الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

نظرة ومدد يا قناوى.. مصر آمنة يا مولانا

نظرة ومدد يا قناوى.. مصر آمنة يا مولانا
نظرة ومدد يا قناوى.. مصر آمنة يا مولانا




قنا - أشرف أبوالريش

فى صمت شديد يدخل الزوار إلى ضريح أبى الكرامات سيدى عبدالرحيم القناوى يوم الاحتفال بذكرى مولده الذى يتزامن موعده مع ليلة النصف من شعبان نظرة من صاحب المقام قطب الصعيد.. فى ركن بعيد داخل الضريح يجلس الأرامل والمساكين يلتمسون الحنان والدفء بعد أن تركوا مشاكلهم وأحزانهم وهمومهم على عتبات صاحب المقام.. نظرة ومدد يا سيدى عبد الرحيم.. مصر آمنة يا مولانا بهذه الكلمات البسيطة التى انطلقت دون ترتيب من الحاجة فاطمة صاحبة السبعين عاما وهى من مدينة إسنا منذ عشرات السنين لتزور ضريح سيدى عبد الرحيم.
هؤلاء هم أهل الصعيد الكرماء البسطاء المحبين لأولياء الله الصالحين جاءوا من كل مكان لنيل بركة صاحب المولد والاحتفاء به فى ليلة النصف من شعبان.  
وعندما تدخل إلى ساحة سيدى عبدالرحيم القناوى عليك أن تخلع نعلك لأنك فى حرم أكبر أولياء الصعيد.. يأتى لمولده رضى الله عنه آلاف من المصريين وغيرهم من البلاد العربية يلتمسون بركته.
هذا هو قطب أقطاب صعيد مصر تزينت مقصورته فى ليلة مولده وتعلق بها الدراويش والمحبون.. تساوى الجميع أمام ضريحه المبارك لنيل البركة يطلبون العون والمدد.. بعضهم يبكى ويشتكى والبعض الآخر ينشد ويمدح.. الكل يطلب نظرة رضى من هذا الولى.
مدد يا صاحب القبة الخضراء.. مدد يا رسول الله.. مدد يا خير خلق الله.
كانت هذه الكلمات بداية ليلة الذكر والإنشاد فى ضريح القناوى حتى الصباح لا مكان لقدم داخل المسجد والضريح.. أهل الصعيد أصحاب  البشرة السمراء نصبوا الخيام فى كل مكان لإكرام الزوار والمريدين.. يتسابقون لإطعام المحبين وضيوف المولد من كل المحافظات.. وتعتبر الليلة الكبيرة للمولد ذات طابع خاص لأنها تتزامن مع ليلة النصف من شعبان حيث تنزل الرحمات على المسلمين فى كل مكان.
ويرجع نسب سيدى عبدالرحيم القناوى إلى الإمام الحسين بن على بن أبى طالب. سمى وأطلق على نفسه «عبدالرحيم» طمعا لما عاينه من وصف الرحمة وكان اسمه فى بلاده بمعنى الأسد.
ولد رضى الله عنه فى ترغاى من مقاطعة سبتة فى المغرب الأقصى، وذلك فى الأول من شعبان سنة 521 هـ/1127م.
أمضى طفولته فى تحصيل العلم فى جامع ترغاى الكبير على يد والده، كما تتلمذ على كبار العلماء فلم يكد يصل الثامنة من عمره حتى كان قد حفظ القرآن الكريم وجوده تلاوة وفهما، وتوفى والده وهو فى سن الثانية عشرة لذلك مرض مرضا شديدا حتى حار الأطباء فى علاجه وأشار بعض منهم إلى أنه يجب أن يغادر البلاد لما حدث فيها من عزاء لوالده.. قضى فى دمشق ثمانى سنوات نهل فيها من علماء دمشق وقد بدا لهم ذكاء هذا الولى وسرعة بديهته وحفظه وميله إلى التصوف فطلبوا منه وهو فى سن العشرين أن يلقى الدروس فأبى وذلك أدبا لأنه يعرف قدر علماء دمشق.. وكان مقيما عند أخيه فسألوا أخاه إقناعه فرفض وقرر العودة إلى بلده ترغاى.. وفى ترغاى وجد مكان أبيه شاغرا لم يقدم أحد على شغله لمعرفة مكانة الشيخ وأن ليس فيهم من يستحق هذه المكانة واجتمع علماء ترغاى وأصروا على إحلال سيدى عبدالرحيم مكان أبيه، فكان لهم ما طلبوا. وفى أول درس يلقيه الشيخ تكدس الناس لما بدا لهم من غزارة علمه رغم صغر سنه وذاع صيته وتوافدت عليه الناس من البلاد المجاورة للقائه.
فقضى خمس سنوات على هذا النهج وما يقوم به من مهمة الوعظ والإرشاد عن واجبات المسلم نحو ربه ومجتمعه بأسلوب ساحر أخّاذ أبكى المستمعين تأثرا وإعجابا. على أن أحداث المشرق فى ذلك الوقت من تكتل قوى الاستعمار الأوروبى الذى جعله يفكر فى الرحيل إلى المشرق.
فقرر الاتجاه إلى الحجاز، حيث يؤدى فريضة الحج لأنه لم يتسن له أداؤها عندما كان بدمشق وحتى يلتقى هناك فى موسم الحج علماء المسلمين لمناقشة جوانب مشاكل العالم الإسلامى وبعدها يرى إلى أين يوجهه المولى عز وجل. فرحل من ترغاى إلى الحجاز لتأدية فريضة الحج، وفى طريقه مر بمدينة الإسكندرية والقاهرة فتركا فى نفسه أثرا لم تمحه رحلته المقدسة إلى البلاد الحجازية. وبقى فى البلاد الحجازية تسع سنوات قضاها متنقلا بين مكة والمدينة ينهل من علم وفضل فقهائها وعلمائها تارة وعابدا معتكفا بالبيت الحرام أو بمسجد المدينة تارة أخرى أو متنقلا يسعى فى مناكبها للاتجار فى بعض المحاصيل سعيا وراء كسب الرزق حتى يستطيع التفرغ للعبادة والعلم دون أن يمد يده للاستجداء أو أن يكون عالة على أحد.