الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الاستقرار والاستقطاب يجهضان دستور مصر




استضاف معهد بروكنجز بالدوحة ندوة حول صياغة الدستور المصرى الجديد تحت عنوان «صياغة الدستور: تعريف مصر ما بعد الثورة» أدارها سلمان شيخ (مدير معهد بروكنجز بالدوحة)، وتحدث بالندوة كل من عمرو دراج، الأمين العام للجمعية التأسيسية المصرية ورئيس لجنة العلاقات الخارجية فى حزب الحرية والعدالة، والسفير هشام يوسف، مساعد الأمين العام للجامعة العربية ورئيس الحملة الرئاسية لعمرو موسى، وحسام بهجت، المدير التنفيذى للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

ركز عمرو دراج خلال حديثه على إيجابيات عملية صياغة الدستور، واصفا الدستور بأنه «ثمرة الثورة المصرية». وأضاف أن هذه أول مرة يشعر فيها المصريون بأنهم يلعبون دورا فى تشكيل دولتهم، منوها إلى أنه تأكد من تقديم الشكر إلى كل شخص قدم فكرة أو اقتراحا للجمعية التأسيسية لصياغة الدستور المصرى الجديد.

وأقر الأمين العام للجمعية التأسيسية بأن عملية إصدار مسودات جديدة ومعدلة للدستور «قد تكون محيرة بعض الشيء»، لكنه وصف ذلك بالـ«أمر طبيعي» الذى يحدث عادة تحقيقا للشفافية والنزاهة. وقلل دراج من أهمية قضية التشكيك فى تشكيل الجمعية، قائلا: إنه جرى التغلب على هذه المسألة.

وأبدى اعتراضه على مسألة تصنيف أعضاء الجمعية إلى «إسلاميين» أو «مدنيين»، قائلا: إنه لا يعتبر نفسه «إسلاميا» فحسب، بل «ليبراليا» أيضا. وأعرب عن رفضه تطبيق الفكرة ذاتها على الدستور، معبرا عن استغرابه من اختزال الإسلام فى المادة الثانية للدستور ومواد قليلة أخرى، وكأن الإسلام لا يتضمن شيئا بشأن حقوق الإنسان ومكافحة الفساد.

ومن ناحية أخرى، أشار إلى أن هناك تباينا فى الآراء داخل الجمعية، مشيرا إلى أنه قد يوافق الأعضاء الإسلاميون وغير الإسلاميين على مادة معينة داخل الجمعية، ثم يدعون فى الإعلام أن نفس المادة ستكون «كارثية» أو «ستعود بمصر إلى العصور الوسطى».

وبحسب دراج لم يكن ثمة خلاف يذكر حول «أركان» الدستور، فكافة المصريين (الإسلاميين وغير الإسلاميين على حد سواء) متفقون ـ على حد قوله ـ على أن مبادئ الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريع، وعلى ضرورة صون الحريات الفردية إلى أقصى حد ممكن، وتقسيم السلطات بين الرئيس ورئيس الوزراء.

وفى ختام حديثه، قال دراج: إن هدفه هو إخراج أفضل دستور ممكن بأقصى قدر من الإجماع، مؤكدا أن عمليات الحظر الممكنة للتعديلات الدستورية لمدة خمسة أو عشرة أعوام قد ألغيت، ومشددا فى الوقت ذاته على ضرورة تقدم مصر من أجل تحقيق الاستقرار السياسى والاقتصادى.
من جانبه، أبدى السفير هشام يوسف أسفه على جو «الاستقطاب العميق» الذى يحيط بعملية صياغة الدستور، وأكد أن النهج المتبع فى كتابة الدستور كان ينبغى أن يكون مختلفا منذ البداية؛ فقد كان ينبغى ـ من وجهة نظره ـ أن يتميز بالمصالحة وليس المواجهة، وبالتضمين وليس إقصاء المعارضة، وبالإجماع، بدلا مما يبدو الآن فرضا للآراء.

وبدون ذكر قوى بعينها، أعرب يوسف عن استيائه من جماعات عمدت إلى تمرير الدستور «بأية وسيلة»، معتقدة أن أغلبيتهم سمحت لهم بالتحرك فى هذا الاتجاه المفضل لديهم.

ولخص السفير القضايا الرئيسية التى يجب على الدستور أن يتضمنها، منها تعريف الهوية الوطنية، وتوضيح حقوق الشعب وحرياته، وإقرار تقسيم السلطات الذى يشمل مبدأ المراقبة والتوازن، وهى كلها نقاط يرى أنها سقطت من الدستور.

 وأبدى يوسف ثلاث ملاحظات أساسية على عملية صياغة الدستور، وهي الملاحظة الأولى: أن الدستور يكتب فى سياق من النزاع بين مؤيدى الشريعة ومعارضيها.

