الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

سبع معالجات تشكيلية لـ«هو» فى معرض «كلمات»




الأمة العربية هى أمة «الكلمة»، وفنون الخط العربى من أبرز تراثها، بعض هذه الفنون وتطورها عبر العصور، نجده فى معرض «كلمات» الذى افتتح الأحد الماضى بجاليرى «6» للفنون المعاصرة بالزمالك، حيث اعتمدت عايدة الترعى منظمة المعرض ومديرة الجاليرى فى الجمع ما بين الخط الكلاسيكى بالريشة والحبر وبين الخط المرسوم أو المعالج بحلول ووسائط تشكيلية وأيضا خط الشارع أو الجرافيتي،  
من أكثر ما يميز العرض استضافة سبعة أعمال للراحل صلاح طاهر التى اشتهرت بأنها معالجات تشكيلية متنوعة لكلمة «هو» بأحجام متوسطة تتلخص فيها إمكانيات طاهر الفنية عبر تاريخه الفنى الطويل.

ففى كل عمل من الأعمال السبعة أو المعالجات السبع قدم طاهر رؤية مختلفة سواء فى تجريد الحرف وتحرره من النسق الكلاسيكى وقواعد كتابة كل حرف مع حفاظه على روح الخط فحرف «الهاء» يحافظ فيه على خطوطه الدائرية الملتفة حول نفسها، رغم أنه فى بعض الأعمال قد كسر هذه الانحناءات وحولها لخطوط ذات زوايا حادة ومتكسرة، لكنه حافظ على الإحساس العام والخط الأساسى المكون لشخصية الحرف، كذلك اللعب بالألوان كان له دور مهم فى تأكيد الحلول التشكيلية المتنوعة للكلمة.

الميزة الأخرى للمعرض أن الترعى لم تحدد ركناً لكل فنان بل أرادت دمج الأعمال باتجاهاتها المختلفة معا بحيث يتحقق لدى المشاهد المتعة البصرية الثرية دون عقد مقارنات ما بين الأعمال بل الاستمتاع بالحالة الفنية المتنوعة للخط العربى فنجد اختلاط الأساليب المختلفة وتجاورها معا فى انسجام لقيامها على فكرة واحدة متنوعة التجليات، عبر كل من مصطفى عمرى ومحمد حسن وأحمد فهد المدرسة الكلاسيكية فى الخط العربى ربما كان حسن أكثرهم حفاظا على الشكل الكلاسيكى للوحة الخط مع اعتماده على الخط الفارسى بتنوعاته الذى يعد من أصعب الخطوط، فقدم نحو أربعة أعمال عالية التقنيات والجودة مؤكدا حرفيته الشديدة فى إجادة الكتابة بالخط الفارسى مع استعماله لبعض الزخارف الفارسية المذهبة أيضا فى عمل آخر استخدم شكل حرف «الباء» متكررا ومكتوبا فوق بعضه البعض تجسيدا لفكرة الطبقات المتداخلة معا وكان مقتربا منه بشدة أو حسب لغة التصوير الفوتوغرافى استخدم أسلوب focus على الحرف ليعطى الإيحاء بأنه خصلات شعر عذراء متطاير يخترقها بحدة موتيفة زخرفية تم تفريغها من الداخل وكأنها نحتا غائرا فى اللوحة.

من نفس مدرسته الكلاسيكية أيضا مصطفى عمرى الذى تنوعت وسائطه مابين الرسم والحبر وبين الحفر على الخشب، ففى أعماله الملونة مزج ما بين الجمل المفهومة المكتوبة بالخط الكلاسيكى وبين الحروف المنتقاة بهدف تشكيلى فى المقام الأول كخلفية ملونة من الحروفيات معتمدا فيها على الحروف الحلقية والهوائية لما فيها من خطوط مرنة ومفتوحة فيها براح وانطلاق، أما حفره على الخشب فكان تشكيليا بحتا دون اهتمام بكتابة جمل محددة بل حفر حروفيات متنوعة معتمدا على اللعب بالغائر والبارز فى الحفر محققا التضاد فى الإضاءة ما بين المضىء والمظلم.
أحمد فهد وازن ما بين الكلاسيكية والتشكيلية معتمدا فى ذلك على اختياره لعبارات ذات مغزى ومعنى مثل « الحب من شيم الكرام» ونجد أنه قد استخدم كلمة الكرم ومشتقاتها فى أكثر من عمل فكان كتيمة لأعماله، مدخلا جملة فى تكوينات دائرية أو هرمية بحسب العبارة وما توحى به مستغلا الورق ذى اللون البيج والكتابة باللون البنى المقترب من لون الطين مع ادخاله للون الأحمر ولكن بحذر فى أحد المواضع من اللوحة وكأنها بقعة مضيئة لشد الانتباه.
على الجانب الآخر اتخذ عثمان أندرو يونج الاسكتلندى الجنسية شكلا مغايرا للتعبير بالخط العربي، حيث قدم لوحات فيها روحانيات وصوفية تأخذ المشاهد لعالم فانتازى وكأنه فى حلقة ذكر يدور مع لاعب التنورة أو المولوية، فكانت ألوانه فى الدرجات اللونية الهادئة جدا التى تقترب نوعا من درجة الأبيض، واستخدم الأحرف النورانية مثل «حم» و«عسق» و«كهيعص» فهو لايهتم بفكرة توصيل رسالة أو عبارة ما.. بل يريد من المتلقى أن يتفاعل مع العمل ككل والدوران معه فى فلكه الخاص ضاغطا على تيار الوعى لدى المتلقي، وكأنه نوع من العلاج النفسى الذى يقوم على الفن.

أما خط الشارع فقدمه الفنانان إبراهيم سعد وعمار أبوبكر، فقدم عمار أبو بكر عمله الجدارى تحت عنوان «القرآن صوت الثورة وشاهدها المقدس» وهو جزء من الجرافيتى الذى رسمه على جدران شارع محمد محمود ليصور أو يعبر عن مخطط التحام الأمن مع الملتحين، الذى ضمنه بعضاً من آيات القرآن الكريم بهدف محو الصبغة الدينية التى يحاول من هم ضد الثورة صبغها بها، مستعينا ببعض من الصور الساخرة التى يتم نشرها على الفيس بوك، مستخدما نفس تقنية الجرافيتى فى الألوان الزاهية اللافتة للنظر مع تلخيص التفاصيل والسرعة فى التنفيذ وإخراج العمل.

أما إبراهيم سعد فقدم العمل مقسما فى أربع لوحات مربعة المساحات كان شعارها «أدخل كلمة ملائكة فى جملة» التى يعبر بها عن شهداء ومصابى الثورة، يبحث دائما فيما تحمله النفس الإنسانية من مشاعر مختلطة تنعكس على الرؤى المرتبكة فيخلق عملا هو الآخر فيه من هذا الارتباك والتوتر الداخلى ربما يستطيع كلاهما ترتيب الآخر بشكل ما يساعد هذه النفس المتوترة على ترتيب أفكارها واكتساب حالة من السلام النفسى والصفو.