الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

ابحثوا عنهم فقد أرهقهم التعفف

ابحثوا عنهم فقد أرهقهم التعفف
ابحثوا عنهم فقد أرهقهم التعفف




 الشيماء أبو العينين تكتب:

قبل أن أبدأ عملى بعد التخرج، كان أقصى معلوماتى عن الطبقة الفقيرة فى مصرنا الحبيبة، هى تلك «القريبة» التى كانت تأتى لتساعد أمى فى أعمال المنزل، ولكن بعد أن نزلت إلى الشارع، اكتشفت أنها ملكة متوجة.
فظروف عملى قادتنى لزيارة إحدى القرى والأماكن الأكثر تهميشًا، والأكثر فقرًا، ففيها رأيت ما لم أكن أتوقع رؤيته، رأيت هؤلاء الذين ذكرهم المولى عز وجل فى كتابه الكريم «لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِى الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ»، فتجدهم فى قرى الصعيد، تراهم ليلاً تحت كبارى القاهرة، التى نمر نحن فوقها بسيارتنا، تجدهم على الأرصفة، تجدهم بائعين لا يطلبون إحسانًا، بالرغم من حاجتهم، ورغم ضيق حالهم.
تجدهم فى الملاجئ، فى دور الرعاية، فى دور المسنين، لا أعلم، هل أقول أسعدهم حظهم فى الدخول لتلك الدور؟! أم أتعسهم هؤلاء المحتاجين، وما العيب فى أن تكون محتاجًا؟ ما هى فكرة الحاجة؟ فكلنا محتاجون، وإن اختلفت حاجاتنا!
إنهم يحتاجون إلى إنسانيتنا، وإحساسنا بهم، ونحن فى أمس الحاجة لعطف الله، وغفرانه، فى أمس الحاجة بأن نشعر بآدميتنا عن طريقهم، إذن فهى علاقة متبادلة هم فى حاجة لنا، وأصدقونى القول، إذ قولت إن حاجتنا إليهم أكبر بكثير.
ففى جولات عملى، رأيت من لا يستطيع توفير الطعام لأطفاله، ويخذله الفقر، ويذله، ولكنه لا يشكو إلاَّ لله، انتبهوا! فشكواه فى رقابنا، ووجدت من يموت بردًا شتاء، ورأيت من يموت مرضًا، وذلك لقلة حيلته، والغريب، أن هؤلاء حين قابلتهم، لم أشعر للحظة بنقمهم علينا، أو أحسست بأى مشاعر كراهية، أو حقد، وإن كان من حقهم أن يكرهوا ويحقدوا.
فأين أنتم من هؤلاء؟!
فكثيرون حول السلطة، وقليلون حول الوطن، مع كل الادعاء بالعمل الخدمى، ولا يزال هؤلاء على الأرض، معدلاتهم فى ازدياد، ولا تنقص أبدًا.
فأين الإعلام الخدمى فى بلدى؟ لا أراه، لا ألمسه فى الشارع. فالجميع يخدّم على نفسه، الجميع يستغل هؤلاء «للبروباجندا» و«الشو» ليس أكثر.
هل هناك برنامج خدمى واحد فى كل قناة من تلك القنوات الكثيرة الشهيرة؟ يتبنى ولو ظاهرة واحدة، تكون هى ملفه الخاص، ويضع على عاتقه أن ينهيها، وحين ينتهى منها، يتبنى غيرها، فالمشكلات كثيرة، فمنها غارمون وغارمات، المرأة المعيلة؛ أطفال شوارع؛ المرضى، فقراء يصرخون من ارتفاع نسبة الجريمة.
وتتسألون لماذا نغض النظر؟! فإنى أتفق معكم، فى المقولة النظرية «ليس هناك أى سبب أن يتحول الإنسان إلى مجرم» ولكن، حينما يتواجد الفقر والمرض والحاجة، لا تسألوهم لماذا أقدموا على بيع أعضائهم حتى يسدوا حاجة أطفالهم؟ بل يجدون مَن يقوم باستغلال حاجتهم، ويستثمرها أيضًا، فيدفع ويشترى تلك الأعضاء، فهل البائع مجرم؟ والمشترى ضحية؟ لا، البائع محتاج والمشترى مجرم، ومجرم محترف أيضاً، اعتاد الإجرام.
كنت أتساءل: إذا دفع كل منا الزكاة، والصدقة، بحسابات رب العالمين هل سيكون لدينا محتاج؟! أكيد لا، إعلامنا الخدمى المحترم، يأخذ حالات فردية من تلك الحالات المحتاجة، فقط لخدمة «الشو» ليس أكثر ولا أقل، ولكن القضاء على ظاهرة بعينها لا يمكن، ولا يوجد، فهو إرهاق.
كنت أراهم على أرصفة مدينة الإنتاج الإعلامى يتسولون الخدمة، كانت وجوههم تدمى قلبى، سؤال كان يوجهه لى فى مقابلاتى فى تلك القنوات، كيف ستكونين مذيعة مختلفة؟! هنا، كنت أجيب شغل خدمى على الأرض، أن أذهب إليهم، وكانت نظراتهم إجابة، حين أقول ذلك.
كنت منذ فترة قريبة، مع شقيقتى فى إحدى مطاعم الوجبات السريعة صباحًا، لتناول الإفطار، ووجدت سيدة فى سن جدتى ـ رحمها الله ـ كانت تتحدث مع مدير المكان، دخلت لأغسل يدى، وحين خرجت، وجدتها تهم بالخروج مسرعة من المحل، سألت أختى هل كانت تطلب منه الطعام، فأجابت لا أدرى، كنت أريد أن أعرف، ولكننى خوفت أن أحرجها، فتحت الباب، وأسرعت للبحث عنها، وجدتها تمشى على الرصيف، توجهت إليها، لا أدرى ماذا أقول؟ سألتها، هو حضرتك محتاجة تعرفى عنوان معين؟ فجاءت تلك الإجابة الصادمة، لا حبيبتى أنا سألته مال، أجاب لا يوجد، فسألته الطعام، قال لى لم نبدأ بعد، توسلت لها للرجوع معى إلى المحل وبعد محاولات رجعت معى فعلت ما فعلته ودخلت للتواليت لأنى لا أريد البكاء أمامها، لأجد أختى تحدثنى تسألنى هل قمتى بدفع ثمن الطعام فقولت لها نعم فردت قائلة إن مدير المحل يسأل السيدة لماذا تقفين هنا؟ خرجت مسرعة وأنهيت الموقف أصريت عليها أن تأكل بالمحل ولكنها رفضت رفضًا قاطعًا وأجابت: يكفى ما تسببت به من مشاكل كى اليوم وصاحبتها السلامة، ورحلت.
 سؤال: مدير ذلك الفرع عنده ما يكفى فى بند التآلف ما يكفيه حتى يقوم بعزومة أصدقائه وأقاربه إذا زاروه فى الفرع، دون أن يردهم، لكن قوى قلبه على رد سائل طعام وسيدة هل استطاع أن يكمل يومه طبيعيًا؟ هل استطاع أن يدخل لقمة لجوفه أنا لا أستطيع نسيان الموقف.
نعم، قابلت الكثير من تلك المواقف، إنما وجهها وتعففها وهرولتها للخارج قتلتنى، قبل أن تلوموا سياسات أو قيادات لوموا أنفسكم، لوموا إنسانيتكم، حتى تستطيعوا إدراك الباقى وإصلاحه، سيدنا عمر بن الخطاب أوقف حد السرقة فى عام المجاعة، هل تعقلون ذلك؟ هل تدركون ذلك؟ تزعمون الخير والإيمان والإحساس بالآخر!
ابحثوا عنهم فى الأقارب، فى الشوارع ستجدون الكثير، فلقد أرهق التعفف.
أحبائى دعموا فكرة جديدة وهى البيوت المستورة، فإذا وجدت حالة تكفل بها حتى يصبح صغيرها طبيبًا أو مهندسًا أو محاميًا أو معلمًا، ويتكفل هو بدوره بآخر، امسكو بأيديهم بقوة فقد يكون الإمساك بهم طريقك لإرضاء وجه كريم ستقف أمامه وستسأل عنهم، ابدأ بنفسك، من موقعك قبل اللوم على غيرك، وأخيرًا لا تحسبوا نفسكم ولا تضايقكم كلمة محتاجين أو سائلين فنحن المحتاجون ونحن السائلون ليوم الدين.