الملاحظة الثانية: أن الوقت ليس كافيا؛ فصياغة الدستور عملية طويلة ومعقدة تتطلب دقة ووضوحا واتساقا، من وجهة نظر السفير الذى نوه إلى أن ثمة نقاش على مستوى المجتمع حول حقيقة عدم كفاية الوقت لمناقشة الوثيقة فى الجمعية التأسيسية، وإلى أن بعض المقربين من جماعة الإخوان المسلمين يعتقدون أن الدستور لن يكون محكما بما فيه الكفاية.
 الملاحظة الثالثة: حول شيوع شعور بخلط الأمور خلال عملية صياغة الدستور. فبالرغم من اتفاق يوسف مع دراج فى الرأى بشأن شفافية العملية، إلا أنه قال إن التدفق السيئ للمعلومات أفضى إلى اهتمام المصريين بمواد معينة، ليكتشفوا فى النهاية أنها ألغيت بالفعل من مسودة لاحقة. ولعل الأمر الأكثر ضررا، على حد وصف السفير، هو أن الكثيرين ينحازون للرأى القائل بأن الدستور فى شكله الحالى لا يعكس روح الثورة.

وعلى النقيض مما قاله دراج، أشار يوسف إلى أن ثمة خلافات أساسية بين أطراف تتضمن قضاة مصر، والجماعات النسائية، والعسكريين، والليبراليين، حول الشريعة، وحرية العبادة، وحقوق النساء، ومسائل تتعلق بتحقيق التوازن بين السلطات.

وقال إن الدور الرقابى الجديد لعلماء الدين بالأزهر، ودور الجيش الذى اختلف قليلا عن وثيقة المبادئ الدستورية (التى طرحها نائب رئيس الوزراء الأسبق على السلمى    فى نوفمبر 2011) كانا من ضمن القضايا المثيرة للقلق أثناء عملية الصياغة.

وأبدى حسام بهجت اعتراضه على وصف دراج للدستور ونهج التعامل معه بأنه «دواء مر يجب ابتلاعه باسم الاستقرار». وأكد أن الدستور يمثل خطوة رئيسية فى التحول الديمقراطى فى مصر، وأن عملية الصياغة ستحدد شرعية الرئيس محمد مرسي. لذا شدد على ضرورة منح العملية الوقت الذى تحتاجه.

وعلى الرغم من شعوره بخيبة الأمل من انعدام فرصة للنقاش الوطنى حول الدستور، فإنه أعرب عن سعادته بشأن اقتناع حزب الحرية والعدالة والرئيس مرسى بأن المأزق الدستورى يمثل أزمة متصاعدة. ونوه إلى أن الاجتماعات لم تطرح سبيلا حتى الآن للخروج من تلك الأزمة.

 كما شجب عملية صياغة الدستور، مشيرا إلى أنه يعتريها «سوء إدارة شديد»، وتعقب عملية تشكيل الجمعية أولا من خلال فشل البرلمان المصرى فى وضع معايير موضوعية لاختيار أعضاء الجمعية، ثم بعد ذلك من خلال «نقطة التحول المؤسفة» التى تمثلت فى وساطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتقسيم الأعضاء بين الإسلاميين وغير الإسلاميين بنسبة 50-50.

وقال بهجت إن العملية كانت فى هذه اللحظة بمثابة «كسر لا يمكن جبره»، نظرا لاستيلاء حزب الحرية والعدالة وحزب النور على 50 مقعدا، وتركه الخمسين مقعدا الباقية ليتم تقسيمها بين الأزهر، والكنسية القبطية، وممثلى مؤسسات الدولة، وآخرين.

 وأعرب عن استيائه من أن الجمعية ليست ذات خبرة وليست ممثلة وطنيا، وعليه فقد نوه إلى أنها معرضة لمواجهة تحديات متعلقة بشرعيتها. ونقل إبان الندوة شكاوى أعضاء الجمعية حول انعدام الشفافية حتى داخل الجمعية ذاتها، والتجربة المخيبة للآمال التى مر بها عند تقديم مقترحات مؤسسته. 

وأوضح أيضا سيناريوهات مختلفة كلها سلبية للكيفية التى ربما تستمر بها عملية الصياغة، وقال باختصار: إنه لا يتوقع أن يرسى هذا الدستور استقرارا طويل المدى. وأنهى بهجت حديثه بملاحظة متشائمة للغاية؛ إذ قال إن ثمة عقبات إجرائية تجعل من المستحيل تقريبا تعديل الدستور.

وبعد عرض كل مشارك لوجهة نظره، أتيحت الفرصة لطرح الأسئلة. وعندما وجه سؤالاً إلى يوسف حول المواد التى يعترض عليها، تحدث عما يتراوح مجموعة ما بين 15-20 مادة وصفها بـ«المعقدة».
وعندما وجه سؤالاً إلى بهجت بشأن اعتراضه على مشاركة برلمانيين فى الجمعية، قال إنه ليس معترضا على هذا فى حد ذاته بقدر اعتراضه على الفشل فى وضع معايير موضوعية للترشح إلى الجمعية. وعرض الأسباب التى جعلت تشكيل الجمعية عرضة للتحدى القانوني، منتقدا الطريقة التى هاجم بها كبار الخبراء القانونيين والقضاة عملية صياغة الدستور لأنهم حرموا مصر بذلك من الاستفادة من الفكر الدستورى العصري. وفى المقابل رد دراج على الانتقادات المثارة بشأن تشكيل الجمعية، قائلا: إن عملية الترشح سهلة وسلسة للغاية.