السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أسطورة أوديب ومنطق القطاع الخاص فى «لعبة العراف»..!

أسطورة أوديب  ومنطق القطاع الخاص فى «لعبة العراف»..!
أسطورة أوديب ومنطق القطاع الخاص فى «لعبة العراف»..!




للقطاع الخاص تقاليده المعروفة فى صناعة العروض المسرحية، فلأن هذه الأعمال قد يكون هدفها الأول تسلية وترفيه الجمهور قد لا يختار صناعها مسرحيات معقدة أو أساطير قديمة كى يبنى عليها مواقف كوميدية لأنه فى الأغلب يحقق منطق وهدف المنتج الأسمى وهو صناعة الضحك أو بمعنى أدق كيف تصنع الإفيه، هذا هو هدف المنتج فى المقام الأول كى يصل بعمله إلى بر الأمان سواء عن طريق الإقبال الجماهيرى أو تحقيق إيرادات مسرحية ضخمة، وهناك ممثلون محترفون فى صناعة الضحك والإفيهات، كانت عروض «مسرح مصر» للفنان أشرف عبد الباقى خير دليل على ذلك ففى هذا المسرح رأينا ممثلين معظمهم متدربين على الارتجال وصنع الإفيهات الحية أمام الجمهور لمجرد التسلية والضحك، ونجح هذا المسرح فى دخول البيوت المصرية بل وجذب قطاعا عريضا من الجماهير للذهاب إليه ومشاهدته وربما ساهم الظرف السياسى الصعب الذى عاشته مصر طوال السنوات الماضية فى نجاح هذا النوع من المسرح بالذات وبزوغ ظاهرة مسرح الفضائيات وبدأت تتجه أكثر من قناة فضائية لمحاكاته، لكن لا يزال هو متفردا حتى هذه اللحظة بنجومه على ربيع، ويزو، مصطفى خاطر، محمد عبد الرحمن، محمد أنور وغيرهم، لأكثر من سبب الأول كما ذكرنا هو احتراف هؤلاء وتدريبهم على صناعة إفيهات حية أمام الجمهور وعلى فن الارتجال والثانى حاجة الشعب المصرى فى هذه اللحظة التاريخية الصعبة لهذه النوعية من العروض الخفيفة والسبب الثالث وهو الأهم وجود نجم كبير مثل أشرف عبد الباقى كعنصر جذب ساهم بشدة فى ثقل ونجاح المشروع حتى ولو لم يعتمد على تأليف مسرحية مكتملة العناصر والأركان بل اكتفى هذا المشروع فقط بعناصره الفنية البسيطة كما هى والتى ضمنت له النجاح.

كل المحاولات الفضائية التالية لتجربة مسرح مصر لم تلق نفس الإقبال أو نفس الاستقبال الجماهيرى لها لسبب أساسى أنها لم تتوافر فيها العناصر التى توافرت فى مسرح مصر برغم اعتماد معظمها على قصص مسرحية مكتوبة فلم يكتف صناع التجارب الجديدة فقط بالارتجال واعتمد بعضها أيضا على أسماء نجوم لا بأس بها لكنها لم تحقق نفس عنصر الجذب ربما يرجع السبب أيضا إلى أسبقية مسرح مصر فى اتخاذ خطوة مسرح الفضائيات من البداية فكان له السبق فى ذلك وبالتالى لم ينجح فى منافسته أحد، لكننا هنا لسنا بصدد الاتفاق أو الاختلاف حول ما يقدمه صناع ومنافسو مسرح مصر لكننا فى الحقيقة بصدد  الاختلاف مع محاكاة مسرح الدولة لأساليب ومنطق مسرح الفضائيات..!!
