الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«فيس بوك» بين النعمة والنقمة

«فيس بوك» بين النعمة والنقمة
«فيس بوك» بين النعمة والنقمة




كمال عبد النبى يكتب:

بدأ الفيس بوك كمشروع برنامج تواصل للطالب الجامعى (مارك جوكربيرج) الذى صمم الموقع على غرار «المواقع الشخصية» التى تستخدمها المدارس والكليات لتمكين الطلاب من معرفة زملائهم.
وقد أوقعه أول مشروع له فى مشكلة مع السلطات فى جامعة رابطة اللبلاب (مجموعة من ثمانى جامعات أمريكية عريقة) بعدما اخترق موقع الكلية للحصول على صور الطلاب، إلاّ أن السلطات تصرفت بعقلانية، وأسقطت الاتهامات الموجهة ضد «جوكربيرج»، بعدما أصبح واضحًا أن الشاب فى سبيله إلى تغيير العالم.
كان «فيس بوك» فى البداية قاصرًا على طلاب جامعة هارفارد، ثم اتسع إلى جامعات ستانفورد وكولومبيا وييل، ثم إلى كليات أخرى فى بوسطن، ثم تدريجيًا إلى جميع الكليات فى الولايات المتحدة.
وكان انتشار الموقع دليلًا واضحًا على النمو الفيروسى له، فقد استغرق الأمر ثلاث سنوات لتجميع أول مائة مليون مستخدم، وبعدها 225 يومًا فقط لاجتذاب المائة مليون مستخدم فى الثانية، ثم تخطّى «فيس بوك» حاجز الـ 300 مليون فى 160 يومًا أخرى، وحقق أسرع معدل نمو له عندما وصل إلى 400 مليون مستخدم خلال 143 يومًا أخرى، حيث كان يسجل حوالى 700 ألف عضو جديد يوميًا.
الموقع، وببساطة، يوفر لك اشتراكًا مجانيًا، ومن خلاله يمكنك أن تراسل كل المشتركين أفرادًا ومجموعات وتتبادل معهم المعلومات والصور وبإمكانك أيضًا أن تنشئ مجموعة خاصة بك وبأفكارك، فى منتصف عام ألفين وسبعة أصبح «فيس بوك» الموقع الأكثر شهرة فى عالمنا العربى بعد تحقيقه شهرة واسعة فى شتى أرجاء العالم ووصل عدد المشتركين فيه إلى ستين مليون شخص، ولاقى اقبالًا شديدًا على استخدام الموقع حتى وصل حد الإدمان من قبل البعض، ويعد الشباب الأردنى فى طليعة المستخدمين لهذا الموقع فقد وجدوا فرصة جيدة للتواصل والتعارف وتبادل الأفكار، فضلًا عن سماع أخبار الأصدقاء والمعارف السابقين.
بالطبع هناك أخطار كبيرة عند الاستخدام السيئ وغير الواعى للفيس بوك لاسيما مع الذين يقومون بتزويد الموقع بصور ومعلومات قد تسبب لهم مشاكل كبيرة، فالكثير من الشباب أدلوا بتفاصيل مهمة عن حياتهم وعن اسرهم وعملهم وأصدقائهم بما فيها صور شخصية، وبالتالى أصبحت هذه المعلومات مصدرا مهما لأى جهة ترغب فى الحصول عليها.
وعند اطلاعك على الموقع تجد مجموعات متخصصة بذم رئيس أو ملك معين ومن هذا المنطلق فقد أغلقت الكثير من الدول هذا الموقع حفاظا على الخصوصية ولمنع الاختراق الأمنى والتلاعب بالمواطنين واستغلالهم حسب ما تعتقد فيه هذه الدول فضلًا عن أسباب أخرى غير بعيدة عن السياسة.
بالإضافة إلى استغلال هذا الموقع من قبل أجهزة المخابرات، وخاصة الإسرائيلية، للاطلاع على المعلومات الخاصة بالشباب والشابات، ومعرفة توجهاتهم السياسية وكذلك أنماط تفكيرهم.
بالإضافة إلى عدم الخصوصية للأشخاص، لأن جميع المشتركين فى الفيس بوك يستطيعون أن يشاهدوا ما لدى البقية الباقية من المشتركين سواء معلومات أو صورًا.
كذلك مقدار الوقت المهدور للشباب أمام شاشات الكمبيوتر أثناء العمل على الموقع، خاصة إذا كان العمل بلا فائدة تذكر اليوم، وفى عالم متشابك ومتقارب فى آن واحد، أصبحت وسائل التواصل والتعارف والتقارب أكثر من أن تُحصى، تذهلك حينما تتأمل غزارة مادتها وهيمنتها على حياة الناس، هى تدعو الآخرين لأن يقربوا ويتقاربوا، ويلتحم بعضهم ببعض، وإن اختلفت أجناسهم وألوانهم وحتى معتقداتهم لذلك تتردد كثيرًا مقولة إن العالم أصبح قرية صغيرة.
«فيس بوك» هو وسيلة للتعرف على أصحاب جدد، وهو وسيلة للتسلية أيضًا، ويمكن أن نبقى فى اتصال مع الأصدقاء والاقارب بواسطته بالإضافة إلى ابقائك فى الحدث أينما كان، ويمكنك زيادة رصيدك الثقافى والمعلوماتى من خلال التحدث ومناقشة الأشخاص فى كل أرجاء الكرة الأرضية والاطلاع على خبراتهم وعاداتهم وتقاليدهم.
بعيدًا عن النظرة التشاؤمية التى تغلف أذهان البعض فى النظر إلى أعمال الآخرين؛ يجدر بنا أن نتأمل أوضاعنا المزرية التى تحدثنا عن قطيعة مفتعلة لمعانى التواصل والتعارف التى أمرنا بها ربنا سبحانه، وهو الذى أرسل نبيه وخاتم رسله رسولًا ليس للعرب فحسب، بل للعالمين من الإنس والجن، فهى رسالة تواصل وتعارف بين الشعوب وتقارب ودعوة إلى منهج قويم مبنى على قيم نبيلة ومبادئ سامية، لو علمها من لم يتذوق حلاوتها لفرح بها، ولسعى أن يلج إلى أفيائها.
كم نحن بحاجة ماسة إلى تصفية المخيلة والقلب من التشاحن والتحاقد والتباغض! وأن نستفيد من تجربة «فيس بوك» معانى راقية، وعلاقات متينة، وجسور من التواصل للقريب قبل البعيد، وعدم الاستسلام للنزعات الحزبية والمناطقية والفئوية، التى أفلحت فى نقض عرى الإخوة بين شرائح المجتمع.
فلتتحرر النخب المثقفة من داء القطيعة السيئ، الذى ينخر فى العقول والقلوب، ليضع النتيجة سيئة لكل محب وتوّاق لتقدم المجتمع ونمائه ونهضته، ولكنه إيجابية عند كل من يتشوق إلى هزيمة مضاعفة تصيبنا فى مقتل.
فكما هو التلفاز والانترنت سلاح ذو حدين، فالفيس بوك أيضا سلاح ذو حدين، فبالإمكان أن يصبح سلبيًا يدمر الأسر والشباب وينشر الرذيلة يزيل الحواجز بين الشاب والفتاة، يمكن أيضًا أن يستغله الدعاة وأصحاب الفكر السليم والصادق لإيصال فكرتهم ورسالتهم لأكبر عدد من الأشخاص وبأسهل الطرق وأرخصها، ودون أن يتسبب لنفسه بالضرر فبالإمكان استخدامه لاسم بديل ينشر بواسطته رسالته.