السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مفردات خطاب الجمعة ودلالاتها المكشوفة

مفردات خطاب الجمعة ودلالاتها المكشوفة
مفردات خطاب الجمعة ودلالاتها المكشوفة




هشام فتحى يكتب:


لا جديد فى مفردات خطبة الجمعة، هذه التى تبث من وزارة الأوقاف بلسان أزهرى مبين، ولا بديع أن نقول إن كليهما «الأزهر» و«الأوقاف» تابعتان رسميا للدولة، ترى هل يغردان خارج السرب أم أنهما يعملان وفق سيناريو متفق عليه مع النظام؟
فبالوقت الذى تبدو فيه الدولة كأنها تتبنى خطابا تنويريا للفكر الإسلامى لتدشين مفاهيم جديدة عن المواطنة والسلام وقبول الآخر، تظل خطبة الجمعة - وهى ممثلة بامتياز عن التيار الإسلامى الرسمى - على مفرداتها العتيقة بشأن الآخر الداخلى والخارجى على السواء، فـ «النصارى» أهل ذمة، وأن المسلمين بعيدون عن «الإسلام الصحيح»، آه لو توصلوا إليه لسادوا العالم وحكموه كما كانوا من قبل تحت راية الشهادتين، ولسقط «الكيان الصهيونى» تحت سنابك خيل خيبر الحديثة القديمة.
ثلاثة محاور تقليدية يدور حولها خطاب الجمعة لا يغادرها، هل يقدر أن يغادرها؟ هل بخطاب الجمع مفاهيم الدولة؟ مصطلحات الدولة الحديثة؟ مواطنة مثلا؟ لا أظن، فتلك مصطلحات حديثة لم يتماس معها الفكر الإسلامي، وهذا ليس عيبا به، بل كل العيب فى إسقاطه على مفاهيم الدولة، الدولة الحديثة التى لم تتحقق بعد، الدولة التى نرنو لقيامها، أو على الأقل التى يرنو الصادقون لقيامها.
إن العيب كل العيب على من يستخدم مفاهيم كيان دولة الخلافة القديمة لإسقاطه على مجتمع معاصر للقرن الواحد والعشرين، نحن لا نحتاج أهل ذمة بل مواطنين، أتخافون من المواطنة؟ لماذا؟ تترتب على مفهوم المواطنة حقوق متساوية للجميع، فهل هذا ما يقلقكم؟
إن سعى خطاب الجمعة الدائم، الدائب، لبث مفهوم الذمية ليضرب الدولة فى مقتل ويقوض مواطنيتها، فهل هذا هو المطلوب حقا؟ يبدو خطاب الدولة «التنويرى» فى واد وخطاب الجمعة بالوادى المقابل.
إن تدشينًا دءوبًا لمفهوم الذمية فى الداخل ليتماس حقا مع مفهوم فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر فى الخارج، لتبدو دولة إسرائيل دولة عدو يجب إبادتها كيوم خيبر. خيبر؟ وهل أباد يوم خيبر اليهود؟ معلوماتى أنه تم الصلح بين المسلمين واليهود فى خيبر، لا أفهم كيف تنادى الدولة المصرية بالسلام الدافئ مع إسرائيل بينما تقوم خطبة الجمعة بضرب الخنجر فى خاصرة هذا السلام؟
لا تقل لى إن هناك تنسيقا بين الدولة وخطاب الكراهية، أو أن هناك سيناريو خفيًا بين خطاب للعالم بالخارج وخطاب للمسلمين فى الداخل، معلوماتى هى معلوماتكم فى أن إسرائيل دولة عضو بالأمم المتحدة، وأن مصر تعترف بها مثل كثير من دول العالم، وأن العلاقات الزراعية والأمنية والسياحية وغيرها متقدمة جدا بين البلدين، فهل يكون دور الجمع (بفتح الميم) ضرب خطط الدولة الخارجية فى تدشين السلام بالمنطقة والتحريض على إسرائيل؟
لا تقل لى لماذا تدافع عن إسرائيل ونظامك يقيم معها العلاقات الدافئة ويعترف بها منذ سنين؟ ولماذا تريدنى أن أتماهى مع خطاب الجمعة الخيبرى بشأن إسرائيل؟ ألا يعد خطابا متناقضا منافقا بين فقرتيه؟ فقرة للعالم وسلامه وفقرة لحساب فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر؟ أم أن السيناريو العالمى لخرائط المنطقة يحرض من طرف خفى على تقوية جانب اليمين المتطرف فى كل المنطقة من باب «لا تعايرنى ولا أعايرك» فكلنا دول دينية ليصب النهر فى الأخير فى المصب الإسرائيلي؟ هل حقا إسرائيل دولة دينية؟
معلوماتى أن الحكومة هناك لا تحكم شعبها بشرائع موسى، فهل لديكم جديد فى هذا الأمر؟ إن تديين الصراع العربى -  الإسرائيلى ليبدو صراعا بين يهوه والله لن يصب فى صالح سلام المنطقة، والعجيب أن النصوص الدينية ذات الصلة لتدعو العبرانيين لامتلاك المنطقة قبل أن يرسل الله عليهم من يجوثون خلال الديار ليتبروا ما علوا تتبيرا، إن قضية استخدام النص المقدس فى رؤية الآخر لن تبقى لك حجة ضد هذا الآخر، الذى يستخدم النص المقدس من زاويته، هل تريد الجمعة شغل أذهان المطحونين بالداخل عن مطحنتهم بحكاية خيبر أباد إسرائيل؟ صدقوني، إن خداع «بص العصفورة» لم يعد تقنع أحدا، وإلا فإننى أدعو شيخ الجمعة المهيب إلى الانضمام لمنظمة حماس فورا لمحو إسرائيل من الخارطة، نفاق وكذب وغش «مقدس»، وحديث عن «الإسلام الصحيح» يجتره اجترارا فضيلة الشيخ، أما مللنا؟ أما أتعبنا البحث وأرهقنا شيخنا الفاضل؟
كلنا نمتلك الإسلام الصحيح، القاتل والمقتول يمتلك الإسلام الصحيح، على وعائشة امتلكا الإسلام الصحيح فى موقعة الجمل قبل أن يمتلكه معاوية، فيقيم دولة الخلافة فى أسرته، ثم ما لبث أن امتلكه يزيد والحسن والحسين سيدى الفاضل وكانت نتيجته قطع رقبة الحسين.
سيدى كلنا نحتكر الإسلام، فأهل السنة هم أربابه، وأبناء على ابن أبى طالب مدافعوه الأشاوس، والأزاهرة، والأشاعرة، والصوفية، والجماعة الإسلامية، وداعش والقاعدة، وقتلة المفكرين وساجنوهم، كل أولئك يمتلكون الإسلام الصحيح، وأنت كذلك تمتلك الإسلام الصحيح، كفانا دورانا بالطاحونة المقدسة، هيه يا خطبة الجمعة، أما مللت؟ لقد هرمنا.
إن دور الدولة ليس البحث عن نص مقدس لتسود به العالم يا فضيلة الشيخ، بل دورها التنمية وسد جوع شعبها وترقيتهم، تتحدث عن مفاهيم الخلافة العتيقة، وملايين ممن ورثوا الدين وراثة لا يجدون مأوى سوى القبور، يقاتون الحشائش، لن تنفعهم فتاوى طبخ لحوم الأسير يا سيدى الشيخ، لا تمتلكون خطابا للدولة فلماذا الكذب؟
وفر جهدك للتوصية بالحب والعمل بدلا من الغرق فى دوامة مفاهيم عتيقة تحاول عبثا أن تطعمها لعقول عرفت الحقيقة، الحقيقة فى أن الدولة الدينية وبال على مواطنيها، تفرق لا تجمع، تقتل لا تحيى، تخرب لا تبنى، فهل هذا هو المطلوب؟ دلالات مكشوفة مفضوحة للخطاب العتيق.