فى عرض «لعبة العراف» للمخرج عمر الشحات الذى قدمه مؤخرا على خشبة مسرح الغد، تناول العرض تقديم قصة أوديب عن طريق رواية العراف للحكاية، مع شخصية أرلكينو الذى يحكى الأسطورة مع العرافة التى تتنبأ فى معبد أبولون للملك لايوس بأنه سينجب طفلا يقتله ويتزوج من أمه فإنزعج الملك لايوس من هذه النبؤة وقرر الابتعاد عن زوجته لكنه يوم ما كان مخمورا فعل معها ما فعل دون أو يدرى فأصبحت زوجته حامل، فلم يشغل باله سوى فى كيفية التخلص من هذا الطفل كى يفسد النبوءة، بالفعل أرسل ابنه مع أحد الرعاة كى يلقيه من فوق الجبل لكن الراعى يحنو عليه ويمنحه لأب وأم يحتاجان لتبنى طفل وتستمر احداث المسرحية كما هو معروف إلى أن يذهب أوديب لمعبد أوبولون ايضا كى يستطلع عن أزمة الطاعون من العراف تريسياس الذى يطيل فى مراوغته إلى أن يكتشف سبب الطاعون فى المدينة وهو أن قاتل لايوس لا يزال فى القصر ويظل يبحث عن هذا القاتل ليكتشف فى النهاية أن أوديب قتل والده الحقيقى وتزوج من أمه وانجب منها فيقرر أوديب فقع عينيه حتى لا يرى ما فعله من أفعال شنعاء.
كتب المخرج عمر الشحات فى وصف مسرحيته بكتيب العرض «نلتقى داخل لعبة يحكمها قانونها الفنى الخاص ..إنها «لعبة العراف»، هى بالفعل لعبة وكان من الممكن أن تتحول إلى لعبة جيدة لما حوته من إطار فكرى جيد فى الإعداد المسرحى والتفكير فى تقديم تراجيديا أسطورية فى شكل ملهاة، لكن حكمها للأسف قانون فنى عشوائى فى الصناعة والتنفيذ ففى هذه اللعبة غير المحسوبة على الإطلاق قدم الشحات إعدادا مسرحيا لأسطورة أوديب مستخدما فن الكوميديا دى لارتى لكن بقوانين مسرح القطاع الخاص أو مسرح الفضائيات وتحديدا مسرح مصر، الذى تعمد بعض أبطال العمل تقليد أحدهم خاصة على ربيع فى أداء وأسلوب رمى إفيهاته على الجمهور، فأراد الشحات أن يخرج بأوديب وبمسرح القطاع العام عن المألوف فقرر تقديم نسخة مشوهة من مسرح مصر على اعتبار أن هذا النوع من المسرح هو السائد وهو الناجح فى جذب الجمهور.
فى حين أن المخرج قال إنه يستخدم فن الكوميديا دى لارتى لتقديم العرض، وهو شيء جيد كان عليه استغلاله والاحتفاظ بصنع الإبداع فيه بالتناول المختلف، بدلا من افتعال افيهات ركيكة لمجرد إثارة الضحك، ففى الأساس تعتمد الكوميديا دى لارتى على الارتجال فالممثلون يحتفظون بهياكل نصوص ويقومون بالارتجال عليها وتعتمد على المبالغة فى الملابس والألوان والرقص والغناء والموسيقى باتخاذ شكل الكلاون ولبس الأقنعة المبالغ فيها فهذه هى عناصر جذبها كى يتفاعل معها الجمهور لأنها كانت أحد الفنون الكرنفالية التى نشأت فى روما بإيطاليا، والكثير من المخرجين على مستوى العالم عادة ما يكون لديهم منطق وفلسفة فى إعداد نص مسرحى كلاسيكى كبير عن طريق استخدام فن الكوميديا دى لارتى لكن فى هذا العرض انتحر المنطق وتاهت الفلسفة، وحول المخرج فن الكوميديا دى لارتى إلى مهزلة، والمهزلة تهدف إلى إثارة الضحك بمؤثرات صوتية أو حركية وبالمبالغة فى وضع مكياج صارخ لبعض الممثلين، كما حدث تماما بالعرض أو كما فعل الشحات بمسرحيته فلم يستغل المخرج أنه بصدد نص ملحمى من كلاسيكيات المسرح العالمى كى يبتكر فيه بالارتجال عليه وتقديم عمل مختلف ومغاير عن أوديب الذى نراه عادة كعمل مأساوى أو عن أوديب الذى قدم وقدمت معه شخصيات العمل وكأنهم شخصيات كاركاتيورية قررت افتعال الهزار مع بعضها البعض على خشبة المسرح وليس صناعة ضحك مغلف بأفكار وفلسفة العرض، ففى هذه النوعية من العروض لابد أن تكون هناك حرفة وفلسفة فى صناعة هذا الضحك لأنها أعمال مسرحية باعثة على التأمل والفكر، وكان أولى بمخرجه أن يخرج بنا إلى هذه الحالة من التأمل والفكر بصناعة عمل كوميدى ملائم لهذه النوعية من النصوص الملحمية التى يكون تركيزها الأكبر على احتواء معان وقيم إنسانية رفيعة مثل تعرضها لنتيجة إطلاع الإنسان على قدره وفلسفة التعامل معه بمحاولة تغييره والثورة عليه، وفلسفة علاقة الإنسان بالآلهة ومحاولة الخروج عن حكمتهم وأقدارهم وكذلك ترسيخ فكرة العدالة ومصير الإنسان فى هذا الكون، كل هذه المادة المسرحية الدسمة كان يجب أن يكون لها شأن آخر عند تناولها بفن الكوميديا دى لارتي، لكن مخرج ومعد النص قرر اتباع تقاليد السوق فى عرض لا يصلح لهذا السوق، وكان همه انتزاع الضحك من الجمهور بلا هدف والتركيز على كيفية صناعته، عن طريق الاستسهال وإلقاء إفيهات ركيكة والاستظراف فى أحيان كثيرة خاصة أثناء فتح مجال الكلام مع الجمهور وإطالة الوقت معه، وما كان فجا فى هذا العمل شدة التركيز على الإيحاءات الجنسية فى أكثر من موضع خاصة فى وصف علاقة لايوس بزوجته ثم فى علاقة أوديب بأمه التى أصبحت زوجته فيما بعد، فتبارى أبطال العرض فى الإسفاف بالكلام والتلميح بالألفاظ وحركات الجسد، لفتح مجال لمجموعة من الإفيهات الجنسية الرخيصة والتى أصبحت منهج من لا منهج له فى صناعة الضحك والكوميديا، فبدلا من إبداء وإظهار العمق الفلسفى وراء الفكرة والنص عن طريق تقديم عمل كوميدى محترم خاصة وكما ذكرنا هو يملك نصا مسرحيا محكما فلماذا لجأ لتلفيق وإضافة إفيهات ليس لها معنى سوى وضع العمل فى إطار ليس إطاره ومنحه ثيابا ليست ثيابه، ففكرة تقديم أسطورة أوديب بالكوميديا دى لارتى فكرة جيدة للغاية لكنها نفذت وقدمت بطريقة مشوهة، وبالتالى فشل المخرج مرتين الأولى فى إعداد النص بصناعة حالة من الكوميديا العشوائية والثانية فى تقليد ما يقدمه مسرح مصر من إلقاء وارتجال افيهات تعتمد معظمها على «الهزار» وليس على إعداد للعمل نفسه وكأنه ترك خشبة المسرح للممثلين يفعلون فيها ما يشاءون، ولم يحتفظ من الكوميديا دى لارتى سوى بمظهرها الخارجى وشكلها السطحى فقط من خلال التصميم الكرنفالى للأزياء والديكور، وغناء ورقص الممثلين. بالطبع اشترك الممثلون جميعا فى صناعة هذه المهزلة وتمتع معظمهم بثقل الظل وإلقاء افيهات مكررة وقديمة وتطويل فترة التحدث إلى الجمهور والاستعانة برأيه داخل أحداث العرض مما تسبب فى حدوث انفصال عن حالة الاندماج والتمثيل التى من المفترض أن يتمتع بها الممثل، بينما الشخص الوحيد الذى كان له حضور خاص وأداء تلقائى مختلف هادى محيى الدين الذى لعب دور العراب الذى انتقل بأوديب من قصر والده الحقيقى لإلقائه من أعلى قمة الجبل لكنه لم يفعل كان هادى الأخف ظلا والأكثر تلقائية والتزاما بعمله ككوميديان موهوب على خشبة المسرح، فيما عدا ذلك تسبب الجميع للأسف فى انحراف العرض عن وجهته الأساسية شارك فى بطولة «لعبة العراف» عبير عادل، بدور زاد، محمود الزيات، نائل علي، صلاح الدين، على الظايط، إسلام أشرف، نورهان أبو سريع، أيمن هشام تصميم ديكور وملابس محمد هاشم، أشعار محمد الشرقاوى وألحان محمد بكر.