تدريب على العروض الشعبية يشارك فيها عشرات الطلاب والطالبات، ورغم المجهود المبذول ماتزال هناك العديد من التحديات التى تواجه العمل الثقافى فى شلاتين، من أبرزها البيئة المحافظة للسكان والتى ترى فى الثقافة فعلاً منحلاً، بالإضافة للفقر الشديد للسكان، مع منهجية الثقافة المركزية التى تنطلق من القاهرة لتفرض سياقها ورؤيتها دون النظر لاحتياجات وخصوصية كل مكان، وفى هذا السياق يشعر أهالى شلاتين بأن تلك الأنشطة لا تمثلهم ولا تعبر عنهم، فقط هناك مجموعة من الموظفين الحكوميين الذين يعملون فى شلاتين وهم يشعرون بالغربة أيضا ويريدون العودة لمحافظاتهم لكنهم يقبلون بهذا العمل بحثًا عن زيادة فى الدخل تساعدهم على صعوبات الحياة الاقتصادية، ولذلك تبدو الثقافة وسط كل تلك التعقيدات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية تائهة وعاجزة عن ممارسة دورها الحقيقى فى مساعدة تلاميذ شلاتين على التعبير عن مجتمعهم والبحث والاكتشاف وإطلاق العنان لخيالهم.