الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع.. ليتك معى

واحة الإبداع.. ليتك معى
واحة الإبداع.. ليتك معى




يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة «على ألا تتعدى 550 كلمة» على الإيميل التالى:    
[email protected]

اللوحات للفنانة عقيلة رياض



ليتك معى


بقلم - هـــدى حافظ

كل قصص ما قبل النوم كانت بين الحقيقة والخيال، كل الحكايات التراثية التى يتردد صداها فى الميادين والشوارع، هى جزء من الحقائق المتباينة، ونوع من الصدق المخلوط بالكذب، وفى النجوع والقرى تاريخ قصصى قديم، وبين مزيج من الواقع الأشد قتامة و الخيال الأكثر سحرا  تبدأ قصتى.. خباز القرية كان يجمع اشولة الدقيق، المخبوزات الطازجة  الموزعة على الصاج، ورائحة  الخبز التى تداعب أنوف المارة  
كانت تزيد من تهافت الناس على الشراء تطلق ابنته  قهقهات طفولية، فى محاولة القفز للامساك بالرغيف  الممدد على المطرقة الخشبية يخبرها الخباز ضاحكا لازال ساخن تحترقين، فجأة دوى صوت انزلاق العجلات الحاد والاهتزاز العنيف، يلتفت الخباز نحو الصوت القادم من بعيد، إنها الكارتة التى تحمل الطفل ذاته، يود لو أن يلقى بأفكاره فى فوهة الفرن المتأجج، لتأكلها النيران، الصبى يهبط السلم ممسكا بلوح وقلم أبنوس خطواته البائسة وظله الهارب المتوارى خلف الضوء ينبئان بشيء خفى، يفتح عينيه على اتساعهما مرتعبا الحروف البارزة من فوق اللوح تبدو غامضة للبعض، كأنها الطلاسم وأعاجيب السحر، ينفض الناس من حوله فى بضع ثوان وحده الخباز يمد يده بلطف للسلام، كأنما تنفك أصابع الصغير المعقودة، ويتبدل الصقيع دفئا، يلقى الطفل نظرة نحو الابنة بعد محاولاتها  قضم قطعة من رغيف الخبز الساخن يود لو أن  يتقاسما لحظات اللعب والمرح، تمر لحظات ويعطيه الخباز فطائر العسل باللوز الشهية، وكأس من الشاى المختمر يستعيد الصغير قدرته على الضحك العفوى يشكره ممتنا، ويهديه اللوح الخشبى الغامض، ويمضى كأنه غيمة لا يمكنها أن تمطر، الخباز الذى عاش فى مجتمع يسوده الجهل والخرافة لا تعنيه إن كانت الحروف من نور أو نار، الجاهل لايمكنه رؤية العالم، هو والأعمى سواء كلاهما يعيش فى بقعة من ظلام دامس، ما تردد على الألسنة حول غرابة هذا الطفل،  وما أثير من جدل عن طبيعة اللوح، ساعد أن تشتعل فى رأسه الفكرة القديمة التى طالما راودته، وتغلغلت فى أعماقه، وحمل طفلته على كتفيه، واقسم لان يطوى المسافات  باحثا عن مدن يزدهر فيها العلم ..مات الخباز وعادت ابنته إلى القرية وحيدة  تحمل فى يدها اللوح الغامض،  وقلم من خشب الأبنوس، هذا كل ما ورثته عن أبيها، أفكارها التطوعية لمحو الجهل كانت تثير مخافة شيخ القرية، وعلماء الدين ...لكن الأطفال كانو كالفراشات الحائمة حول منزلها الطينى يستقون من علومها  وفنونها، حتى جاء ذلك اليوم الذى سمعت فيه صوت المنادى، يعلن عن الحفل المقام  فى بيت شيخ القرية لاستقبال ابنه العائد من بلاد الحضر، شعرت ان القرية قد فرغت من ساكنيها، هدأت الأصوات وسكنت وعلقت عيونها بذلك اللوح الغامض، ورأسها تضج بالأفكار الهاجسية الأحرف الباهتة فوق سطح اللوح حتى استحال قراءتها، الأخبار التى ستتناقل فور رفضها دعوة حضور الحفل،  بينما هى غارقة فى أفكارها تسمع دقات الباب فتركض مسرعة ..لاح وجه المشرق، ذلك الشاب الذى بدا وكأنه قادم من الحضر، يبرق أول شرر من عينيها، لم يثير دهشته غير وجود نجمة خارج مجرة عشقه، كل الفتيات اللواتى التقطن إشارات الجاذبية خضعن له «ليتك معى» هى الكلمة التى قالها  وهو شاخص بصره ناحية اللوح..وقبل أن تبادر بالهجوم، أقدم على الاعتراف - أنا ياسيدتى الطفل الذى اختزل أوجاعه فى أحرف قبطية مزخرفة فوق اللوح لازالت حلوى الخباز عالقة بفمى، قطعت الطريق هربا من عجرفة الأب وسطوته، تاركا ورائى كل احتفال يضم  نساء الأرض اجمعها، ولست ساحر ولا كاهن، ما أنا سوى صغير يتهجى حروفه الأولى، أمام عينيك ليطلعك على سر الأحرف.. «ليتـــك معى».