السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الأزهر بين القدسية والرمزية

الأزهر بين القدسية والرمزية
الأزهر بين القدسية والرمزية




أحمد عبده طرابيك يكتب:

قد لا يعلم الكثير مدى الاحترام والتقدير والإجلال الذى يحظى بها الأزهر الشريف فى العالم الإسلامي، والتى تصل فى كثير من البلاد ولدى الكثير من الشعوب إلى درجة القدسية، وهذا ما يجعل دولا عديدة ترسل طلابها للدراسة فى الأزهر سواء فى المعاهد أو كليات جامعته العريقة، بل امتد ذلك التقدير الذى جعل دولة مثل ماليزيا التى لديها أحد عشر ألف طالب يدرسون فى معاهد وكليات الأزهر فى مصر تسعى إلى افتتاح فرع لجامعة الأزهر فى ماليزيا، الأمر الذى يشير إلى مدى ما يتمتع به الأزهر من قوة ناعمة لم نستطع استثمار وتوظيف تلك القوة فى إقامة علاقات تستفيد منها مصر فى مختلف المجالات السياسية والسياحية والتجارية وغيرها.
الذين يهاجمون الأزهر لم يقرأوا تاريخ الأزهر ونضال شيوخه وعلمائه وطلابه فى قيادة الحركة الوطنية، ضد كل القوى التى جاءت إلى مصر غازية ومحتلة، وفى أوقات السلم، رفع الأزهر مشعل التنوير فى فترات كانت الأمة تعانى من ظلام الجهل والتعصب، وهذا ما جعل الأزهر يحظى بمكانة رفيعة من الاحترام والتقدير فى العالم الإسلامي، بفضل وسطيته واعتداله وتبنيه لمختلف المذاهب الدينية، وسعيه للحوار والتقريب بين تلك المذاهب الدينية باعتبارها السبيل الوحيد لتحقيق وحدة العالم الإسلامي، وابعاد طلابه وأبنائه عن التشدد والمغالاة والتطرف.
يعرف الجميع فى الخارج، المسلمين وغير المسلمين على حد سواء، أهمية الأزهر ومكانته الكبيرة، ولقد كانت زيارة البابا فرنسيس إلى مصر ومشاركته فى مؤتمر «السلام العالمي» الذى نظمه الأزهر الشريف، ومصافحته وعناقه للدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وكلماته التى عبر خلالها عن تقديره واحترامه للأزهر ودوره فى نشر السلام، كان ذلك أكبر دليل على مدى الاحترام الذى تحظى به مؤسسة الأزهر فى الغرب، ومن قبل رأس الكنيسة الكاثوليكية، إلى جانب المكانة التى يحظى بها الأزهر الشريف فى العالم الإسلامي، ولو تتبع القائمون على الحملة التى يشنونها على الأزهر سجل الطلاب المبتعثون من دولهم إلى الأزهر، والمناصب الرفيعة التى تقلدوها بعد عودتهم إلى بلادهم لأدركوا مدى الهيبة التى تتمتع بها تلك المؤسسة فى مختلف الدول الإسلامية.
كان من الأجدر بدلاً من مهاجة الأزهر الشريف، ومحاولة النيل من هيبته ومكانته، البحث فى سجلات الطلاب المبعوثين من الخارج إلى الأزهر، وتتبع مسيرتهم العملية بعد وصولهم إلى بلادهم، والمكانة التى وصلوا إليها، والعمل معهم على مد جسور التواصل والتعاون مع بلادهم، واستثمار العلاقات الطيبة التى تربط بينهم وبين الأزهر لصالح مصر فى مختلف المجالات، ومن ثم الاستفادة من القوة الناعمة الكبيرة التى صنعها الأزهر، فى إقامة مصالح مشتركة مع تلك الدول وخاصة أن منها دولا متقدمة مثل ماليزيا واندونيسيا، ودولاً لديها فوائض مالية يمكن الاستفادة منها فى جذب الاستثمارات والسياح مثل سلطنة بروناى وكازاخستان وأذربيجان وغيرها من الدول فى آسيا، إلى جانب الدول الأفريقية التى تمثل الامتداد الطبيعى لأمننا القومى من النواحى العسكرية والمائية والاقتصادية.
تعمل كثير من الدول على صناعة قوة ناعمة لها فى أحد أو بعض الجوانب، فمثلاً سويسرا اتخذت من المؤتمرات عاملاً أساسياً للقوة الناعمة، فجعلت من جنيف محوراً لقوتها الناعمة وعلامة تجارية لجذب السياح إليها، كما اتخذت من نظام السرية التى تتبعها البنوك السويسرية مصدراً لجذب رءوس الأموال إليها، واتخذت فرنسا من صناعة «الموضة» وأدوات التجميل والعطور قوة ناعمة لها، واليابان جعلت من صناعتها ذات التقنية العالية قوة ناعمة لها، ونحن قد منَّ الله علينا بالأزهر صنع لمصر قوة ناعمة، لا يعرف قيمتها وقدرها إلا من سافر إلى الدول الإسلامية والتقى بمَن درس فى الأزهر واستمع إليهم عن حبهم وعشقهم لمصر لاحتضانها الأزهر الشريف، ولكننا لم نحسن استخدام واستثمار تلك القوة الناعمة.
الأمة التى لا تحترم علماءها وتقدر شيوخها هى أمة خاوية، والشعوب التى لا يملأ قلوبها الروحانيات والإيمان هى شعوب ضعيفة، تنهار أمام أوهن المحن وأضعف الشدائد، فالإيمان يشحذ الهمم ويقوى العزائم، وما انتصرنا فى معركة من معارك الحرب أو معارك السلام والتنمية إلا وكان الإيمان هو المحرك لعزيمة الأمة، ولقد كان شعار «الله أكبر» فى حرب العاشر من رمضان 1393 هـ ـ السادس من أكتوبر 1973، هو سر النصر العظيم فى قهر الأسطورة الإسرائيلية التى لا تقهر، ومؤسساتنا الدينية وعلى رأسها الأزهر الشريف بوسطيته واعتداله هى الدرع الواقية لشبابنا من الغلو والتطرف من ناحية، والوقوع فى براثن الفجور والانحلال من ناحية أخري.
لقد وهب الله مصر علماء أجلاء فى مختلف العلوم، ولكن حتى الآن لم نع قدرهم، على الرغم من أن هؤلاء العلماء هم سر تقدمنا إذا أخذنا بعلمهم، فما من أمة تقدمت ونهضت إلا كان العلم سلاحها الوحيد فى صناعة قوتها، وتحقيق نهضتها وازدهارها، فليتنا نتخذ من تلك المواقف دروسا تجعلنا نعود إلى الحق، ونتخذ بأسباب التقدم والرقى والازدهار، وندعو علماء الأمة فى الخارج الذين يحتفى بهم فى مختلف المجالات، ونصنع من هؤلاء العلماء والشيوخ والأدباء قدوة لأبنائنا وللأجيال القادمة، حتى تكون تلك الأجيال مؤمنة بأهمية العلم الذى يمثل السبيل الوحيد لاستعادة مصرنا لمجدها وعزها وازدهارها، «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه».